ما الحرية؟ وكيف تكون حرًّا دون أن تؤذي غيرك؟
لا توجد حرية مطلقة، إنما هي السباحة في بركة كبيرة قليلًا بما يكفي لنظن أننا نسبح في المحيط!
add تابِعني remove_red_eye 62,020
بالنسبة للحرية فهي تعني الحياة، فما الفائدة من حياة لا تمتلك فيها أهم حقوقك على الإطلاق وهو الحرية، حرية الحياة، حرية التعبير، حرية المعتقد، حرية قول لا، حرية التصرف في ما تمتلكه، أصلًا ما معنى الحياة عندما تمتلك كل شيء ولا تمتلك الحرية؟ إن الحياة بلا حرية تشبه سجنًا ناعم القضبان من الذهب، الحياة الحقيقية هي التي تتمكن فيها من فعل ما تريده، وقت ما تشاء، الحرية هي ذلك المفهوم الذي تحارب الشعوب من أجله، ويحارب الكتاب والشعراء من أجل الحصول عليه.
الحرية؛ هي ذلك الحلم الأبدي المتقد في أذهان الثوار، هي تلك الأعجوبة التي تغذي أحلامهم، التي تدفعهم لأن يتظاهروا ويقتلوا، الحرية هي الحلم الجميل المبجل، الذي يجعل الشعوب المنتهكة تمضي في طريقها لصد المعتدي، لا تستسلم ولا ترفع رايتها، الحرية، هي تلك الجنة المشتهاة التي لن يحصل أحد عليها، الحرية هي المبرر الوحيد لحسابنا وعقابنا.
والحرية هي التي تحدد إن كان هذا الشخص، شخصًا صالحًا حقًّا أم أنه مجبر، مجبر فقط على هذا الشكل من الحياة لأنه لا يمتلك حق الاعتراض أو التغيير، الحرية هي التي تخرج أجمل ما فينا وأسوأه، للحرية من الخارج رونق، ومن الداخل ثِقل، ثِقل يجعلك تتحمل مسئولية أفعالك مائة بالمائة، والحرية ليست مفهومًا واحدًا بل هي معنًى كبير يتشعب إلى الكثير من المفاهيم، كلمة حرية هي المظلة التي تندرج تحتها الكثير من المفاهيم الأخرى، مثل حرية التعبير، حرية المعتقد، الحرية الفردية، الحرية الصحافية، حرية الشعوب في تقرير مصيرها، الحرية تتحكم في حياة الصغير الذي يتمنى أن يكون حرًا ليختار الممحاة ذات اللون الأحمر، وحتى الدول التي تسعى لتتخلص من يد المحتل الثقيلة، الحرية حق.
ما الحرية؟
يمكننا أن نقول إن الحرية، هي أن تكون متصرفًا في شئونك ملء إرادتك لا يملي أحدهم عليك ما تفعله، ما دمت لا تنتهك المعايير القانونية والتي هي في الأصل اعتداء منك وانتهاك وتعدٍّ على حرية غيرك، فالحرية هي التصرف في شئونك دون أن تنتهك شئون الآخرين، وهذا بالضبط هو الذي دفعني لمناقشة هذا الموضوع، ففي الأيام الماضية، وحينما تثار قضية من قضايا التحرش، تبرز بعض الأصوات التي تقول أن المرأة ما دامت خرجت من منزلها بزيّ معين، لأنها تقول أنها حرة في تصرفها فهو حقها، وكذلك الرجل حرّ في التحرش بها، وهو المفهوم الخاطئ للحرية، لان ذلك لا يعد حرية بل انتهاكًا، يعاقب صاحبه قانونيًّا من قِبل السلطات المخولة بحفظ الأمن ومعاقبة الجناة.
ما الحرية الشخصيبة؟
المادة رقم واحد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على يولد جميع الناس أحرارًا، ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضًا بروح الإخاء” أما في المادة الثانية فتنص على أنه من حق كل إنسان التمتع بجميع الحقوق والحريات التي تشمل هذا الإعلان وهي (الحق في العمل، في حرية التصرف، في الزواج وتكوين أسرة، في عدم انتهاك حرماته أو تعقبه أو التضييق عليه بلا وجه حق، وأن الناس جميعًا سواسيه أمام القانون) لذلك فلا يجوز لفردٍ أيًّا تكون صفته أن يحاكم فردًا اخر أو ينظم له حياته، أو يفرض سيطرته وسلطته عليه، وهذا يأخذنا إلى معنى الحرية الشخصية.
الحرية الشخصية: هي فعل كل ما تريده طالما لا يخلّ ذلك بالنظام العام أو ينتهك حرمات الآخرين، فارتداء ما تريد حرية، اختيار نوعية دراستك أو عملك من حقك، المعتقد الذي تعتقده ليس لأحد أن يفرضه عليك، لا أحد من حقه أن يفرض عليك سلطته ليجبرك على فعل ما تريد، حتى لو كان هذا الشخص هو والدك، فمثلما درسونا في الطفولة أنت حر ما لم تضر، لأنك حينما تضر غيرك تخرج من مفهوم الحرية وممارستها إلى الانتهاك وهو الذي لا يتعدى على الفرد فحسب بل يتعدى على الآخرين، وقد يشمل هذا الضرر، الضرر الحسي والمعنوي، مثل أن تتعمد تشويه أحد، أو تتعدى عليه بدون وجه حق، بل حتى إن تعدى عليك يجب عليك أن تلجأ للقانون، والتعدي بدون وجه حق هو الإرهاب.
كيف تكون حرًّا دون أن تؤذي غيرك؟
– يجب أن تعرف أن لك الحق، كل الحق في أن تختار نمط الحياة الذي تحب أن تعيشه، وأن تختار الطريقة الملائمة لك لممارسة شعائرك، للتعبير عن رأيك وأفكارك، أن تختار أيضًا المذهب الفكري الذي تعتنقه، وأن تطالب بحقوقك على أكمل وجه، وأن تعتقد أن هذا هو الصواب الوحيد الذي لا يوجد صواب غيره، لكن يجب عليك أن تتذكر أنك لست وحدك في هذا الكون الفسيح، وأنه يجب عليك أن تحترم معتقدات غيرك، وآراءهم، وشكل الحياة الملائم لهم، واختياراتهم الحرة، دون التدخل فيها، أو النيل منهم بأي شكل من الأشكال.
فلا يمكنك أن تسب معتقدات الآخرين لأنها لا تشبه معتقداتك، أو تنال منهم بالسب والانتقاص، أو تتربص بهم، أو حتى تعارضهم بشكلٍ فج وتتسقط لهم، فالحرية مهما بلغت لها هي الأخرى حدود، وإلا انتقلنا حينها إلى الوجه الآخر وهو الفوضى، والفوضى تعنى اختلال النظام، مما يؤدي إلى انعدام الأمان، والقول بأن الحرية هي ما يراها الفرد وحده تتشابه كثيرًا مع أفكار السوفسطائيين والذين يرون أن قيمة الخير والشر تخضع لرؤية الإنسان نفسه، فإن كان يرى أن الخير في هذا فهو الخير في نظره وهو خير فعلًا وكذلك إن رأى الشر.
الحرية مفهوم ملبد بالغيوم، يجب أن تتعامل معه بحذرٍ شديد، لأنه ما إن يخرج عن السيطرة يتحول إلى فوضى، فوضي ممتلئة بالشغب والعنف، وكل ما ينتهك القانون ويقوض المجتمعات، فالحرية تتغير من مجتمع إلى مجتمع ومن طبقة إلى طبقة، وتخضع هي الأخرى لقواعد محددة، كما أن الحرية هي أكثر أنواع المسئوليات وأصعبهان فحينما تكون حرًّا في اختيارك لن تجد أحدًا يمكنه أن يتحمل عنك الخطأ أو السهو، بل إن أول ما سيقوله الجميع لك، أنت من اختار وأنت من عليك تحمل مسئولية اختياراتك في الحياة، وعليك تحمل التبعات، لذلك إن أردت أن تكون حرًّا فيجب عليك أن تحترم الجميع لأن احترام الجميع واحترام حرياتهم وخياراتهم، هو أول أهداف الحرية.
هل نحن أحرار بشكل كامل؟
– أنا حر يا زوربا – كلا لست حراً – كل ما في الأمر أن الحبل المربوط في عنقك أطول قليلا من حبال الآخرين”رواية زوربا- نيكوس كزانتزكيس”
حتى لو امتلكنا الحرية، حرية التصرف في أمور حياتنا فإننا لسنا أحرارًا، إننا كما يقول زوربا الحبال المربوطة في عنقنا، تطول وتقصر حسب ما نمتلكه، فحينما تظن أنك حر مثلًا لاختيار عملك، أنت لست حرًّا أنت محصور في عدة خيارات قد تكون خياراتك أكثر من خيارات غيرك، وقد تكون أقل، وقد تكون منعدمة، لذلك يا أعزائي لا توجد حرية مطلقة، إنما هي السباحة في بركة كبيرة قليلًا بما يكفي لنظن أننا نسبح في المحيط.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 62,020
ما الحرية؟ ما الذي تعنيه تلك الكلمة؟ وكيف تكون حرًّا دون أن تؤذي غيرك... هذا المقال يساعدك
link https://ziid.net/?p=79459