قوة الحياة: كيف تقدّر حياتك حق قدرها؟
الحياة لا تكون حقيقية إلا بإيجاد لنفسك موضعًا في هذا الكون الفسيح تملأ جرمه لكن تفيض على من حولك بمعاني الخير والبر
add تابِعني remove_red_eye 6,161
أنا حيّ
لعلها العبارة الأقوى التي يمكن أن يتبجح بها كل كائن حيّ على وجه الأرض ويثبتها دون دليل معملي أو مختبري. نعم أنا حيّ وأنت -يا من تقرأ مقالي- حيّ كذلك، لكن هل الحياة التي نقصدها هي ذاك الهواء الذي يتخلل عبر الأنف فيكون الشهيق وعند خروجه يصبح الزفير؟ هل هذه الحياة أن نأكل ونشرب ونتناسل؟ هل هذه الحياة هي العيش والسلام؟
إذا كان الموت هو الحقيقة الأكيدة في العالم التي لا يقوى على إنكارها أي مخلوق مهما بلغ من العلم أو الجهل فإن نقيض الموت -وهو الحياة- محل تردد وشدّ وجذب بين الأحياء أنفسهم. ولقد بهرتني عبارة قالها أحد علماء المسلمين المعاصرين، إذ قال:
إن كان الموت في سبيل الله عظيم لكنه شديد على النفوس فالحياة في سبيل الله تعالى أعظم وأصعب وأقوى.
نعم، فالموت موت، هو موت، وتتعدد الأسباب والموت واحد، لكن أمر الحياة مختلف فتتعدد أسباب ومقومات الحياة وتتنوع كذلك حياة الناس فمنهم من يرى الحياة الحقيقية هي السعي الحثيث خلف السلطة والقهر والتحكم في شيء أو أحد ما، ومنهم من يرى الحياة الحقيقية في المال والثروة والقدرة على جمع الأشياء وإحاطة النفس بالممتلكات وجذْب أيْ مخلوق يريده بجواره عبر الإبهار بتلك الممتلكات، ومنهم من يرى الحياة في تتبع الملذات والرغبات بقطع النظر عن مصدرها ومآلها ومحلها من القيم والمعتقدات.
لا حياة إلا في الآخرة
ومنهم من لا يرى بوجود الحياة أصلًا في الدنيا، وأنه لا حياة إلا في الآخرة فانقطع عنها في الدنيا ظنًّا منه أنها ليست إلا مرحلة ألزمنا الله تعالى بالوجود فيها لأكل سيدنا آدم -عليه السلام- من الشجرة وهبوطه إلى هذه الأرض وعيشه تلك الحياة فيها، بل إن منهم فريقًا يعتقد أن الحياة الحقيقية هي التي لا تبحث فيها عن أي معنى لها، في نظرة فلسفية لعلها مستحيلة التطبيق إلا في حياة هيبية لا تهتم فيها النفوس الحيّة بشيء مطلقًا، وهكذا في نظرات خاصة لطبيعة الحياة التي يحياها كل واحد منا وفق تصوُّره الشخصي أو العقدي.
الحياة في القرآن الكريم
وإذا نظرت للقرآن الكريم وروعة توجيهه لمعنى الحياة في قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) وتجمع عليه قوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة) ليتَبَيَّن لك بجلاء أن الحياة لا تكون حياة إلا بشغف حقيقي، وهدف للسعي خلفه، وشوق يقودنا للمزيد، وعطاء يدفعنا للراحة، ومرح يحفزنا على المسير، وتواصل يعين على إكمال الطريق.
الحياة لا تكون حقيقية إلا بإيجاد لنفسك موضعًا في هذا الكون الفسيح تملأ جرمه لكن تفيض على من حولك بمعاني الخير والبر. هو السؤال الذي ينبغي أن تسأل نفسك إياه كل يوم ما الذي يدفعك للقيام من السرير؟ سوى رزق الأسرة وتلبية الاحتياجات الجسدية.
إن شعور الإنسان بأنه حي هو نعمة عظمى ومكرمة كبيرة ومنحة كبرى أن تستيقظ فتقول: الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور، كنتُ نائمًا وكان من الممكن ألا أستيقظ وأتحول ببساطة متناهية من عالم الأحياء إلى عالم الموتى لكن الله أعانني فأيقظني وأعطاني الفرصة الجديدة لأعيش الحياة وفق شغفي وهدفي وطموحي وبذلي وعطائي تحت مظلة المنهج الذي ارتضاه الله تعالى للعالمين.
ينبغي أن يؤمن الشخص الحي أنه إضافةٌ للكون وللبشرية وليس عالةً عليه ولا عبئًا عليه، فليس وجودي مجرد شهيق وزفير بل هو عين الأخذ والعطاء وهو أصل مادة الحياة أن أكون متفاعلًا مع هذا الكون وتلك الحياة.
الحياة رحلة.. جملة كثيرًا ما نسمعها.. قليلًا ما نطبّقها!
ولا مانع أن يشعر بعضنا في طريقه ببعض الحيرة وقليل من التردد، فإيجاد الهدف والشغف والمحفز الحقيقي للاستيقاظ ليس أمرًا هينًا في ظل ما نعيشه الآن والعالم، فالبحث عن ماهية الشغف والهدف في الحياة رحلة يجب على كل واحد منا الشروع فيها بنفسه، يجب على كل شخص أن يبحث عن إجابته الخاصة ليكتشف من هو وما الذي يريد تحقيقه وما هو مصدر شغفه وتميزه في هذه الدنيا؟ وإلا عاش كل واحد منا حياة غيره كما هو مشاهد للأسف الشديد في شخصيات مزورة ومفتعلة ومتكلفة تشق طريق غيرها في الحياة وهي نفوس تحارب في صراع خاسر بين ما هي على الحقيقة وبين ما حاولت أن تكونه مثل فلان أو فلانة.
حب الخير والعطاء وردّ الجميل للأفراد والمجتمعات يمكن أن يكون بداية جيدة لنبدأ منها نحو اكتشاف الشغف فالشعور بالامتنان والشكر لله تعالى أولًا ثم للمجتمع أو لبعض الأفراد لهو باب خير كلما طرقه إنسان إلا واكتشف عوالم كثيرة من الشغف والتميز.
وواحدة من أفضل الطرق للعثور على معنى الحياة من خلال الحب، ممارسة التواصل مع العائلات من الأمهات والآباء والأشقاء إلى الزوج والزوجة والأطفال والأصدقاء المقربين ودائرة العلاقات المقربة، فإن حب هؤلاء هو وسيلة قوية للنمو في معرفتنا وتقديرنا لما يقدمونه لنا في الحياة وما نقدمه لهم.
أما التعاطف فهو خير ختام لهذا المقال فالشعور بالتعاطف مع النفس والعالم ونزع الحقد والغلّ والحسد، والرغبة في الانتقام والإقصاء الممنهج، وتعمد الإيذاء وتلمس العثرات واقتفاء الأخطاء هو باب كبير لإيجاد معنى لحياتك ومن الرائع أنها معانٍ متناغمة تمامًا مع مفهوم الدين للحياة، فلا تتصور أننا خلقنا في الدنيا أحياء أموات، بل أحياء حتى نموت، فلم نَمُتْ كل يوم رغم أن لكل واحد منا يومه الذي يموت فيه؟
ودعني أذكرك بمقولة رِبْعِي بن عامر -رضي الله عنه- لملك الفرس حين قال له:
وأريدك أن تكرر قراءة الجملة الأخيرة ففيها مختصر المقال. ولعل من المناسب أن تقف أمام مرآتك وتنادي أنا حيّ.
add تابِعني remove_red_eye 6,161
هل هذه الحياة أن نأكل ونشرب ونتناسل ؟ هل هذه الحياة هي العيش والسلام؟ مقال يجيبك عن هذه التساؤلات
link https://ziid.net/?p=54622