تلخيص كتاب “أيها الولد” للإمام أبو حامد الغزالي (ج1)
الحياة تحتاج إلى العديد من الخبرات والمهارات والتجارب والتي يمكننا أن نخوضها بأنفسنا أو نتعلمها من الآخرين لنوفر على أنفسنا الكثير
add تابِعني remove_red_eye 5,233
الغزالي هو : محمد بن محمد أبو حامد الغزالي، الشهير “بحجة الإسلام” أو “الإمام الغزالي” المتوفى سنة (505هـ) هذا الرجل صاحب الكُتب الجوامع في الفقه والفلسفة الإسلامية وصاحب أول تصنيف في التصوف الإسلامي في رائعته المسماة “إحياء علوم الدين” وليس المقام مقام ذكر مناقب الشيخ الذي لم يعش في دنيانا أكثر من خمسة وخمسين عامًا ولكنه ترك تراثًا فكريًّا يعيش بيننا إلى اليوم، وستظل كُتب الغزالي -مهما اختلفنا معه أو اتفقنا في محتوى هذه الكُتب- منهلًا للعلماء وطالبي العلم إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها.
اليوم سندخل حديقة الإمام وهي بحق حديقة غناء مليئة بالورود والأزهار، نعم سندخل هذه الحديقة على استحياء؛ لأنه لا يَلِجُ مكتبة “الغزالي” إلا عالم ولا يفهم كُتب هذا الشيخ الكبير إلا طالب علم ذكي لمّاح، وهذا ما ليس فينا، ولكن حُجّتنا رغبة في التعلم، فالعلم يطلبه العالم والجاهل والكبير والصغير فليسمح لنا الغزالي -رحمه الله- أن ندخل هذا البُستان ونرى بعض هذه الأزهار.
اليوم سنأخذ نصيحة الإمام الغزالي وهي من أروع ما كُتب في أدب العَالِم والمتعلم، وسنأخذها بقوة لأننا في حاجة إليها، وسُنقدمها لمن يقرؤها طالِبين منه أن يأخذها بقوة وعزم، هكذا أمرنا ربنا أن نأخذ الكتاب بأعلى درجات التنبه واليقظة والقوة، هذه النصيحة فيها من التوجيهات ما يعجز أن يتكلم فيه أو عنه كل العلماء الذين تربوا في أعرق جامعات العالم، هؤلاء الذين ذهبوا إلى بلاد الغرب ونسوا أو تَنَاسَوْا أو لم يُصادفوا مثل هذه الروائع في الفكر والأدب الإسلامي . فإلى النصيحة التي قدمها لنا الغزالي -رحمه الله-.
أيها الولد
أعلم يا ولدي أن النصيحة سهلة فما أسهل الأقوال وما أصعب الأفعال، فالنصيحة لها طعم مُرّ في النفوس؛ لأن النفس لا تُحب إلا الهوى والانغماس في الشهوات، فالمحامد مكروهة والشهوات محبوبة، اعلم يا ولدي أن الهدف من العلم العمل وأن قومًا اكتفوا بالعلم ولم يعملوا هم القوم الخاسرون، اعلم يا ولدي أنه جاء في الحديث: إن أشد الناس عذابًا عالم لا ينفعه الله بعلمه.
ويُروى أن “الجنيد” وهو من هو -رحمه الله- رُئِي بعد موته في المنام فسُئل كيف أنت يا أبا القاسم؟ قال: طاحت العبارات وفنيت الإشارات ولم يبقَ لنا إلا ركعات ركعناها في جوف الليل، انظر يا ولدي هذا العالم العابد الزاهد “أبو القاسم الجنيد” لم يأخذ معه بعد موته إلا هذه الركعات التي ركعها في جوف الليل فالعلم لا ينفع بلا عمل.
أيها الولد
تأكد يا ولدي أن العلم بدون عمل لا يُنقذ صاحبه فكُن حريصًا على العمل حرصك على العلم، وكُن حريصًا على نقاء القلب ترى بنور الله، هل ترى يا ولدي أن السيف مع الرجل الشُجاع ينفع إذا لم يستخدمه؟ وهل ترى يا ولدي أن مجرد وصف الدواء للمريض كافٍ لشفاء المريض، فإن كان لا بُد من استخدام السيف في مقارعة الأعداء ولا بُد من تناول الدواء لاستجلاب الشفاء هكذا العلم لا بُد له من عمل حتى يكون للعلم فائدة.
أيها الولد
أعلم يا ولدي أنه لو طلبت العلم مائة سنة وألفّت ألف كتاب لم يكن ذلك مُجْزيًا إلا إذا اقترن ذلك بالعمل، يا ولدي لم يذكر الله العلم إلا مع العمل، فقد قال تعالى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى[سورة النجم آية رقم:39]، وقال، إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [سورة البروج آية رقم:11]، وقال ،إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ[سورة البقرة آية رقم:277]، ففي آيات القرآن الحكيم نجد ربطا بين القول والعمل وبين العلم والعمل فلا يكون علم بلا عمل، وفي السنة المطهرة يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا)[صحيح مسلم كتاب الإيمان:1/48].
فلا يصل العبد المؤمن إلى رضا الله إلا بالعمل ولو قال قائل: إن مجرد الإيمان يكفي قلنا له وهل الإيمان إلا ما وَقَر في القلب وصدَّقه العمل، وكم من عواقب يُصادفها المؤمن في حياته لا ينجو منها إلا بالعمل الصالح، وإن كان دخول الجنة برحمة الله تبارك وتعالى إلا إن الارتقاء فيها يكون بالعمل يقول الحسن البصري -رحمه الله-: يوم القيامة يقول الله للناس: ادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بينكم بقدر أعمالكم، فرحمة الله وسعت كل شيء لكن لا يجب أن نُحسن الظن ونُسيء العمل.
يُروى أنّ عابدًا من بني إسرائيل ظل يعبد الله سبعين سنة فأراد الله تبارك وتعالى أن يُظهر بعض الحقائق للملائكة فأرسل إليه مَلَكًا يقول له: يا فلان إنك لن تدخل الجنة، فقال العابد: إنما خُلقنا في هذه الدُنيا للعبادة فلا ينبغي أن نفعل غيرها. فرجع الملك إلى الله فسأله الله: ماذا قال عبدي؟ قال الملك: يا ربي أنت أعلم، قال: إنما خُلقنا في هذه الدُنيا للعبادة فلا ينبغي أن نفعل غيرها.
إذا هو لم يعرض عنا فلن نُعرض عنه، اشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له، فمن هذه الواقعة نجد أن الغزالي يقول لنا: إن العمل مهم وحُسن الظن مهم، يقول الإمام علي -رضي الله عنه-: من ظن أنه بدون الجُهد يصل فهو مُتَمَنٍّ، ومن ظن أن بالجهد يصل فهو مستغنٍ، وكلاهما مذموم، إذ إن الجهد مطلوب مع التوكل وحُسن الظن.
أيها الولد
أعلم يا ولدي أنك قضيت الليالي الطوال في سبيل تحصيل العلم، فيجب أن تسأل نفسك إن كُنت تريد تحصيل العلم من أجل حُطام الدنيا أو منصب تريده أو كُنت تريد تحصيل العلم من أجل صرف وجوه الناس إليك، أو من أجل مجادلة الأقران والفوز بهم، فالويل لك والجاهل أفضل منك، أما إن كنت تُحصّل العلم من أجل تهذيب النفس وكبح شهواتها واتباع سُنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فطوبى لك ثم طوبى لك فقد فُزْت بخير الدنيا والآخرة.
أيها الولد
- تذكر دائماً أنك ميت، فعش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مُفارقه، واعمل ما شئت فإنك مَجْزِيٌّ به.
- فالنصيحة لها طعم أيها الولد، اعلم يا ولدي أن النصيحة سهلة فما أسهل الأقوال وما أصعب الأفعال.
- اعلم يا ولدي أن العلم في شئون الدنيا أو في شئون الدين بدون عمل هو مضيعة للجهد والعمر، وعلى الإنسان أن يخجل أن ينشغل بالخَلْق عن الخالق. الله قد غمرك بنعمه وهو لا يحتاج إليك فالكل محتاج إليه وهو الغني عنهم، ومع ذلك هو الذي يتحبب إليهم وهم ينأون عنه، ويبتعدون عن رحمته وهم الأحوج إليه.
لنا لقاء ثانٍ ..
إليك أيضًا
أهمّ (4) استخدامات للتكنولوجيا في الدراسة (ملخص كتاب مهارات التعلم)
add تابِعني remove_red_eye 5,233
هذا المقال عبارة عن تلخيص كتاب نصيحة الإمام الغزالي لتلاميذه
link https://ziid.net/?p=42349