هل نحتاج ما نشتريه؟ تاريخ النزعة الاستهلاكية وما تفعله بنا
في عالم أصبحت الأشياء تحتل قيمة حقيقة ، أكثر من وجود الأشخاص ، فأصبحنا نجري لنلحق بالركب، فهل ما نفعله يستحق؟
add تابِعني remove_red_eye 11,914
مع تصاعد القيم المادية للأشياء، لم يَعُد للأشخاص قبول ضمن الدوائر الاجتماعية، إلا إذا كانوا يملكون ما يملك الآخرون من سلع أو مال. فبدخولك جامعة أو متجرًا لعلامة تجارية مشهورة، لا ينظر لك كطالب أو زبون عادي، ولكن من أي نوع أنت؟ حيث تُحدَّد قيمتك تبعًا لجودة ملابسك، ومستواك المادي. في البداية دعونا نوضح مفهوم الاستهلاكية ونشرح متى ظهرت؟
النزعة الاستهلاكية
هي رغبة تحفيز من قبل الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية لتجعلك تشتري أكثر من حاجتك الأساسية، وتستهلك الموارد بشكل مبالغ فيه دون الحاجة لذلك.
متى ظهرت؟
ظهرت تلك النزعة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تراكمت الخيبات والمنتجات. وتزايد خوف الشركات من خسائر الفائض في الإنتاج، حيث ازداد الإنتاج عن استهلاك الفرد الحقيقي، ومن هنا نشأت الفكرة. (أنت لا تشتري قميصًا جديدًا لحاجتك إليه، رغم أنك تمتلك عدة قمصان في حالة جيدة. لا، أنت تشتري لأنك تظن بأن سعادتك ورضاك الداخلي متعلق بذلك القميص) من فرض تلك النظرية كان إدوارد لويس بارنيه واحد من أكثر المؤثرين في القرن العشرين ويسمى The father of propanda
استند بارنيه على التحليل النفسي ليسوق لمنتجات الشركات التي يعمل لمصلحتها. فبدا بعمّه سيجموند فرويد الذي ركن لمعظم نظرياته على الجنس البشري. ليصل بارنييه لتأسيس مكتب في ويل استريت يدير منه أعماله، ويعين محللين نفسيين لدراسة نفسية الأفراد والمجتمع ..ليجد أفكارًا جديدة للتسويق.
أول من لجأ لبرنييه كان “جورج هيل” مالك أكبر شركة تَبْغٍ في الولايات المتحدة، حيث في تلك الفترة كان التدخين حكرًا على الرجال دون النساء. ومن الناحية الاقتصادية كان “هيل” يخسر نص السوق لأجل حكر فرض من قبيل الرجال. ومن هنا ابتكر بارنييه -بشكل ذكي- مفهومًا بأن السجائر تضفي على المرأة مظهر القوة والاستقلالية.. ومن هنا بدا الاستهلاك المتزايد للنساء للسجائر.
ثم يتطور الأمر ليداعب الحس العنيف المكنون داخل الإنسان، ليظهر بمظهر القوة يجب شراء سيارة موديل كذا، أو حتى لتظهر بمظهر الفحولة يجب أن ترتدي بطريقة معينة وتستخدم منتجات معينة تضفي لك المظهر المطلوب، حيث ابتدع بعض الخدع لمتاجر الأزياء، (حيث مظهرك الخارجي يجعلك فريدًا ويظهر جوهرك الحقيقي) ومن هنا تحكم بارنييه في الجزء اللاوعي للأفراد.
لتخلق مجتمعًا مطيعًا، اجعلهم دائمًا تحت سطوة شيء ما، والأفضل أن تكون تلك السطوة مخملية ناعمة كالتسوق بشراهة. فقط يكفي بأن تربط سعادة الأفراد بامتلاكهم الذاتي لسلع مؤقتة، وإقناعهم بأنهم سيكونون أسعد إذا حصلوا على تلك السلع، ثم يكون لديك قوة شرائية أكبر من المعتاد. ومع مرور الوقت أصبحت تلك القواعد هي السياسة السائدة.
الاستهلاك التفاخري “حول مفهوم السعادة” مع محمد الحاجي
ماذا نعني بترشيد الاستهلاك الغذائي وكيف نقوم به؟
هل من السيئ أن نكون مستهلكين؟
نعم، حيث المبالغة في الاستهلاك لا تؤثر على العمالة الرخيصة في الدول الفقيرة التي تنتج أطنانًا من السلع بسعر زهيد فقط، حيث يصاب الآلاف سنويًّا بأمراض مزمنة جرّاء بيئة العمل السيئة، ولكنها تؤثر أيضًا علي قدرة تحمل الكوكب للتلوث الناتج. حيث تحرق الغابات لأجل الزراعة واستهلاك أخشابها، وتلقي بالقمامة في البحار، ليؤثر بشكل سلبي على البيئة البحرية، ويؤدي في نهاية الأمر إلى كوارث بيئية، أو تحرق ويصعد دخان بغازات سامة، تؤثر على حياتنا كأفراد.
فالولايات المتحدة وحدها تستهلك (30%) من موارد الكوكب في حين أن نسبة السكان فيها لا يتعدى 5% من إجمالي سكان العالم، وليس هذا فقط ولكن جماعات من عالمنا الثالث يتم تهجيرهم من أراضيهم بالقوة من قبل الشركات الكبرى المتحكمة في الموارد، ثم يضطرون للبحث عن أيّ عمل بسعر زهيد دون أي ضمانات صحية أو مالية على حياتهم، لتنتج سلعًا رخيصة يستهلكها الأفراد في كل العالم.
إذًا ما الحل؟
مؤخرًا ظهرت عدة حركات مناهضة للاستهلاكية، كحركة ظهرت في (2006م) تسمى Minimalism. التي تدعو إلى التجرد من زحمة الأشياء وتخفيض الحد من الاستهلاك ليصل لشراء السلع التي تحتاجها حقا، ليس هذا فقط، فتقليل الأشياء التي تملكها، يتيح لك الفرصة للتركيز على الأمور التي من المفترض أن تبذل المجهود لأجلها، كعائلتك وأصدقائك ونفسك.
العائلة الحقيقة لا نشعر معهم بالضِّعَةِ لوضعنا المادي السيئ، أو لعدم امتلاكنا مئات الملابس المكدس في الأدراج، يمكننا أن نستمد قيمتنا الحقيقة من أنفسنا وليس من بضع سلع زائلة، فأنت لا تشتري الأشياء ليتم قبولك في الدوائر الاجتماعية الفارغة، ولا لتحقق لذة مؤقتة، ولكن تمتلكها لأنك تحتاجها حقا.
في فيلم وثائقي صنع عام (2016م) يسمي Minimalism : a documentery about the important things. يقول أحد المتجردين (ريان نيكوديماس) المتحوِّل من مستهلك بشراهه تبعا لفراغ نفسي يشعره بالبؤس، إلى مُحِدٍّ للاستخدام، لا يستخدم إلَّا ما يحتاج. جعل من حياته أكثر تنظيمًا وخفة ورحابة، فأنت ليس من المفترض ان تتخلى عن كل الأشياء التي تحبها. ككتبك المفضلة وبعض القمصان الظريفة. ولكن راقب نفسك، واسأل دائما أحقًّا أحتاج لهذا؟ اعلم أن جرعة الدوبامين ستنتهي بمجرد وصول الطرد للمنزل.
أنت من تملك الأشياء، لا تجعلها تملكك. فأنت من تحمل جنتك في روحك، وليس على أرفف المتاجر.
add تابِعني remove_red_eye 11,914
مقال يناقش فكرة جنون الاستهلاكية ولماذا نفعل ذلك دون سيطرة
link https://ziid.net/?p=60478