الأسباب التي تمنعك من مقارنة نفسك مع الآخرين
منذ نعومة أظفارنا، يقوم الفرد ومحيطه بوضعنا في سلة المقارنات، التي تضرنا وتلحق بنا الأذى، ومن خلالها تتشكل شخصيتنا وهويتنا
add تابِعني remove_red_eye 16,340
لا زالت تلك الفكرة التي أوردها الكاتب آلان دو بوتون في كتابه (قلق السعي إلى المكانة) والذي تحدث من خلاله عن كيف أن الأقران يحسد بعضهم بعضًا –عالقة في ذهني. ذلك لكي أكون أكثر تساهلًا ومحبة مع ذاتي الخاصة حال المقارنة مع أحد ما، ولكبح جماح تلك المشاعر التي تنهش مني وتستهلك كلا من طاقتي وتركيزي حال المحاولة العبثية في تلك العملية المقارن من خلالها، فمثلًا من ترعرع مع صديق أو قريب له في فترة زمنية معينة هم من يبدأون في زراعة عملية مقارنة أنفسهم ببعض، وقد يغذي ذلك أحد أفراد العائلة أو المقربين، في حين لو كان هناك فارق زمني أو تراتبي كبير لا يأتي ذكر شخص مع الآخر، فكيف يحسد من رتبته العسكرية عريف ذلك الذي تبوأ منصب لواء مثلاً!
مقارنة الأفراد بالمشاهير
وسائل التواصل التي تظهر من خلفها مشهورًا صار يعلن لمنتج معين، وتسريب أرقام مبالغ تلك الإعلانات لأولئك المشاهير لاحقًا، من يستقل طائرة ما في كرسي رجال الأعمال، ويبدأ في التجول نحو تلك المدينة المكتظة بالسياح، ويعلن من شاشة جواله لمتابعيه بأن كل دقائقه وساعاته تنفجر بالبهجة والسرور، والتي بالتالي ستؤثر فيك أنت المتابع سواء كنت مهتمًا بتلك الجولة أو ذلك الإعلان الذي تحسب مدخولاته منذ تسريب قائمة أسعار إعلاناتهم، لتندب من حظك، ولتتساءل ما الذي ينقصني عنه؟ أينبغي أن أكون مجنونًا وأكثر استعمالًا لبرنامج سناب تشات أو إنستقرام لهدف أو غير هدف، لأراقب عداد أرقام المتابعين الذي أضيفوا لحساباتي.
حتى وإن لم تختر أن تكون أحد المعجبين، سوف يظهر لك بين الفينة والأخرى إما على الإكسبلورر كأكثر ما تمت مشاهدته خلال ذلك الوقت، أو في أن يشاركه أحد أصدقائك الذي ربما يريك ما شهده للتو، أو في أن يرسله لك كي تبدأ في تلك العملية التي تتكرر (لتقارن) وللأسف حتى لو كان الفارق شاسعًا ما بينك وبين ذلك المشهور، كأن تتشجع لتقدم إجازتك السنوية وتسافر لأحد تلك البلدان التي أقام فيها، أو تشتري ذلك المنتج الذي سوق له وتزيد من مدخوله رقمًا إضافيًّا يحسب له.
أتحدث هنا عن صاحب المشاهدات المليونية أو من كان حتى رفيقًا لك تعرفه، أو زميلًا، أو قريبًا، أو حتى أخًا لك يقوم بالتصوير فتحسده، فتشعر بتلك الرغبة الشديدة في أن تكون مكانه في تلك البقعة السعيدة التي منها يوثق سعادته العارمة بكل تفاصيلها.
أحد أفضل العلاجات النفسية
من أكثر الوسائل التي تخفف عنك كل تلك المقارنات هي أن تكون أنت الذي يقارن به فلا تراتبية ولا مقارنة مع أحد آخر، لا يوجد هنا منافس غيرك، وأعني بذلك سواك فقط، لا تحسد أحدًا أن تكون في موضع قدمه، فما أدراك عن حياته الخاصة، وعن مشاكله الشخصية أو العائلية، أتحدث حتى لو كان فردًا تعرفه، كأن تكون أنت وإياه في عمر واحد، أو قرابة شديدة، أو زميل عمل، أو حتى من كان صديقًا لك!
حين تحشد كل ما تملك لأن تكون أنت المقارن الأول في كل شيء ستعود لذلك التوازن الداخلي، والذي سيدلك على ما تحب، كأن تتطور يومًا بعد الآخر، ولكي تكون نسخة أفضل في غدك القادم، أن تزيد ما مقداره خطوة، أو لبنة، أو مثقال شعرة، تنظر لنفسك قبل سنة أو شهر أو حتى بالأمس القريب، في أن تدرك بأن أيامك الكثيرة قد زرعت بالكثير من الأشجار والورود دون أن تعي، وكان ما يرعاها تعبك الشخصي المضني، والذي تم سقايته بعرق الجبين، لأن تصل وأنت تدرك ذاتك، عن ذلك الذي كان طفلًا صغيرًا، وأصبح لاحقًا رجلًا يعتد به، لتتملكه الحكمة ويكون في عباءة الذين أوتوا خيرا كثيرا. (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (269) البقرة.
نحو تلك الطمأنينة الشديدة، والإيمان الكبير، والثقة المكتسبة، كأن تغلق عينك وتدرك بأنك كذلك الطير الذي يغدو خماصًا ويعود بطانًا بعد توكله على الله حق توكله، فعن عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً». وَمَعْنَى: تَغْدُوْ خِمَاصًا. تَذْهَبُ أَوَّلَ النَّهَارِ خَالِيَةً بُطُوْنُهَا مِنْ شِدَّةِ الجُوْعِ. وتَرُوْحُ بِطَانًا. تَعُوْدُ آخِرَ النَّهَارِ مُمْتَلِئَةً بُطُوْنُهَا لِأَنَّهَا قَدْ شَبِعَتْ.
ولكن لنعود للحقيقة في ذاتنا، قد يكون كل ما سبق تطمينًا شديدًا يتركنا عن المحاولة البائسة في عمليات المقارنة، ووضع كمّادة في موضع الجرح ليشفى، والذي كان مرافقًا لك ربما منذ صباك حتى تكبر، ولكن يمكنك أن تطمح لأن تكون في وضع أفضل، ومكان أفضل، ذلك حين رؤيتك لأحد تبوأ مراتب النجاح، واستطاع الوصول لما وصل إليه، وما تريد بشدة أن تكونه في يوم من الأيام فيكون محفزا شديدًا لك كي تصل نحوه، كل هذه المقارنات هي غريزة بشرية طبيعية، ولكن طبيعة تعاملك معها تحتاج لكثير من الحكمة ولكي تتعاطى معها بإيجابية أكبر، دون أن تعود في حلقة مفرغة من سيل المقارنات التي لا جدوى منها.
ما الذي تفهمه عن معنى الأضداد؟
في كتاب آخر للدكتور مصطفى محمود، بعنوان (من أسرار القرآن) يتطرق في فصلها الأول عن فكرة الأضداد، بكونها سنة كونية منذ بدء الخليقة بهبوط آدم وحواء من الجنة، قال تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ) الآية ٣٦ من سورة البقرة، وآية أخرى تبين لك أن من صلاح الرض وعدم هيمنة قوة دون الأخرى بالكون هو وجود قوى مختلفة تتصارع فيما بينها وتنشغل مع بعضها البعض، ليعيش آخرون ضعفاء اتخذوا صوامعهم ومعابدهم لذكر الله، قال تعالى : (وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍۢ لَّهُدِّمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيرًا ۗ) الحج الآية ٤٠، وقوله تعالى في آية أخرى : {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251].
فها هي أمريكا بقوتها، والتي تمتلك القنبلة الهيدروجينية، وتتفاخر بقوتها الرأسمالية، وعن ذلك الحلم الأمريكي في الحريات، تقابلها روسيا ذات الطابع الشيوعي، ويتطاحن معهم جنبًا إلى جنب المارد الصيني ليتصارع الجميع ويبقى من هم بعيدًا عن هذا الصراع متمسكين بأمل بالبقاء والعيش بهدوء.
الأضداد خلقها الله لمعنى عظيم ليتماشى مع الكون في صورة دقيقة تعجيزية، فهو سبحانه خلق القطن وخلق دودة القطن، وخلق النبات وخلق الجراد، وخلق الاسنان وخلق تسوس الاسنان، وخلق العين وخلق الرمد، وخلق الحديد وخلق صدأ الحديد. على الصعيد الرياضي، ما الذي يعنيه تواجد البرغوث الأرجنتيني ميسي دون وجود الدون البرتغالي كرستيانو رونالدو، كيف أنهمها الاثنان رفعوا سقف أرقامهما العالية بدفع أحدهما الآخر نحو القمة، أن يتشاركا جائزة أفضل لاعب في العالم لأكثر من ١٥ سنة، هذه المنافسة الإيجابية من جعلتهما في القمة، حتى وإن لم يعترفا بذلك شخصيًّا.
وبالحديث عن الفنون، كيف قد تشكلت الأغنية السعودية في زمن مضى مع كل من محمد عبده، وطلال مداح، يشارك بأغنية طلال، فيتحفز محمد بأخرى في الساحة، وهكذا كانا، حتى يصبح من يستمتع بأحدهما أو كليهما موضع نقاش، بقول أنت طلالي؟ ولا من جماعة أبو نورة؟ وعليها فقس مثلًا، روجر فيدرير مع رفاييل نادال، بيل قيتس مع ستيف جوبز، ليبرون جيمس مع كوبي براينت، جيف بيزوس مع مارك زكيربيرق واليون ماسك، وعلى صعيد الشركات، آبل وسامسونغ، كوكاكولا مع بيبيسي، بلايستيشن مع إكس بوكس، جاهز وهنقرستيشن، الاتصالات السعودية وموبايلي وزين.
هذا ما أعنيه بالتحفيز الايجابي، أن تأخذ أفضل ما فيمن أعجبت بهم، أو نافستهم، وتدرك بأنه يمكنك القيام بذلك أنت أيضا، دون أن تضره، ودون أن ترهق من نفسك أنت الاخر، عن المنافسة التي ترفع المستوى عاليا، وتطير بك نحو مراحل غير مسبوقة ونادرة، أن تكون المنافسة إيجابية، وليست ملحمية تلحق الضرر بالآخر وتؤذيه.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 16,340
مشكلة المقارنة وكيف تتخلص منها
link https://ziid.net/?p=92184