ما الهدف من القراءة؟ ولماذا نقرأ؟
منذ فترة طويلة كان الهدف من القراءة هو المعرفة، فنحن نقرأ لكي نعرف، لكن الآن أصبح الهدف أن نقرأ لنصنع المعرفة.
add تابِعني remove_red_eye 4,991
منذ فترةٍ طويلة كان الهدف من القراءة هو المعرفة، فنحن نقرأ لكي نعرف، لكن الآن أصبح الهدف أن نقرأ لنصنع المعرفة، وهذه نقلة تتلاءم مع التوجه المعاصر في نظريات المعرفة، وما وراء المعرفة. ونظريات التعلم انتقلت من النظرية السلوكية إلى النظرية البنائية، والتي فيها بُعد نشاط المتعلم هو الأساس. وأنا أرى النظرية السلوكية كما في القراءة، فكان جزء كبير من القراءة سلوكي، فيما عُرف بالقراءة الجهرية والصامتة، وأعتقد أن هذا كان يعكس فلسفة في التعليم.
هو أن التعليم ظاهرة صوتية جهرية أو صامتة، الآن أنا أعتقد أننا نسير في طريق بناء الإنسان، أيًا كانت وسائل الاتصال، فإن المعرفة انتقلت الآن من مدرسة قارئة الفنجان إلى مدرسة قارئ شبكة الإنترنت إلى مدرسة قارئ القرص الليزر، وإلى قارئ النص الإلكتروني. هذه هي النقلة التي نريد أن ننقل بها تلاميذنا من مدرسةٍ إلى مدرسة. كلٌ من القرّاء أيًا كان وعاء المعرفة الذي يأخذ منه يبحر الآن في بحر المعلومات، وإن لم تعدّه بخريطةٍ تساعده على ذلك الإبحار فلا معنى لأن يذهب إلى هذه الدوامة.
علينا الآن أن نعلّم الطالب كيف يقرأ هذا النوع من المعرفة؟ وكيف يستخدمه في بناء معرفة جديدة؟ فعندما أقرأ كتاب رياضيات فهناك كلمة وشكل ورمز وجدول وترتيبات مختلفة لما يقوله الرمز، ولا بد للتلميذ أن يعرف الصور المختلفة للمعرفة، فالكلمة والشكل والرمز ليست سجنًا للفكر، إن ديكارت قرأ الرياضيات، وقرأ الهندسة وعرف أن النقطة هي الأساس أو المحور الأساسي في الهندسة، وقرأ الجبر وعرف أن العدد هو العنصر الأساسي فيه، وكانا علمين منفصلين.
ماذا فعل ديكارت؟ أحدث تكاملاً بين النقطة والعدد فنتج عن ذلك ما عرف بالهندسة التحليلية، وهذا هو البناء وهذه هي صناعة المعرفة. إن القارئ ليس فقط في التعريف ولكن ما وراء التعريف، والمفكر ليس فقط في الرمز، ولكن ما وراء الرمز. هذه هي البنائية الحديثة للقارئ عندما يقرأ النص أو الحديث أو الشيء، فإن هذه القراءة تدفعه إلى الأمام، وإلى معرفة السبب وراء الحدث والشيء.
إن القراءة والكتابة هما العنصران الأساسيان في محو الأمية، رغم أن الذين اخترعوا القراءة والكتابة كانوا أميّين، ومع ذلك يحاول الإنسان أن ينشر ما اخترعه الأميون كي يمحو الأمية، وهذا من أمثلة التناقض المعرفي.
إن القارئ ينبغي عليه أن يستدل ويستقرئ ويستنتج، وأن ينظر إلى ما يقرأ على أنه افتراضات وليس مسلّمات، وعليه أن يبحث عن إثبات لهذه الفروض بالقراءة في مجالاتٍ أخرى.
إن علماء البنائية يعتبرون أن البناء المعرفي يأتي من داخل المتعلم نفسه، وإن أُطر التعلّم مرتبطة بالنمو المعرفي، كما قالوا أن البناء المعرفي يكون في سياقٍ اجتماعي وليس من داخل الفرد فقط.
إن شكسبير تساءل يومًا: من أين الحب، من العقل أم من القلب؟ ونحن نتساءل الآن من أين يأتي المعرفة؛ المعرفة تأتي من العقل، لكن حب المعرفة يأتي من العقل والقلب.
إن الإبداع هو تزامن بين العقل والإنسان إن مؤلف كتاب “تعليم بغير أهداف” يؤكد في كتابه على ثقته في أن الإنسان قادر على صياغة المعرفة من داخله، وأن مدخله الناقد يدفعه إلى الإحساس بالحاجة إلى مزيدٍ من المعرفة؛ لذلك هي على القارئ أن يقرأ فيما يقرؤون فروضًا وتخمينات وليس مُسلّمات، عليه أن يبحث عن يقينيّتها، وكما يقال: “لجان النسيم يأتي من داخل الإنسان، وليس من الآخرين”.
إنا نريد أن نطور في محتوى مادة القراءة؛ فلا تكون قراء أدبية فحسب، بل تكون أيضًا قراءة علمية، فضعف التلاميذ في المواد الأخرى مثل الرياضيات يرجع إلى ضعفه في القراءة، فكل ما تدرسه في المواد الدراسية الأخرى هو جزء من اللغة العربية، كما ينبغي أن نقوم بتربية قرائية للطلاب وهي أن نعلم التلاميذ كيف يقرؤون، ما الذي يتعلموه قبل وبعد وأثناء القراءة؟
في النهاية أود أن أقول للقارئ؛ اجعل ما تقرأه أوتارًا تعزف بها في سيمفونية البناء المعرفي، حتى تنتقل القراءة بك إلى عالم المعرفة، ومن عالم المعرفة إلى عالم ما وراء المعرفة، ومن عالم ما وراء المعرفة إلى عالم صناعة المعرفة.
add تابِعني remove_red_eye 4,991
link https://ziid.net/?p=37770