أيهما أفضل التقدم بكل عيوبه أم الحياة التقليدية بمميزاتها ؟

يقال “ومن العلم ما قتل” أود أن أتشارك معكم فكرتي عن التطور، إنه الوسيلة التي سهّلت لنا الحياة وجعلتها تحت إمرة ضغطة واحدة من أصابعنا، من مزايا التطور أن الثقافة لم تعد مقتصرة على الكتب الورقية فقد أصبحت الكتب في متناول الجميع في أي وقت وأي مكان عن طريق الإنترنت، كما لم نعد في حاجة إلى شراء الجرائد اليومية فقد أصبحت متاحة أيضًا على الإنترنت.

إننا لم نعد في حاجة الآن إلى استغراق شهور وربما سنين في السفر، فاختراع الطائرة و السيارة جعل السفر أسهل من طرفة عين، نحن الآن في عالمٍ أصبح كقريةٍ صغيرة مترامية الأطراف أولها ضغطة زر وآخرها ضغطة زر أيضًا، التقدم له مزايا أكثر من ذلك فقد أصبح طلب العلم أسهل من ذي قبل حيث أُتيحت فرص التعلم عن بعد في كل مكان لكل الأفراد وغير ذلك الكثير من المزايا مثل اختراع الآلات الصناعية و الزراعية وتطويرها الذي جعل الصناعة والزراعة كل يوم أسهل من ذي قبل، وعلى الرغم من كل تلك الفوائد العظيمة إلا أن التطوّر قد جلب في طيّاته العديد من المساوىء التي تكاد تكون أوشكت على تدمير حياتنا -إن جاز التعبير-.

أصبحنا حاليا في سباقٍ كبير مع المجتمع و مع الزمن ومع أنفسنا أيضًا، قد أصبح همّ فئة معينة من الشباب الحصول على أعلى عدد من المتابعين والإعجابات على حساباتهم في السوشيال ميديا، وهذا السباق كما له فوائد له أضرار كالابتعاد عن الناس والأسرة والمجتمع ويجعل الشخص انطوائيًا كما يطلق على هذة الفئة من الشباب أحيانًا، حاليًا أصبح ترويج الشائعات أسهل من إضرام النار في كومة حطب فهناك الكثير من الغافلين عن الحياة الذين قد يروّجون تلك الشائعات دون تمعّن أو فحص لمصادرها أثناء تواجدهم على مواقع التواصل الاجتماعي بضغطة زر ربما دون قصد.

إن تطرّقنا إلى مجاليّ الزراعة والصناعة فلا بد أن نذكر مميزات التطور كتوفير الوقت والجهد في العمل الشاق وجعله أسهل وتوفير المصروفات بالنسبة لأصحاب رؤوس الأموال، ولكن هذا التطور له عيوبه أيضًا كازدياد عدد ضحايا تلك الآلات المستخدمة في هذه المجالات وتقليل عدد العمّال مما أدّى إلى تضخّم مستوى البطالة مع تقدم الوقت.

اخترع الإنسان السيارات والطائرات منذ وقت ليس بالقليل وأفادته إفادة عظمى لا يمكن إنكارها، ولكن كان لها بعض الأضرار من وجهة نظري كما الحال مع ازدياد أعداد رحلات تلك المركبات البترولية، فقد أصبح من المعتاد أن نقرأ في الصحف أخبار يومية مثل “حادث تصادم شاحنتين أدّى إلى موت 10 وإصابة العديد بإصابات بالغة “وعلى هذة الشاكلة الكثير من عيوب التطور أيضًا.

ازدياد حالات الإكتئاب و الانتحار والتي أعتقد أنها بسبب وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت من كل منا مجموعة أفكار أصبحت تنبعث لكل المحيطين بنا علاوة على الانطواء الذي يسببه إدمان السوشيال ميديا، ولا عجب إن قلنا أن أخلاق الناس بدأت في الانحطاط بسبب سوء استخدام تلك المواقع.

أنا لست ضد التقدم ولا أدعو إلى الرجعية والتخلف، ولكني أكتب هذا المقال لعلي أستطيع الدعوة إلى الوسطية في استخدام وسائل التطور بما يتيح لنا الاستفادة بأقل ضرر ممكن، أدعو إلى الوسطية كما أمرنا ديننا الحنيف ليس في أمور الدين فقط بل في كل أمور الدنيا أيضًا.

التقدم جعل حياتنا أسهل بكثير من الماضي ولكنه جعلها أيضًا عبارة عن روتين يومي شبه ثابت لا يتغير، جعل منا نموذج مصغّر من تلك الآلات المتقدمة، جعلنا نفكر فقط في نطاقٍ ما يسمح به التطور، لم يعد لدينا القدرة على الاستفادة بشكلٍ كاملٍ من يومنا، فما أسهل تضييع الوقت في زمننا هذا.

إن تحدثنا عن مزايا تطور الحياة يجب أيضًا أن نعرف عيوبه لكي نتجنبها، ماذا عن الأيام القادمة وماذا تحمل لنا في طياتها؟ هل ستعطينا الفرصة لكي نعيش حقًا أم أن التطور سوف يأخذ منا متعة الحياة؟ لا أحد يعرف ولكن ندعو الله أن يوفقنا في استخدام ذلك التطور.