تجربتي في التحرر من الشخصية المثالية
لسنا في الجنة لنكون معصومين من الخطأ كاملين، فكن أنت، كن على مراد الله منك، إنسانًا يجاهد نفسه ويحثها على الصواب
add تابِعني remove_red_eye 38,075
الشخصية المثالية تلقى قبول في مستويات اجتماعية كثيرة، فهناك تكريمات للأم المثالية والطالب المثالي والموظف المثالي، وكأنه يوجد توجه اجتماعي للأشخاص أن يكونوا في النموذج المثالي ليحصلوا على القبول والتقدير. والسبب أن تلك الشخصية تسعى لاتباع كل القواعد والمعايير وتقدم أفضل ما لديها، ولكن من تجربتي الشخصية أقول إن كل المزايا الخارجية التي يحصل عليها الشخص من كونه مثاليًا فهي لا تساوي كم الضرر الذي يحدث للشخص نفسه ولكل من يقربون له في الدوائر القريبة.
فالشخصية المثالية تجعل الشخص مضغوطًا داخليًّا وضاغط لمن حوله بكم المعايير التي يضعها ليرضى ويطلب تطبيقها دون أن يتنازل عنها، والشخصية المثالية تحرم الشخص من تجربة سعيدة في الحياة، وتضع شروطًا لا تنتهي ليشعر بالرضى عن نفسه ومن حوله وكل تفاصيل حياته.
ومن فضل الله أنه مَنَّ عليَّ بالوعي الذي دفعني للتحرر من الشخصية المثالية وعيش تجربة أفضل في الحياة لذلك سوف أشارككم تجربتي، لتكون عونًا لمن يريد بداية تلك الرحلة أو يعاني من دون أن يعرف أن الشخصية المثالية سبب معاناته.
حياتي بالشخصية المثالية
تربيت تربية دينية متحفظة تعلمت أن النجاح في الصغر يعني النجاح والتفوق في المدرسة، مرت السنوات وأنا أسعى جاهدة في الحفاظ على تلك المعاني، التي حاوطها فكر الاهتمام برأي الناس بشدة. وهذا وجهني أن أبحث عن المعايير الاجتماعية للنجاح، وأسير وفق لها دون تفكير، بل كنت أشعر بالاعتزاز بنفسي كلما سرت وفق تلك المعايير مهما توترت أو ضغط نفسي، وببساطة لم أكن أعي أن الشخصية المثالي تلك سبب توتري وكنت أرى أنني أجاهد نفسي لفعل الصواب.
ومع الوقت ارتسمت شخصيتي التي من سماتها الأساسية الميل للالتزام بالمعايير الاجتماعية التي أدركت فيما بعد أن تلك القواعد والمعايير قاتلة لكل إبداع ولروح العفوية، وأن السعي للصواب يكون بتوازن وحد رضى وقبول واقعيين، متناسبين مع قدراتي لا توقعاتي، فالمثالية تريد من الأشخاص أن يعيشوا وفق قوالب محددة، لتصل في النهاية أن نكون نسخًا من أشخاص آخرين ناجحين وفق تلك المعايير.
وعلى الرغم من أنني أحب فكرة كوني شخصية جادة عقلانية، فكانت النتيجة أنني أصبحت منغلقة عن العالم، وأتجنب التعامل مع المواقف الجديدة لأنني أحفظ الطريقة المحددة للتعامل في المواقف دون أضيف شخصيتي أو تكون الإضافة في أضيق الحدود لأنني أخشى التصرف بشكل خاطئ. فشخصيتي المثالية كانت تقيدني وتهول صورة الوقوع في الخطأ، واسمريت في هذا القالب الذي يلقي قبولًا ومدحًا ممن حولي، وعبارات المدح كانت مستمرة فتوجه وعيي للتمسك بتلك الشخصية التي تميل للمثالية.
التحرر من الشخصية المثالية
السبب الرئيسي لحوض تلك الرحلة، الصعوبات التي كنت أواجها في عالمي الداخلي والشعور بالذنب الذي يرافقني في دائرة جحيمية من الخطأ واللوم والنقد اللاذع ثم تكرار الخطأ، عندما بدأت أقرأ في التطوير الشخصي وعلم النفس وجدت أنني أريد التطبيق كما يقول الكتاب، كالذي يحفظ دون فهم كافي لتفادي الخطأ، فكان التطبيق حمل ثقيل، فاستمريت في القراءة لعلم النفس إلى أن اهتديت لكتاب دكتور محمد طه “الخروج عن النص”.
البداية للتحرر بسبب كتاب “الخروج عن النص”
- القبول هو الدرجة الأولى للتغير، ارحم نفسك واحمِها من الشعور بالذنب المرضي، وتقبل أنك بتغلط وبتراجع نفسك وتتعلم، تقبل أنك بتغلط فمتعلقش لنفسك حبل المشنقة كل يوم وتجلدها كل ساعة.
- تمارس الحق الذي أعاطاه الله لك في الخطأ والضعف والفشل، فتتعلم من خطئك وتتقبل ضعفك وتحاول تاني بعد فشلك.
- سامح نفسك وبداية جديدة كل مرة وفرصة جديدة عند كل خطأ، أعرف أن عادي تغلط فتتعلم لكن إحساسك المرضي بالذنب حيخليك تكرر نفس الغلطة كل يوم وبشكل قهري.
- القبول مش معناه الموافقة، القبول تفهم سبب وجود الأجزاء المظلمة مني.
- ما ينفعش ربنا يعلمنا نكلمه ونقول: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. واحنا ننصب لنفسنا المشانق كل يوم.
- تقبل نفسك كلها على بعضها بكل ما فيها الوحش قبل الحلو الضلمة قبل النور الشر قبل الخير، خليك واثق أن جواك جمال وروعة وبراءة بالرغم من أي شيء.
كان هذا سببًا كبيرًا في حدوث التغير في وعيي تجاه نفسي، وساعدني في تغير وجهة نظري وخلق مشاعر وأفكار نتيجتها أن أرى أن المثالية خانقة ومقيدة لدرجة ضاغطة، وأنها سبب تصعيب حياتي من الداخل والخارج، فقررت أن أتحرر من هذا التفكير المثالي.
الأفكار التي ساعدتني على التحرر من المثالية
تجمع الأفكار كان من التعلم المستمر والبحث عن الشخصية المثالية وكيفية التحرر منها، وتعلم مراقبة أفكاري المثالية وإيجاد البديل لها، والأفكار التي جاهدت نفسي لتبنيها مثل:
- لقد خلقنا الله على فطرة تتعلم عن طريق الوقوع في الخطأ والتعلم منها، فليس من حقي أن أحرم نفسي من الوقوع في الخطأ.
- الله غفور رحيم يغفر الذنوب والكبائر التي في حقه عدا الشرك بالله، وأنا أقف لنفسي بالمرصاد على كل خطأ وأجلد نفسي وأنبهها حين تخطأ، هذا ظلم عظيم لنفسي، وضد الفطرة أن احرم نفسي من المسامحة وقت الخطأ.
- لا يوجد شيء كامل في الدنيا والكمال لله وحده، لذلك مهما سعيت وضغط نفسي لأصل للمثالية سوف أصل للإحباط واليأس والتعاسة، وهذه فكرة سامة تصعب الحياة.
- الشخصية المثالية مؤذية لي وتسبب التوتر والضغط وتعيق السعادة، وضاغطة لمن حولي عندما أضع معايير عالية صعبة للرضى وترفع توقعاتي في كل ما أسعى له فتزيد الصدمات التي أجدها نتيجة تلك التوقعات.
- الشخصية المثالية تجعلني أعيش في قوالب نمطية، تحرمني من التلقائية والاستمتاع بالحياة وروح المرح.
- الشخصية المثالية تجعلني لا أتقبل الجزء المظلم من شخصيتي وأخفيه، وبالتالي تبعدني عن أن أكون أنا على طبيعتي، وتبعدني عن الصحة النفسية، فتقبل العيوب يعني تقبل الإنسانية والضعف والفشل والإخفاق.
- لأكون شخصية سعيدة متوازنة، سوية نفسيًّا وعقليًّا يجب أن أتقبل ظلمتي قبل نوري أتقبل ضعفي وفشلي أتقبل عيوبي التي هي جزء من تجربتي الإنسانية.
- دوري هو تزكية نفسي وجهادها والسعي للوصول لأفضل نسخة مني مع مشاعر وأفكار داعمة تقبل إنسانيتي وفطرتها، وترشدني للصواب دون تأنيب وتحملني مسؤولية أخطائي، وأكون حازمة وحانية في نفس الوقت ألا أكرر تلك الأخطاء.
من المهم معرفة
أن في التحرر من الشخصية المثالية رحلة تحتاج للوقت والتدرج والصبر، كما أن التغير سوف يكون في كل جوانب حياتي لن يكون بنفس الدرجة والسرعة، فقد وجدت أنني تحررت من المثالية في جانب نظرتي لنفسي ولكن هناك مستويات خفية من المثالية وجدتها تظهر في الجانب المهني مثلًا.
حينما أدركت أن سبب تأخري في إنجاز المهام هو تفكيري بمثالية وأنني أريد أن يكون العمل مثالي، فأدركت أن للتحرر من المثالية أحتاج أن أتقبل التدرج وأنني أحتاج لمراقبته بعقلية يملؤها تقبل وصبر ووعي بآلية تغير الوعي التي من ضمن خواصها أنها لا تسير في خط مستقيم بل على شكل موجة تصعد وتهبط.
أن أرى التغير وأحتفل بالتغيرات الصغيرة وأكافئ نفسي، وأن أفهم أن الوعي الذي بُني من الطفولة لن يتغير بين يوم وليلة بل سنوات، وأنها رحلة ولخوضها أحتاج للتمسك بالشجاعة وكثير من التقبل أن في تغير الصفات من الطبيعي أن نلجأ لمختص ليسهل الصعاب ويوضح الرؤية ويمهد الطريق.
في النهاية… ما يسعني سوى قول الله (ونفس وما سواها فألمها فجورها وتقواها)، نحن لسنا في الجنة لنكون معصومين من الخطأ كاملين، فكن أنت، كن على مراد الله منك، إنسانًا يجاهد نفسه ويحثها على الصواب ويعيش الحياة بروح المغامر المكتشف.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 38,075
هل تسعى لأن تكون شخصية مثالية.. حسنًا توقف عن المحاولة واقرأ هذا المقال
link https://ziid.net/?p=93102