ترويج الأفكار السلبية كتجارة رائجة
لا تعتقد أن عمرك يمنعك من الاقتناع والوقوع في الأفكار السلبية, فبرواجها وكثرة روّادها قد تعجبك وتصبح رأيك الشخصي ومنهجًا لحياتك
add تابِعني remove_red_eye 845
مرحبًا يا أصدقاء.. حتمًا عندما أبدأ بسؤالٍ: هل تعرفون أن العقل اللاواعي هو المسيطر على قراراتنا وهو الذي ينظم ويشكل طريقة حياتنا؟ بالتأكيد أن الأغلب أًصبح مدركًا تمامًا لهذه المعلومة. قال علماء العقل: أن (95%) إلى (99%) من سلوكياتنا، أحاسيسنا، عواطفنا، مشاعرنا، وانفعالاتنا، تعتمد على نشاط العقل اللاواعي. فكيف يمكن برمجة عقلك اللاواعي؟ إنه التكرار، كلما استمريت في تكرار شيء فسيصبح عادة، وممكن أن تمارس عدة أشياء دون أن تفكر لماذا؟ حتى لا تحتاج للتركيز أثناء القيام به
لكن السؤال: ماذا لو أن ما يتكرر علينا هو فكرة تختزل في عقولنا ثم تعود بصياغة أخرى حتى نتقبلها؟ وماذا لو أن هذه الأفكار قد تكون خاطئة دينيًّا او مجتمعيًّا أو حتى قد تكون فكرة رائعة وجيدة لكن قد لا تناسب حياتك وموقفك؟ خصوصًا أننا في زمن ترويج للأفكار بطرق عجيبة ومقنعة، لا تعتقد أن عمرك يمنعك من الاقتناع والوقوع في هذه الفكرة، فبرواجها وكثرة روّادها قد تعجبك، أو أقل الأضرار أن تقتنع بها حتى إن لم تفعلها.
وأعلم أن بداية كل عمل كانت فكرة، قال الإمام ابن القيم: مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار، فإنها توجب التصورات، والتصورات تدعو إلى الإرادات، والإرادات تقتضي وقوع الفعل، وكثرة تكراره تعطي العادة، فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار وفسادها بفسادها.
توتة توتة بدأت القصة، مع فتاة ذات العشرين ربيعًا تحب برنامج التويتر الشهير، الذي أسميه البرنامج المليء بأكثر الأفكار غرابة، ففيه الأفكار تصول وتجول من كل حدَب وصوب. تقضي معظم وقتها عليه، تتابع حسابات التطوير الذاتي وبعض الأصدقاء وما كان ضمن اهتماماتها وتستمتع ببعض الإرشادات، وتقرأ بعض العبارات الرنانة : “أنا ومن بعدي الطوفان”، “كن لنفسك كل شيء”، “لا تبرر فمن يحبك حتمًا سيعرفك”، “الناس داء والعزلة دواء”، “اجعل حزنك بداخلك”، “قلّل من أصدقائك”، “في بعض الأحيان، من الأفضل أن نترك الصمت ينقذ بقية الحوار”.
بعد مرور عدة شهور من قراءة عدة أفكار ترتبط تلك العبارات إذا بها تتخلى بكل سهولة عن صديقتها الوحيدة وتردد شعار “لا تبرر فمن يحبك حتمًا سيعرفك” حتى بعد عدة محاولات صادقة من صديقتها في العودة، لم تتحدث معها بحجة “اعتزل ما يؤذيك” بعد ذلك، شعرت بالحزن والوحدة من فعلتها مع صديقتها فلم تبادر بالحديث مع أختها كما تفعل بالسابق تحت شعار “اجعل حزنك بداخلك” فاعتزلت الناس لأنها تعتقد أن ما تحس به من مشاعر لا أحد يفهمها ووجدت في العزلة راحة. عدة مفاهيم ليست بالخاطئة تمامًا ولكن غير مناسبة تغيّرت بها حياة الفتاة وأصبحت تتعامل مع الجميع تحت تلك الشعارات، انتهت القصة بنهاية الفتاة على أبواب العيادات النفسية.
قصة حقيقية
أنا لست ضد تلك العبارات ففيها تقدير للذات، والشعور بالراحة والابتعاد عن المشاكل، ولست أعارض أية فكرة تطرح. المهم هنا، هل الفكرة مناسبة لي ولحياتي ولمن حولي؟ أؤمن أن لكل الأفكار نسبة من الصحة والخطأ، قد تكون ممتازة (100%) لأشخاص لأنهم أحسنوا العمل بها وبدون مبالغة وتشبث بالفكرة أو جعلها قاعدة حياتية عظيمة، فهم يعلمون متى يستحسن العمل بها ومتى يتوقفون عنها ويتراجعون، وقد تكون مدمرة لحياة البعض لذلك، دائمًا ناقش الأفكار التي يتم الترويج عنها مع نفسك.
نعم، كن لنفسك كل شيء ولكن بالحدّ المعقول، خلق الله الإنسان اجتماعيًّا بطبعه، فلا يسلو إلا بقرب من يُحبّ، وبرحمته سبحانه سخر الناس لبعضهم (رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيّا)، فمهما كان الإنسان يرى في العزلة راحة واعتمادًا على النفس لا بد أن يأتي وقت ويحتاج لأشخاصٍ من حوله، إما أن يساندوه، أو يساعدوه في حاجته وحاجات الإنسان كثيرة. وروي عن الإمام أحمد: أنه من دعا بأن الله لا يحوجه إلى أحدٍ من خلقه، فقد دعا على نفسه بالهلاك. وإن كان المقصد من الدعاء طيبًا وصحيحا وفيه شرف وعزة، إلا إن كان المراد الاستغناء التام عن الناس فقد يهلك الإنسان، لتسخير الله العباد لبعضهم.
ولا تنسوا يا أصدقاء أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال:( المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسَ ويَصبِرُ على أذاهُمْ، أفضلُ من المؤمِنِ الَّذي لا يُخالِطُ النَّاسَ ولا يَصبرُ على أذاهُمْ) فكن أنت المؤمن الأفضل بحبك وعطائك وحنانك وتسامحك وتجاوزك عن أخطائهم فلن يزيدك ذلك إلا عزة واحترامًا وحبًّا. وإن أصابك الأذى؟ هذا طبيعي وقد يكون الشخص الذي آذاك متقبل فكرة أنه بشر ووارد منه الخطأ، يتألم بما أصابك من أذى بسببه لماذا نروج فكرة الصمت وأن لا نبرر، لماذا تحمل في قلبك ما لا تستطيع حمله؟
ودائمًا، هناك شخص يسمع، ذو قلب كبير يتسع لحبك وأحزانك، فقط ابحث جيدًا عمّن حولك لا تجعل حزنك بداخلك تخفف، لن يكسبك الكتمان إلا الضعف من بعد القوة.
الخلاصة:
هذهِ بعض الأفكار تكررت على مسامع تلك الفتاة، وقِسْ بذلك على كل فكرة يتم الترويج عنها. فإن عارضت كل الأفكار فلن تتطور، لكن ناقش الفكرة قد تكون سليمة ولكنها ليست مناسبة، ولا تتوقع النجاة من تلك المبادئ أو الأفكار (قُلْ لي مَن تصاحب أَقُلْ لك من أنت) وبالأصح (قل لي من تتابع أقل لك من أنت) فمن تتابعه لا يقلّ تأثيرًا عن أثر الصحبة، بل هو صاحب ولكن بطريقة إلكترونية، قد توافقه في رأي وتناقشه في أمر وتعجب بطرحه، حتى ولو تكن هناك أية محادثة حقيقية.
إليك أيضًا:
7 خطوات بسيطة للتخلص من الأفكار السلبية
كيف تحطّم المعتقدات السلبية الذاتية أحلامنا؟
التفكير الإيجابي و التفكير السلبي: أهمية الأفكار التي تدور في أذهاننا
add تابِعني remove_red_eye 845
مقال هام يتناول أثر الترويج للأفكار السلبية وكيف يمكن أن تخرب الحياة علينا
link https://ziid.net/?p=60819