التديُّن بين الشكل والحقيقة
تحول التدين في عصرنا هذا من تصرفات وسلوكيات وأخلاقيات إلى مظاهر وشكليات فقط، شكليات غير حقيقية ولا تمتّ للدين الحقيقي بصلة
add تابِعني remove_red_eye 43,507
من أكثر المعتقدات المجتمعية انتشارًا وترسخًا في أذهاننا هي معتقدات شكلية عن التدين. مثلًا: حاول أن تتخيل الآن شكل الرجل الصالح، هل جاء في عقلك صورة رجل يرتدي عباءة بيضاء ويشع من وجهه نور ومبتسم؟ حسنًا، حاول أن تتخيّل أيضًا رجل الدين، أول ما يتبادر إلى ذهنك هو رجل يرتدي زيّ الأزهر وذو لحية طويلة، نحاول مرة أخرى، تخيّل المرأة المتدينة أو الحافظة لكتاب الله، وسترى امرأة منتقبة ذات رداء أسود فضفاض.
أصبح الشكل الخارجي هو الأساس، للمتدين نفسه وللشخص الآخر الذي يبحث عن المتدينين، حتى كاد ينحصر في عقولنا نبرة صوت وشكل حياة الشخص المتدين، فهل هذا يساعد على ترسخ الدين في النفوس أم يزيد البعض خوفًا وبُعْدًا؟
تُرى هل نقترب أم نظل كما نحن؟
الكثير يريد القرب من الله لكن يرى نفسه أبعد ما يكون عن ارتداء هذا وطريقة تفكير ذاك وملابس هذه، يصارع نفسه بين البقاء بعيدًا لأنه يعتقد أن القرب سيجعل منه إنسانًا لم يشبه ما هو عليه الآن وما يرتاح له من حياة واهتمامات وحتى أصدقاء، وبين أن يقترب دون الالتفات إلى الوراء منتظرًا أن يأخذه القرب إلى حيث يجب أن يكون. أريدك أن تسأل نفسك بصدق: هل التديُّن شكل وطريقة تحدث معينة وملابس ثابتة أم أن التدين الحقيقي لا يمّت لكل هذا بِصلة؟
اقرأ أيضًا: الجهاد المجهول [بر الوالدين]
هل أنزل الله الدين لفئة محددة فقط أم للبشر أجمع؟ هل القرآن العظيم للمسلمين فقط أم يستطيع أي بشر الاستفادة منه حتى ولو كان ينتمي لمسمى ديني آخر؟ هل أُرسل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- للإسلام فقط أم رحمة للعالمين؟ وهل يوجد بالأساس غير الإسلام دين؟
دعني أذكرك أن الكل على فطرة الإسلام، على دين سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ) وهذا قمة العدل الإلهي؛ أن يُخلَق الكل سواسية حتى يكون الحساب حقًّا.
فلماذا حصرنا التدين في شكل واحد والله واسعٌ كبير؟ لماذا تغضب من شاب صغير يتحدث عن الله بلغته الأقرب لقلبه؟ لما تشن حربًا عندما تسمع فتاة تقرأ القرآن بصوتٍ عذب؟ لماذا تهاجم رجلاً يُنشد حبًا وشوقًا لله ورسوله؟ لما تستعجب من امرأة تحفظ القرآن لكنها ترتدي ملابس عادية وليست منتقبة؟
الدفاع عن المعتقدات الشكلية لحماية الدين
في العمق من يغضب بدافع حماية وحكر الدين على فئة وشكل محدد، فهو يظن أن هناك تناقض بين الدين والحياة، والأصل أن لا تناقض بل تكامل واكتمال، وحتى عندما تنظر عن قرب للأشخاص ذَوو الشكل المقدس لك، حتمًا ستجد ما لا يُرضيك، لماذا؟ لأنهم في النهاية بشر، والبشر يخطئ ويُصيب، خُلقنا لهذا.
التدين والأحكام السطحية
لا تحكم على أحد أنه قريب أو بعيد، لا تحكم على شيء أنه حرام أو حلال، وعندما تحتار هل حرام أم حلال.. فاعلم أنه حلال لأن الحرام حرمه الله فقط لا أحد غيره يستطيع أن يفعل، وهو واضح معلوم أبديّ، وعندما تختلف مع أحد تذكر (اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) خلقنا الله مختلفين وخلق طرقًا مختلفة للوصول لكل شيء، فلماذا سيحصُر طريق التعرف عليه والقرب منه في طريق وشكل واحد؟
دور المسلم في عصره ورسالته المرجوة في فكر “مالك بن نبي”
نَحِّ الشكليات جانبًا واقترب
لا تقدس بشرًا، لا تقدس شكلًا، لا تعبد إلهًا من دون الله، ابحث عن الله الحقيقي داخلك وحولك، ابحث واسأله أن يهديك إليه، وتذكر أن الكل على فطرة الإسلام، الكل قريب، الكل يحبه الله، لا تستغرب طريقة أحد في القرب والحب، ولا ترسم طريقًا واحدًا إلى الله، وعندما يشتد بك الاستغراب والتساؤل، ابحث، تعلم، اسأل، ربما يكون الآخر مخطئًا وربما يكون على حق وأنت لا تعلم.
شمولية الدين
الدين أخلاق، الدين يُسر، الدين معاملة، لا تنس هذا عندما تأخذك الحمية للدفاع عن الدين، وضع نصب عينيك أن الله لم يطلب منك إلا التذكير (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) الدين سلام، رفق، تسامح، تقبل، وسع، احتواء، يُسر. الدين يشمل كل القيم الجميلة، غير ذلك هو افتراء عليه ليس إلا، اقترب بالطريقة التي تحب، اقترب بما هو أقرب لقلبك، اقترب حبًّا وشوقًا وليس شكلًا وزيًّا، ودع الآخر يقترب كما يتناسب معه.
add تابِعني remove_red_eye 43,507
مقال يناقش فكرة هامة ومنتشرة وهي التدين الشكلي
link https://ziid.net/?p=52288