لماذا اخترت أن تكون شخصًا لطيفًا
اللطف هو المحرّك المذهل للعلاقات ولا بدّ من المحافظة عليه وحمايته واستعماله بالطريقة المناسبة والتي تنفع الإنسان
add تابِعني remove_red_eye 828
هل تحاول دائمًا أن تفعل أيّ شيء لإرضاء الناس، لا تطلب منهم شيئًا لنفسك مطلقًا، وتحرص على ألّا تؤذي مشاعر الآخرين، وألّا تفقد أعصابك، ولا ترفع صوتك أبدًا على أصدقائك، وعندما يهاجمك الآخرون تظل متعقلًا وهادئًا فقط حتى لا تسيء إليهم، وعندما تحس بالحرج من طريقة أحد الأصدقاء معك فإنك لا تفكر أبدًا في إحراجه ومصارحته، ولا تتكلم أبدًا بما يثير حزنك لدى الآخرين؟ إذًا فأنت إنسان لطيف حقًّا، بل لطيفٌ أكثر من اللازم!
يفعل الناس اللطفاء هذه التصرفات بنية حسنة، ولكنها تؤثر بطريقة عكسية على علاقاتهم، وتنتزع البهجة من حياتهم وتسرق وقتًا وطاقة ثمينة. لذلك نحن بحاجة إلى قليل من التفكير والجهد للتوقف عن تلك اللطافة الزائدة عن الحد الطبيعي.
أنا وأنتم لطفاء صحيح، لماذا؟
لأن تربينا بنوايا حسنة من آبائنا على أن ننسجم مع إخواننا وأخواتنا، وأن نتخذ الكثير من الأصدقاء، من غير أي مصلحة. يسعى جميع الآباء إلى تنشئة أبنائهم على القيم والأخلاق الفاضلة، لكن للأسف من بين هذه القيم أن يكون الطفل لطيفًا مع الجميع وأن يراعي مشاعر الآخرين، حتى إن بعض الآباء يمدحون الطفل كلّما رأوا منه علامات اللطف الزائد.
لا يدلُّ التصرّف بلطف بالغٍ وكرم شديد طوال الوقت على رغبة عميقة في إرضاء رغبات الآخر فحسب، بل على قلّة ثقة في النفس وغياب الشعور بالأمان في غالبية الأحيان. يرى “ديوك روبنسون”، مؤلف كتاب “Too nice for your own good” أن التحلي باللطف الزائد عن الحد في التعامل مع الآخرين من شأنه إهدار الكثير من حقوقنا المشروعة في الحياة، بل والأسوأ من ذلك هو أن لطفنا الزائد يفسد نوايانا الحسنة التي تقف وراء تصرفاتنا فيسيء الآخرون فهمنا إلى حد الشعور بالإهانة في بعض الأحيان. كلّما انغمسنا في أداء دور الشخص اللطيف ظاهريًّا، لا نعود نجرؤ على التصرّف على سجيّتنا بل نبقى أسرى شخصية مزيّفة.
هناك أسباب كثيرة وراء اللطف الزائد عن الحد، وفي مقالي هذا سأركز على أحد الأسباب وهو الغضب. قد يكون هذا الكلام غريبًا للبعض ولا يبدو في الظاهر أن هناك ثمة رابط بين اللطف والغضب، لكن رجاءً أكمل معي بقية المقال.
يقول الدكتور ريتشارد أوكونور:
في بعض الأحيان، هناك الكثير من الغضب الذي يخفيه الشخص اللطيف. بالطبع هناك شخص لطيف حقًّا، إنه بكل بساطة عميق التفكير ومراعٍ لشعور الآخرين ومن المعطائين الذين لا يخفون أي شيء، لكن هناك أيضًا الكثير من الأشخاص الذين يبدون “لطفاء” ببساطة لأنهم لا يستطيعون التعبير عن غضبهم بشكل مناسب، فيتسرب هذا الغضب متنكرًا في أوقات غير مناسبة وللأشخاص الخطأ.
هؤلاء الأشخاص ذوو الغضب المدفون في أعماقهم، يكون الغضب مخبّأ في اللاوعي وقد لا يشعرون به. وفي بعض الأحيان قد تتسرب هذه الرغبة في مفاجأة غير سارة، وذكر الكاتب مثالًا عن إدارة المدرسة التي اكتشفت اختلاس المال من قبل المحاسب الوديع الذي يحبه الناس. برأيي قد يكون هناك أسباب أخرى للسرقة مثل الحاجة للمال، أو الضغوطات أو كما ذكر الكاتب عبارة عن غضب مكبوت. يشير هذا إلى أن الأشخاص الهادئين كثيرًا ما يكونون أشخاصًا يحاولون عن عمد أن يبدوا طيِّبينَ ومُراعِين وعادلين، بينما ذواتهم التلقائية مليئة بالغضب. أنوه مرة أخرى أنه يقصد البعض وليس الكل.
ويشير الكاتب “روبرت جلوفر” إلى أنه عادة ما يكون هناك الكثير من الفوضى خلف الوجه اللطيف، إما لأن الشخص اللطيف غير صريح، أو أنه يضمر عداءً مستترًا، أو أنه ممتلئ بالغضب أو أنه لا يستطيع التواصل (فهو شخص لا ينصت لأنه مشغول جدًّا بمحاولة قراءة عقول الآخرين بهدف استرضائهم ولتجنب الخلاف).
يرتعب الأشخاص اللطفاء عندما يقرأون هذا الكلام؛ لأنهم يعتقدون أن دوافعهم نقية؛ فهم يريدون أن يتآلفوا، ويودون أن يكونوا محبوبين، ولا يرون أيّ خطأ في هذا، كما أنهم لا يفكرون أبدًا في الآثار المترتبة على موقفهم في الحياة. ولكن للأسف جوهرهم غير الصادق يعني أنهم أشخاص غير جديرين بالثقة.
هذه الإستراتيجية تعد منهجًا مدمرًا للذات للمضي في هذه الحياة؛ لأنها تخلق قَدْرًا هائلًا من التوتر؛ وذلك لأن هؤلاء الأشخاص دائماً ما يحاولون إدراك ما يريده الآخرون بدلًا من مجرد التحدث بما يدور في أذهانهم؛ مما يجعل الحياة معقدة جدًّا.
- الشخصيات الأكثر انتفاعًا من العمل عن بعد
- ١٠ أمور ينبغي أن تكتبها في مفكرتك الآن لأجل حياة أفضل لاحقا
- قل شكرًا في ٧ حالات لتجعل حياتك أفضل
إذا استفزك هذا الكلام أو أغضبك فقد يدلّ هذا على أنه قد لامس شيئًا ما بداخلك وعليك مراجعة حساباتك، مفتاح أي علاج هو الوعي ومراقبة الأفكار والسلوكيات.
أول ما يجب فعله هو التعبير عن المشاعر بصدق، بما في ذلك مشاعر الألم والحزن والعنف والسخط والخيبة، من خلال تجنّب الكذب والخداع، يمكن إنشاء رابط صادق وقويّ مع الأشخاص المقربّين. قد يؤدي كبت مشاعر الغضب إلى مآسٍ ومعاناة وأمراض كثيرة قابلة للتفاقم، يظن اللطفاء أن التعبير عن غضبهم خطأ، ويخشون من إظهار مشاعر الاستياء أمام الآخرين ظنًّا منهم أن ذلك سيحافظ على صورتهم المثالية في أعين الناس، إلا أن الحقيقة هي عكس ذلك تمامًا فالتعبير عن الغضب يمكن إن تمّ وَفْقًا لضوابط معينة أن يسهم في تحسين علاقتك بالناس، والأهم أنه سيزيل ما بداخلك من صراع بين كبت حرارة الغضب في داخلك أو خسارة علاقاتك.
وينصح روبنسون اللطفاء بالتعبير عن غضبهم قبل أي شيء لمن أساؤوا وليس لأشخاص آخرين، مثلما يحدث عندما يوقع رئيسك في العمل عقوبة عليك وتكبت غضبك حتى عودتك إلى المنزل ثم تفرغه في وجه زوجتك، ثانيًا: يجب أن تخبر المسيء إليك بما تشعر به، وذلك بأن تعبر عن استيائك من فعلته وليس من شخصه، وأخيرًا توضح له ما تريده منه لإزالة غضبك.
يتطلب الموضوع بعض الجهد وبعض الصبر والالتزام، وهذه المقالة لا تدعو إلى التخلي عن اللطف، بل تدعو إلى التحلي باللطف من منطلق قوة وليس من منطلق ضعف
من خلال اتّباع هذه النصائح البسيطة، يمكن التوصُّل إلى إقامة التوازن الضروري بين «اللطف الزائد عن حدّه» و”انعدام اللطف”، وبالتالي إعطاء المعنى الحقيقي لمفهوم اللطف، أيْ إن هذا المحرّك المذهل للعلاقات لا بدّ من المحافظة عليه وحمايته واستعماله بالطريقة المناسبة.
للاستزادة، أنصح بشراء الكتاب من هنا
add تابِعني remove_red_eye 828
هناك مثل يقول"اللطف ميزة تقوم على الذكاء"ولكن هل هذا ينطبق مع الكل؟تابع معي قراءة المقال من فضلك
link https://ziid.net/?p=59155