لماذا أصبح العالم بلا معنى؟
الحقيقة أن الإنسان المعاصر هو أكثر إنسان عبر التاريخ يبحث عن معان لحياته وأهداف، ولكن السؤال هو لماذا لا يستطيع البقاء في معنى؟
add تابِعني remove_red_eye 2,365
لأجل ماذا أنا عائش؟ سؤال لا يترك أبدًا حياة الإنسان المعاصر. بحثٌ مُلِحٌّ دائم عن إجابة لهذا السؤال لكن الخيبة تتصدى كالقدر. نسافر ونتجول، نأخذ هذا ونترك هذا، حتى نيأس ولا نجد طعمًا للحياة فنتمنى الموت لكن دون أي جدوى. فلماذا هذه الدوامة المستمرة من البحث الفاشل؟ هل المشكلة فينا؟ أم أنه لم تعد تُوجد معان أو أهداف نعيش لأجلها في هذه الحياة؟ ولماذا نبحث عن معنى أصلا؟ وإذا كان لا بدّ أن يكون لحياتنا معنى، فلماذا لم نُولد بمعنى حياتنا؟ لماذا كُتب علينا البحث غير المجدي اللانهائي؟ وهل كان الإنسان القديم يعاني من هذه المشكلة أيضًا؟
ما المعنى بالنسبة للإنسان؟
المعنى بالمعنى الحرفي هو حقيقة الشيء. أنت ترى شيئًا من زجاج يشبه الأسطوانة فمعناه بالنسبة لك هو أنه كأس. هذا الأمر ينطبق على الحياة، ولكن الأمر لا يتعلق هنا بمعنى الحياة الحقيقي ولكن بما تعني الحياة بالنسبة لك أنت، كيف تراها؟ كيف تراها تنتهي بك؟ هل مثلا تنتهي وقد زوّجت أولادك وتركتهم للحياة؟ هل مثلًا بتحقيق مركز مرموق في مجالٍ ما؟ وجود معنى لديك تعمل على تحقيقه يجعلك كما تشير دراسات عِدّة، في حالة رضا وسعادة وتمتع بالعمل والأمل، ذا تأثير إيجابي في مجتمعك، منخفض التفكير الانتحاري والأمراض النفسية وعلى رأسها الاكتئاب الذي يُعدّ من أشهر الأمراض النفسية الذي تصيب حوالي 300 مليون إنسان حول العالم. فكما يقول فيكتور فرانكل في كتابه “الإنسان يبحث عن المعنى”.
إن بحث الإنسان عن معنى لهو الحافز الأساسي لحياته.
مشكلة الإنسان الحديث عدم وجود معنى
لماذا لم يعد الإنسان المعاصر يملك معنى لحياته؟ يجيب فيكتور فرانكل في كتابه “الإنسان يبحث عن المعنى” أن ظاهرة الفراغ الوجودي “عدم وجود معنى” هي ظاهرة واسعة الانتشار، وقد أرجع سببها إلى تطور حصل للإنسان الحديث، وهو بمعنى بسيط: جَعْل النظام الحديث الإنسانَ متفردًا عن المجتمع ووحيدًا. فيقول: ويتمثل هذا فيما يجري الآن بسرعة كبيرة من تناقص في الاعتماد على التقاليد في سلوكه التي أدت إلى دعم سلوكه. فليس هناك من غريزة ترشده إلى ما يفعل، ولا من تقليد يوجهه إلى ما يجب أن يفعله في سلوكه وأفعاله، ولن يعرف عما قريب ما يرغب فيه أو ما يريد أن يفعله.
يقصد القول إن الإنسان كان يكتسب معناه للحياة ممن حوله، وكذلك يكتسب الإحساس بأن هذا المعنى جيد أو سيئ ممن حوله، لكن ما حصل في الإنسان الحديث من جعله متفكّكًا عن المجتمع جعله في حيرة حتى في أصغر الأفعال، وفي حالة بحث دائم عن معنى. هو يريد أن يجد معنى لنفسه مختلفًا عن العالم، يبحث عن الحرية كما يقول” “سارتر”. ولكن بسبب انفصاله هذا لا يجد هذا المعنى. ويجب أن أشير هنا إلى أن فرانكل قد ذكر هذا في القرن العشرين، وأظن أنه من الواضح جدًّا أننا الآن جميعًا في القرن الواحد والعشرين قد صرنا جميعًا في الشكل الذي ذكره فرانكل، صرنا جميعًا لا ندري ماذا نريد، صرنا في حالة بحث دائم عن شيء لا نعرفه، عن شيء يؤيد سلوكنا وقراراتنا.
دون المجتمع أنت لا شيء
سنذكر هنا بعض الدراسات التي تؤكد كلام فرانكل أن البعد عن المجتمع يجعل الإنسان بلا معنى أو في حالة قلق من المعنى. أكدت أربع دراسات على أن الشعور المستمر بالوحدة –كما هو حال الإنسان الحديث بسبب رغبته في الانفصال والسعي وحيدًا– أو الرفض الاجتماعي يقلل من الإحساس بمعنى الحياة وذلك عن طريق إحساس الفرد بانخفاض أربعة أشياء. الأول: إحساس الفرد بالهدف “أي إحساسه أن أنشتطه الحالية تساهم في نتائج مستقبله”.
الثاني: إحساسه بالفعالية، أي: إحساسه أنه يتحكم في نتائج أفعاله. الثالث: إحساسه بالقيمة، أي: إحساسه أن أفعاله مقبولة من الناس حوله. الرابع: إحساسه بتقدير الذات، أي: إعطاء قيمة حقيقية لنفسه. ويؤكد الباحث في نهاية الدراسة على أن الأربع دراسات تؤكد على أن الناس يجدون معنى لحياتهم من بعضهم.
أين نجد معنى للحياة؟
نتنشر الإعلانات حولك والمنشورات والتغريدات عن تحقيق ذاتك، وغالبًا ما يُقال عن تحقيق الذات هذا بأنه معنى الحياة، احصل على وظيفة العمر، اشتر شقة الهناء والرغد، امتلك سيارة السرعة اللانهائية. ينتقد فيكتور فرانكل مصطلح “تحقيق الذات” هذا ويقول: إن معنى الحياة يجب أن يكون شيئًا مفيدًا اجتماعيًّا. يمكن فهم الجملة بشكل أوسع: يجب أن يكون أمرًا يراه البشر حولك، يساعد في خدمتهم، لا أن تعمل على تحقيق ذاتك وتطلب دعمهم بل يجب أن يكون معناك في صالحهم لتطلب دعمهم.
ولو ربطنا جملة “مفيدًا اجتماعيًّا” بنتائج دراسة البعد عن المجتمع فسنفهم أن فرانكل يقصد زيادة في الأشياء الأربعة التي ذكرناها: الهدف والفعالية والقيمة وتقدير الذات. على عكس مصطلح تحقيق ذاتك، فهو يشعرك دائمًا أنك تحارب من أجل نفسك. وكل ما يتبع هذا من أحاسيس بالوحدة. يقول فيكتور فرانكل:
إن الهدف الحقيقي للوجود الإنساني يكمن في العالم الخارجي، لا يمكن أن يوجد فيما يسمى بتحقيق الذات، فالوجود الإنساني هو بالضرورة ارتفاع برغبات الذات إلى هدف سام وتجاوز لها أكثر من أن يكون تحقيقًا لها، فلا يجوز أن نعتبر العالم الخارجي كمجرد تعبير عن ذات الفرد، كما أنه لا يجوز أن نعتبر العالم كمجرد أداة أو وسيلة لغاية تحقيق الفرد لذاته، في كلتا الحالتين تتحول نظرة الشخص إلى العالم إلى انتقاص من قدر هذا العالم.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 2,365
رؤية جديدة ومراجعة لكتاب الإنسان يبحث عن معنى
link https://ziid.net/?p=89183