أغلى بيت في لندن.. وأغلى بيت عندنا
أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مسيطرة على كل تفاصيل حياتنا، واحتلت حيّزا منها، ولكنها دون أن نشعر بدأت تفسد حياتنا..
add تابِعني remove_red_eye 243
بالأمس تداولت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي خبرًا طريفًا نوعًا ما عن بيت في لندن لا يتجاوز عرضه 1.7 مترًا، هذا البيت أو يمكن أن نقول”العش” عُرض للبيع بأكثر من مليون يورو، لكم أن تتخيلوا المبلغ، البيت مكوّن من خمسة طوابق ويقع بين صالون للتجميل وعيادة طبيب، وله تاريخ بناء عريق وإطلالة جميلة.
أظن ولعلك عزيزي القارئ تشاركني الرأي أنه بعد كل ما رأيناه في هذا العالم، وتلك الكوراث التي حلّت بنا، وخاصة في العام المنقضي من جائحة كورونا وأخواتها، أن الخروج إلى مكان بعيد عن نشرات الأخبار، إلى مكان لا يتسع إلا لك ولمن تحب أن يشاركك لحظات من العمر هو أمنية كبيرة كلنا نأمل أن تتحق. طبعا ليست السعادة أن تبحث عن مثل ذلك البيت، أو أن تبكي لعدم سفرك هذ العام، لكنّ السعادة أن تكون مع من تحب، صدّقني؛ أن تكون مع من تحب وإن كنت في كوخ صغير متمتعًا بالصحة والعافية والأمن والأمان.
يقول إيليا أبو ماضي: أحبب فيغدو الكوخ قصرًا نيّرا…وابغض فيمسي الكون سجنًا مظلما..لو تعشق البيداء أصبح رملها… زهرًا وصـار ســـرابـها الخــدّاع ما. كما قال الأصمعي: دخلت على الخليل بن أحمد و هو جالسٌ على حصيرٍ صغير، فأشار عليّ بالجلوس، فقلت: أضيّقُ عليك؟ قال: مَهْ، فإنَّ الدنيا بأسرها لا تسعُ متباغضَين، وإن شبرًا في شبر يسعُ متحابين.
لقد حاولت -وما زالت- وسائل التواصل الاجتماعي اختراق خصوصياتنا إلى أبعد حدٍّ ممكن، بل وصل بها الأمر إلى اختراق عواطفنا ومشاعرنا وأحاسيسنا، حتى بدأت المشكلات في البيت الواحد وبين من كانا بالأمس متحابّيْن ومتقاربيْن وكان كل همّها أن يجتمعا تحت سقف واحد، وإذا بوسائل التواصل تخرب هدوءهم واطمئنان قلوبهم، حتى وصل الأمر إلى أن زوجة تركت بيت زوجها لأنه لم يحضر لها وردة، بينما تلك التي تتابعها على الأنستغرام يهديها زوجها وردة كل يوم.
الحب لا يقتصر على وردة نهديها لمن نحب
الحب ليس وردة وإن كان لها دورها في التعبير عن المشاعر، الحب أعمق من ذلك بكثير، الحب يا أعزائي لا يمكن أن يُنسخ عبر تجارب آخرين، خاصة إن كانت على وسائل التواصل، حاولوا أن تصنعوا حبًّا يناسبكم، حبًّا كما نقول: “منّا وفينا”، اتركوا الحب المستورد عبر القارات، كثيرة هي البضائع التي يمكن استيرادها إلا الحب، فله كيمياء خاصة تمتزج بين عناصر شخصين لتكون مُركبًا يقاوم عوامل التغيير، ويقاوم قسوة الحياة، فالحياة ليست مفروشة بالزهور دائمًا، بل في الغالب لا يمكننا أن نحصل على ما نريد إلا بعد جهد في الوصول إليه، وإخلاص في العمل، وكذلك الوصول إلى قلب من نحب في سبيل أن نكون معًا أسرة متماسكة.
أضع لكم بعض النقاط التي ربما تكون إشارات مرور في طريقنا نحو علاقة متماسكة:
- فليحاول كل شريك أن يفهم طباع شريكه، فقد تظن أن الطرف الآخر غاضب منك بسبب كلمة أو موقف، ولكن غضبه ربما بسبب كلمة سمعها من مديره في العمل فلم يستطع تجاوزها.
- استغل كل فرصة لتعبر عن اهتمامك بالطرف الآخر دون أن يصل الأمر إلى حد الهوس الذي ينفره منك.
- التقدير، مهارة قد يفقدها أحد أطراف معادلة الحب، قدّر الجهد الذي يبذله الطرف الآخر، قد يبدو أمرًا سهلًا بالنسبة لك، ولكن تأكد أن كلمة واحدة قد تصنع الفرق.
- اختيار الوقت المناسب لطرح الموضوعات التي تحتاج نقاشًا معمّقًا وربما اتخاذ آراء مصيرية.
فلنضع دستورًا للحب فيما بيننا
الكثير من القصص تمرّ بنا كل يوم أو نسمع بها من أحد معارفنا حول خلافات بين زوجين لأمور في أمور يمكن تداركها بشيء من العقلانية من الطرفين، وهنا يحضرني قول لأبي الدرداء -رضي الله عنه- يضع أساسًا لعلاقة زوجية رائعة: “إذا غضبتُ رضّيتِني، وإذا غضبتِ رضيتُك، فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق”. هكذا يفكر العقلاء الذين يريدون بناء بيت متماسك وقوي، عندها لن تؤثر عليهم مواقع التواصل الاجتماعي ولا صور المشاهير هنا وهناك، بل يكفيهم الحب الذي ينمو في قلوبهم، حتى لو كانوا في كوخ صغير بعيد عن مساحيق التجميل التي شوّهت كل شيء حولنا.
خيرُ المواطنِ ما للنفسِ فيه هوىً.. سَمُّ الخياطِ مع الأحبابِ ميدانُ..كلُّ الديارِ إذا فكرتَ واحدةٌ.. مع الحبيبِ وكل الناسِ إخوانُ
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 243
مقال يساعدك لتعرف معنى الطمأنينة والهدوء والراحة في الحياة
link https://ziid.net/?p=81189