لماذا لا نشعر بالأمان؟
من الضروري رصد هذه الحالة النفسية الخاصة والعامة وتنمية شعور الأفراد بالأمان والثقة بالنفس لكي يستوي حال المجتمع
add تابِعني remove_red_eye 6,145
لماذا لا نشعر بالأمان؟ سؤال يتردد في نفوس الكثيرين وقد يعبر عنه بعضهم بقوله لماذا أشعر بعدم الراحة؟ قد يعزو بعضهم الأمر إلى وجبة دسمة أو قلة نوم أو ضغط عمل وهي -بلا شك- أسباب منطقية.
لكنها ليست الأسباب الأساسية والمباشرة التي تؤدي إلى شعور عامّ للإنسان بعدم الراحة وما يتبع ذلك من التردد والقلق بل والخوف والاكتئاب.
واللافت في الأمر أن هذا الشعور تعدى الحالة الفردية إلى حالة مجتمعية عامة بما يشبه العدوى، حيث يعاني غالب أفراد المجتمعات العربية من شعور التهديد النفسي، حيث الجميع يلهث خلف الكماليات الحياتية أو حتى الضروريات التي تقيم الحياة من طعام وشراب ودواء وسكن وزواج، ولم يلتفت إلا القليل إلى معاني الأمن النفسي والاتزان الانفعالي والصحوة الذهنية ودرجة التواصل الإنساني ومستواه.
أسباب عدم الشعور بالراحة
فمن الضروري رصد هذه الحالة النفسية الخاصة والعامة في نفس الوقت للخروج بأسبابها وطرق علاجها؛ إذ استمرارها يؤدي إلى عواقب سيئة على الأفراد والمجتمعات التي يعيشون فيها والحالة العربية الراهنة خير شاهد: يركب سيارته ومعه أولاده وهم في حالة من الراحة والسعادة والمرح فتمر بهم سيارة شرطة مسرعة بأضوائها الزرقاء والحمراء اللامعة وصوتها المرتفع فإذا بالجميع يسكت ويعود على مقعده في لحظة أشبه بالتنويم المغناطيسي ولا يقطع صمت هذه اللحظة سوى صوت طفل صغير ينادي (شرطة .. شرطة).
هذا الارتباط الذهني بين سيارة الشرطة بأضوائها وصوتها وبين الخوف والقلق والتوتر بل والرعب في بعض الأحيان أحد أكبر مسببات انعدام الأمن النفسي عند الأطفال وصولًا إلى مرحلة البلوغ والنضج والرجولة.
زراعة الخوف في قلوب الأطفال
- نعم إنها التربية الوالدية للطفل في مراحله الأولى التي يمارس عليه فيها بعض القمع والقهر والتخويف بالعقاب البدني والحرمان وتتوالى طرقها وتتنوع أساليبها في المراحل المتتالية في حياة الطفل. [مخاوف الأطفال على حسب المرحلة العمرية]
- الاستعداد للهشاشة النفسية والهزال الداخلي في بعض الشخصيات، والذي يحفز انعدام الأمن النفسي والشعور المستمر بالتهديد الداخلي وعدم الأمان والراحة، وهي شخصيات في غالب الوقت هامشية في البيئات التي تكون فيها (كالمدرسة والعمل ودور العبادة) ضعيفة التواصل قليلة التفاعل غير منسجمة غالبًا مع التجمعات وتجد صعوبة في التكيف.
- بعض وسائل الوعظ الديني المتشبعة بفكرة لوم النفس وتعذيبها ومخالفتها لكونها شريرة ومحل لكل سوء وفساد، تحتاج للقهر والجبر لتستوي أحوالها على مراد الله تعالى ولا يخفى أنه سلوك معيب؛ إذ الأصل في النفوس أنها مفطورة على الخير وحبه والرغبة فيه وإنما يتم تشويه بعض المعتقدات والمواقف بسبب الرغبات والأهواء، وحينها فقط يلزم قيادة النفس وحملها على مكارم الأخلاق ودلالتها على الخير وإعانتها عليه.
- عدم رؤية الإنجازات الشخصية والخاصة من قبل الأهل بداية ثم من كل متعامل مع الطفل مرورًا بالمراهقة والبلوغ، ورسوخ فكرة أن مدح الشخص يؤدي إلى إفساده واضطراب أحواله وأن الصواب حمله على الشدة والقوة بل والقسوة. [رسالة إلى عشريني: المرحلة الغامضة “النضوج”]
- تعلق الأمن النفسي بالآخرين وهو غالبًا في المرأة حيث تتعلق بأبيها وهي طفلة، فالبنت سرّ أبيها وكل فتاة بأبيها معجبة ثم بمن تشاركه حياتها بالزواج ثم بعيالها وهكذا، فيصبح شعور الشخص بالأمن الداخلي متعلقًا بغيره لا بنفسه، وهو باب كبير للاضطراب والاغتراب النفسي والشعور بالهشاشة، إذ راحته في راحة غيره وتوتره في سلوك غيره.
- ولا شك أن القمع العام الممارس من قبل السلطات على عموم الشعوب وغياب الحد الأدنى من الحريات أو العيش الكريم أو العدالة الاجتماعية واحد من أهم الأسباب للهشاشة النفسية وغياب الأمن النفسي. والأمر يحتاج من الدول والمؤسسات حتى مؤسسة الأسرة والأفراد إلى وقفة حازمة لمراجعة الحالة النفسية والمزاجية وفق قواعد وإحصاءات رسمية وبرامج هادفة واعية تشارك فيها الأكاديميات والجامعات ودور العبادة لتحقيق الصلابة النفسية للأفراد.
وعلى المستوى الفردي فمن اللازم والضروري
- إعادة التعرف على النفس بقدراتها وإمكانياتها وما تملكه من مهارات.
- النظر إلى النفس بعين الإنصاف بأنها نعمة من الله تعالى خلقها وأنعم عليها بالفطرة السوية والقدرات المختلفة، وأنه يخرج منها الخير أصلًا وقد يخرج منها الشرّ فرعًا، فالإنصاف يقتضي العدل معها وإكرامها عند الصواب وقيادتها عند الخطأ.
- اعتماد التحفيز الإيجابي والمدح المنضبط في التعامل مع الأطفال والبالغين فالإنسان يقوى بمعرفة أن الآخرين يقدرون جهوده.
- تنوع مصادر الأمن النفسي بحيث لا تقتصر على وظيفة أو زوج أو عيال بل على جهود متنوعة في مجالات مختلفة تؤدي إلى فرح الإنسان بأفعاله ورضاه عن الأداء العام. [لماذا يجب على أطفالي عدم مشاهدة أفلام الرعب؟]
- التخلص من السلبية الخاصة والعامة وإبعاد الشخصيات المحبطة الميئسة القاعدة عن كل خير.
- الاقتراب من الناجحين والعصاميين وقراءة قصصهم وتاريخ نضالهم وصراعهم مع الحياة والناس. [فَنّ التعرّف على الذات: كيف تتعلم أكثر عن نفسك؟]
- العلم والقراءة والمعرفة والثقافة جزء أصيل في الصلابة النفسية فالمعرفة قوة والجهل ضعف وهزال.
- الإيمان بالقضاء والقدر وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن الأصل في الأشياء أنها بقدر الله تعالى وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
add تابِعني remove_red_eye 6,145
مقال يناقش فكرة عدم الشعور بالأمان وأهم الأسباب التي تؤدي إلى هذا وكيف نعالج الأمر
link https://ziid.net/?p=52205