كيف تقضي أوقات الحجر الصحي؟
ليس الحل أن تشتكي من أوقات الفراغ التي لا تدري ماذا تفعل فيها، من الأفضل أن تخطط بحكمة وتستغلها وتستفيد من كل دقيقة فيها
add تابِعني remove_red_eye 943
(الفراغ) هو ذاكم الفعل الذي يخلو تمامًا من الفائدة، فلا الفعل نافع ولا صاحبه بمأجور، وكثيرًا ما ينتابنا هذا الشعور فيقتل فينا روح العمل والجد والنشاط. صراحة لم ارتض وجود شيء اسمه (وقت الفراغ) وأعتبر أن إضافة الفراغ للوقت إضافة غير حقيقية يَكمُن خلفها سرّ بلاغي، حيث إن الفراغ هو الخلاء أي: الفضاء المتسع الخالي عن وجود أشياء، وكل تصريف لغوي لكلمة الفراغ له معنى إلا إضافة الفراغ للوقت أو صفته به؛ لأن الوقت وهو الوعاء الزمني لفعل الأحداث لا يتصف بخلوه عن فعل الأحداث فلا يتصف بالفراغ وإلا صار معناه لا حركة ولا سكون – مثل الفضاء تماما- قال تعالى (وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا) أي: لا شيء فيه.
فعند قولك (وقت فراغ) تريد أن تصف الوقت بخلوه عن وجود الفائدة لا أن تصفه بخلوه عن مجرد الحدث؛ لأن هذا -حقيقةً- غير مقبول. والحاصل -إذًا- أن غاية قول القائل (وقت فراغ) أي وقت عديم الفائدة لأن الوقت لا يَفرغ عن حدوث الفعل، والواجب هو تحويل الأفعال العديمة إلى أفعال ذاتِ قيمة.
وبداية، لا بد أن تعلم أنك ستحاسب على أفعالك، قال تعالي (اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير) وقال جبريل لنبينا (واعمل ما شئت فإنك لاقيه) فالمؤمن الصادق قوي الإيمان يستشعر أن الله يراه وأنه سبحانه مطلع عليه وأن أفعال العباد عنده محل الثواب أو العقاب لذلك احرص على ما ينفعك، واشغل وقتك بعمل تثاب عليه، فوقتٌ تضيعه لله يعوضك الله عنه بوقت قيم الفائدة عظيم النفع.
دعني أسألك لماذا نشعر بأوقات الفراغ في حياتنا؟
ببساطة؛ لأننا تركنا ما وجب علينا فعله، فزاد وقت الفراغ بل وانقلب الوقت علينا فأصبح وقت الفراغ هو وقت الملل والشعور بالضنك، ولو أننا فعلنا الواجب علينا لكان وقت الفراغ هو وقت الراحة والشعور بإنهاء العمل، فعليك أن تبحث عن الواجب عليك لتفعله حينها ستشعر عند الانتهاء منه براحة ولذة تستطيع أن تستثمر هذه الأوقات في زيارة الأقارب والقراءة ومساعدة الغير و…… ، فلا معنى للتكاسل وترك الواجبات ثم محاولة الشعور بالراحة أنّي يكون لك؟
من هنا خاطب الله من أعرض عن ذكره وغفل عن أمره بقوله (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا) فهؤلاء المشركون لما تركوا أوامر الله وأعرضوا عن كتابه جعل الله أوقاتهم الضنك وحالهم الضجر في حين أن المؤمنين يتمتعون بوعد الله لهم (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة). فمعني أن هناك ثمّة فراغ في حياتك أي أنك تركت الواجب عليك أو بعضا منه.
إذًا فما هو الواجب عليك؟
لا شك أن الإجابة ستختلف لطبيعة المجيب، فمهمة القائد تختلف عن مهمة الطالب تختلف عن مهمة المهندس.. وهكذا. فعليك أن تحدد مهمتك وتفرق جيدًا بين ما تحب فعله وبين ما يجب عليك فعله.
أولا: كيف نحدد أوقات الفراغ؟
الإجابة تعود إليك فكل وقت تشعر فيه بعدم الارتياح ومحاسبة الضمير هو ذلك الوقت الذي تسميه وقت الفراغ نتيجةً لترك الواجب عليك لا لخبر مؤسف سمعته أو نحوه، فحيثما تركت الواجب لا شك ستعاني من عدم الارتياح، والناتج عنه وهو وقت الفراغ يختلف لطبيعة الواجب الذي تركته، فهناك واجب يشعرك تركه بالوحدة وهناك واجب يشعرك تركه بالملل أو الصخب والضجر.
ثانيًا: كيف نملأ أوقات الفراغ؟
ضع في الاعتبار -أولًا- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) فالكثير من الناس لا يستغل نعمة الصحة ونعمة الفراغ، وعند الاحتضار يندم على كل وقت مضى عليه دون أن يعمره بطاعة الله (يقول يا ليتني قدمت لحياتي) ولذلك من الأسئلة التي يُسأل عنها العبد يوم القيامة (عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه) كان ابن عقيل -من الحنابلة – يختار سفّ الكعك على مضغ الطعام، فسئل: لم تفعل ذلك؟ قال: لأني وجدت المسافة بين السفّ ومضغ الطعام قدر قراءة خمسين آية من كتاب الله، ليس عنده وقت ليمضغ الطعام فيسفّه سفّا!
ولا أري عجبًا في هذا، بل العجب أننا لم نفعله لأننا لم نجرب الفعل قط، ولو علمنا الفائدة منه لفعلناه، لذلك فليكن أول الضروريات مما لابد أن تشغل به وقتك هو فعل ما يعود عليك بالنفع فاحمل مسئوليتك، الحياة ليست مبنية على التهريج، لا وقت فيها للعبث، الحياة ثوان معدودة لابد أن نستغلها، فتأمل في حالك وخذ بقول نبيك (واحرص على ما ينفعك) فإن كان التهريج ينفعك هرج، وإن كان العبث ينفعك اعبث وإن كان استخدامك للهاتف ساعات بلا تحصيل جدوى ولا فائدة فافعل.
لحظة تمر منك تأتي خزانة فارغة يوم القيامة فكيف إذا وجد في الخزانة ما يضرك. وتأمل في حال إنسان تصفه أنت بالعقل يمر في طريق يجد دُرّة ويجد بَعْرة، فيلتقط البعرة ويترك الدرة، هذا حالك في أوقات الفراغ تتعلق بأشياء عديمة لتحقق من ورائها خسارةً لا طائل لها وتدع وترك الواجب عليك فعله.
ومن هنا فهناك ثلاث أمور لا بد أن تحققها حتى لا يفضي بك العمل أيا كان إلى وقت فراغ :
١- الإخلاص في العمل
الإخلاص في العمل يعطيك لذة تستشعر أنسها وقت فراغك مما يزيد من أهميته ويتيح لك فرصة لحسن استخدامه، يقول هنري فورد (المنافس الذي يجب أن تخشاه هو من يمضي مؤديا عمله على أكمل وجه) فأخلص في عملك وأده على وجه تؤجر عليه، فإن تفعل أفضل ما بإمكانك الآن سيضعك في أفضل مكان في اللحظة القادمة.
٢- انتقِ أصدقاءك
لا شك أن الأصدقاء لهم تأثير بالغ في حياة صديقهم وعليهم فتتغير نظرته للأشياء من حوله قال النبي – صلي الله عليه وسلم – (المرء على دين خليله). أتذكر قبل أربع سنوات أني تعرفت على صديق من أصحاب الشخصية الجادة كان لا يعرف في حياته سوى ما عليه والغريب أنه كان يؤديه على أكمل وجه كنت أخجل منه جدا وحتى الآن كلما تذكرته أخجل منه، مثل هؤلاء لا بد أن يكونوا في حياتنا وبكثرة، فإننا لا نستطيع أن نقوى على أعباء الحياة بغيرهم.
ومَثَلُ رجل له أصدقاء كمثل رجل في سفينة تحيط به الأمواج من كل جانب وتأخذه الرياح إلي كل اتجاه وهو في هذه الحالة مطلوب منه أكثر من عمل حتى يستطيع أن يتفادى الوضع الحالي فعليه أن يأخذ بالدفة وعليه كذلك أن يصعد على متن السفينة مرة ليراقب الأجواء وينزل مرة ليحدد سرعة الرياح لاتخاذ المسار الصحيح وعليه أن يلبس بذّة الغوص. فإن كان معه أصدقاءه استطاعوا أن يتعاونوا ويصلوا إلى حيث البر، فعليك أن تبحث عن مثل هؤلاء الأصدقاء وتتقرب منهم قدر المستطاع وتبتعد تدريجيا عن أصحابٍ لا قيمة لهم في حياتك (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا).
في مرة وصل بي الملل حده وكنت على درجة من الإحباط والضجر ولا شك أن الهاتف كان في يدي يسلّي فراغي وينمّي وحدتي فكلّمت صديقا لي وراسلته عبر الرسائل الهاتفية ووصل بنا الكلام إلى أن شكوت له ما أشعر، فكان منه أن أوصاني بالصلاة على الرسول والقيام فورًا للصلاة وذكر الله وما إن استجبت لوصيته حتى أزاح الله عني ما كنت أجده وأقبلت على الكتاب بروح غير التي تركته بها وأنا لازلت ممنونا له بما قدم.
٣-الدعاء
هو خير قربة وأرجى عمل لاسيما في زمن مثل هذا ظهرت فيه الفتن وكثر فيه تشاغل الناس بسفاسف الأحوال، لذلك كان من دعائه – صلى الله عليه وسلم – قوله: (اللهم أعني على ذكرك و شكرك وحسن عبادتك) وهذا الدعاء علمه رسول الله لمعاذ لما أخذ بيده وقال إني أحبك ثم قال له (فلا تدَعَنّ أن تقول في دُبُر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) والناظر يرى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه هذا الدعاء بعد الانتهاء من الصلاة وقبل انصرافه لمشاغله الدنيوية، وإذا كان الإنسان في دعاء مع الله يدعوه ويرجوه فإن الله يفرج عنه ما فيه.
٤- ابدأ يومك بورد قرآني
ولا أريد أن أحدثك عن بركة القرآن ستكتشف ذلك وحدك عندما تستيقظ من نومك فتأخذ المصحف وتقرأ بتدبر واستيعاب وخشوع، لا شك ستجد لذة تغمر يومك وسعادة لا تفارقك وراحة لا عناء بعدها، فأنا والله لم أجد لذة مثل قراءة القرآن بتدبر وفهم
وأخيرا، كيف نشغل وقت الفراغ بعمل مناسب ومفيد؟
١- حدد وقت فراغك : بمعنى أن تجعل له حدودًا، فمثلا إن كان هناك متسع فاجعل نصف ساعة في فعل كذا وساعة في كذا أو كذا، حتى وإن كان ما تفعل غير مفيد، لأن تعرف فيما ضاع وقتك خير من أن يضيع وقتك وأنت لا تعرف، فكثيرًا ما تجلس علي الهاتف -مثلًا- أو مع الأصدقاء أو تجلس وحدك ثم يمر الوقت سريعا فتكتشف أن ما ضاع كان أكثر بكثير مما كنت تتوقع له، هناك طالب يذاكر نصف الساعة ثم يجعل لنفسه وقتًا للراحةِ ولنفرض أنه يعطي نفسه للراحة مهلة العشر دقائق ثم يقبل على الهاتف يتصفح برامجه علي نية العودة للكتاب مرة ثانية وإذا به يكتشف أن الوقت قد مرّ وأن الليل قد ذهب ولم ينل منه سوى جلسته علي هاتفه ويندم كثيرًا على ما فاته لسهوه وغفلته.
حتى لا تقع في مثل حالته حدّد وقتًا للعمل ووقتًا للراحة وعلى هذا قال النبي: (ولكن يا حنظلة ساعة وساعة – ثلاث مرات-).
٢- خصص لوقت الراحة عملا تحبه، هناك -مثلا- من يحب تصفح نوعٍ خاصٍ من المجلات أو الجرائد وهناك من يحب ركوب الدراجة وهناك من يحب الغناء. هذه الأفعال التي تحبها حتما ستفعلها دون تفكير حتى لو كان الأمر على حساب الواجبات، فالنفس بطبيعتها ترغب في فعل ما تحب، من هنا كان لزامًا أن تجبر هذه النفس وتلجمها، فاجعل فعل ما تحب وقت راحتك حتى تتشوق إليه أكثر مما يساعدك على المبادرة من انتهاء ما تكره، وأنا أظن أن وقتا تقضيه في فعل شيء تحبه ستجد فيه راحتك، ولقد سمعنا كثيرًا عن أقوام لم يجدوا متسعًا حتى يقضوا نصف كلمة مع غيرهم لأنهم اهتموا بفعل أمرين:
الأول: الأمور الواجبة عليهم، والثاني: الأمور التي يحبونها، ومن ذلك كان سفيان الثوري -رحمه الله- يتعارض عمله مع طلبه للعلم فشكي لأمه ذلك وكان صغيرا، فقالت: أيْ بنيّ، عليك بطلب العلم وأنا أكفيك مؤونة العمل فكانت تغزل الصوف وتبيعه، ولهذا انتهِ فورا من الأعمال الكبيرة كالواجبات مثلا، ودَعِ الأفعال التي تحبها لا تضيع فيها وقتًا أكبر من اللازم، يقول ديل كارنيجي: (ابدأ بالمهام الصعبة أولًا، فتلك السهلة ستنقضي وحدها) .
٣- استغل وقت فراغك بشيء له قيمة تعود عليك بالنفع والفائدة، فالوقت هو الشيء المجاني في حياة الجميع فنحن لا ندفع عند الاستيقاظ من النوم ورغم ذلك فهو أعز وأنفس ما يمتلكه الإنسان في حياته، ومن هنا ترى الذين لا يقدرون الوقت ولا يعرفون أهميته يتهاونون فيه ولا يبالون بضياعه مثل رجل يمتلك مالًا لا يحسن التصرف فيه، ضع في ذهنك صورة رجل يبيت ليلته على الذهاب في الصباح إلى موعد أو مقابلة أو امتحان أو سفر تصور كيف سيقضي ليلته؟
لا شك سيستغل كل دقيقة في مراجعة ما حفظ أو ترتيب ما جمع، لهذا اهتم دائما باللحظة القادمة أين ستكون قدمك؟ استغل فراغك قبل شغلك وصحتك قبل مرضك وشبابك قبل هرمك ورددّ على لسان حالك (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي).
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 943
هذا المقال سيساعدك على تجاوز أوقات الفراغ أثناء الحجر الصحي
link https://ziid.net/?p=52349