كيف أصبح الإنسان مسالمًا؟
يتميز الإنسان عن غيره من الكائنات بالذكاء وحسن التواصل وبالتالي التعاون، وقد ساعد ذلك في سعيه للسلام وفض النزاعات بشكلٍ واضحٍ.
add تابِعني remove_red_eye 13,687
عندما نقرأ في صفحات التاريخ، نجد أنّ تاريخ الصراعات البشرية كبير للغاية، حتى أُقيمت الحدود بين الدول في القرن الماضي، وبمجرد وضع هذه الحدود، ومعرفة كل دولة من الدول حول العالم هويتها جيدًا. بدأ السلام يعم بين الناس في الأرجاء بنسبة كبيرة. كثيرًا ما أُذهل عندما أقرأ عن مدى بشاعة الصراعات التي عاشتها البشرية بسبب رغبة الكثير من الحكام في السيطرة على الأراضي الأخرى وتوسيع الممالك. لا أُنكر أنّ هناك الكثير من هذه الممالك التي رغبت في التوسع قد أحسنت إلى سكان الأراضي التي سيطرت عليها. لكن في نفس الوقت، شعر الكثير من سكان هذه البلاد بحزنٍ بالغ والذي تحول فيما بعد إلى صراعٍ. وقامت الحروب من جديد.
عندما مقارنة إنسان القرن الواحد والعشرين بالبشر قبله، نجد أنّه أكثرهم حظًّا، فقد عاش في قرنٍ قد فُصلت فيه الممالك الكبيرة وأصبحت هويته الأصلية أكثر وضوحًا. أعرف جيدًا أنّ أبناء كل عصر يعتقدون أنّ هذا هو عصرهم، وأنهم محظوظون لأنهم قد وُلدوا خلاله. وهذا أمر طبيعي. لا أستطيع إنكار أنه من الممكن أن يكون أبناء العصور القادمة أفضل حظًّا منا على أرض الواقع. لكني أُقارن حالة السلام بين إنسان القرن الواحد والعشرين وإنسان القرون السابقة الذي عاش في الصراعات الطويلة والقتال بالسيوف والأسلحة المختلفة.
هل البشر كائنات مسالمة؟
كثير منا لديه انطباع بأنّ الصراعات منتشرة كثيرة في المجتمع البشري، لكن عندما نقارن مجتمعنا هذا بالمجتمعات الأخرى نجد أن أكثرهم سلمية هو الإنسان الذي يتميز بعقله. لقد حاول العديد من المفكرين في توطيد السلام في نفوس البشر من أمثال ستيفن بنكر. ليس بنكر فقط، بل جاهد الكثير من العلماء لإثبات أنّ المجتمعات البشرية أكثر سلامًا عن الكائنات الأخرى. فالبشر قادرون على حل النزاعات بشكلٍ سلمي، إذ إنهم يتميزون بالعقل. إضافة لقدرتهم على التعاون وامتلاكهم للكثير من المشاعر الإيجابية مثل: الإيثار والتعاطف. كما أنهم قادرون على تطوير الحياة وتيسير طرق معيشتهم بقدراتهم العقلية الأعلى من أي كائن آخر.
بحث العلماء فيما يجعل الإنسان أكثر الكائنات سلمية وأنه مختلف عن الكائنات الأخرى، وما الذي يجعله يحرز تقدمًا في هذا الصدد، ويُفضل السعي وراء المصالحة والبحث عن السلم بدلًا من الحروب والنزاعات. هذا بدوره سيساعد في تحقيق مستقبل أكثر سلامًا بعيدًا عن الصراعات.
آليات ساعدت الإنسان على الوصول إلى درجة السلام
يتميز الإنسان حقًا عن غيره من الكائنات -كما ذكرت- حيث لاحظ الباحثون وجود عدة عوامل أو آليات ساعدت على تهدئته خلال رحلة حياته منذ أن سكن الأرض وحتى يومنا هذا. إليك هذه الآليات.
- الذكاء والقدرة على التواصل واللغة: أخبرتنا العديد من الدراسات بشأن تواصل الحيوانات معًا، لكن عندما ننظر إلى حالة الإنسان نجده أكثر الكائنات الحية تعقيدًا سواء في اللغة أو التواصل، أضف إلى ذلك الذكاء الذي يتمتع به ويُميزه عن غيره من الكائنات الأخرى. تتميز اللغات البشرية بتعدد مفرداتها ومعانيها الكثيرة، كما أنها تحتاج إلى التركيز أثناء تلقي الكلام ولا يؤخذ كما هو، فهناك كلمات قد تُقال بمعانٍ مختلفة ويتوقف ذلك على الحالة المزاجية للمتحدث، مما يُضفي عليها المزيد من التعقيد. ربطت العديد من الأبحاث الذكاء والتواصل واللغة بحالة السلام. إذ أنّ هناك علاقة بين حجم الدماغ وحجم المجموعة، مما يفسر قدرة البشر على التفرد، فالعلاقات الاجتماعية بين البشر ساعدتهم على تحصيل المعرفة بفضل التعاون المثمر بينهم وبالتالي استطاعوا بناء حضارات لم يستطع غيرهم من الكائنات إقامتها، وكل ذلك بفضل التواصل الاجتماعي المتطور واللغة والذكاء.
- التعاون التنافسي: أجل، التعاون والتنافس كلمتان متضادتان، لكن لنتعمق في الأمر أكثر وننظر إلى حقيقة أنّ المجتمعات البشرية عندما تتحد معًا ضد مجموعات أخرى فإنّ هذا التنافس يساعدهم على خلق التعاون. وهذا التعاون مثمر للغاية، إذ إنه يدفع البشر إلى التفاهم مع منظور الآخرين والتعاطف معهم وفَهْم دوافعهم في أفعالهم. هذا يساعد في النهاية على أن تكون احتياجاتنا متوازنة مع احتياجات الآخرين. وبذلك نستطيع القول أنّ هذا التعاون بين البشر جعلهم في حالة انسجام وبالتالي اتجهوا إلى السلام لفض خلافاتهم.
- انتقاء الوسط: هناك قاعدة تقول إِنّ المجموعات التعاونية أكثر نجاحًا من غيرهم، وينتقل نجاحهم من جيل لآخر، وبالتالي يحدث تطور كل فترة. وساعد ذلك على خلق حالة من الوئام وترك الصراعات جانبًا، والتركيز على بناء حياة أفضل للأجيال القادمة. وأدى ذلك إلى ظهور مجموعة من السمات التي تعزز قدرتهم على التعلم سويًّا، وتطوير الحياة الاجتماعية وتقسيم العمل، بالتالي إنجاز أكبر قدر من المهام.
- انخفاض هرمون التستوستيرون: لاحظ علماء الحفريات أنّ هناك انخفاضًا ملحوظًا في هرمون التستوستيرون لأبناء الجنس البشري، إذ ترتبط المستويات العالية من هذا الهرمون بالعنف والعدوان. بينما يرتبط انخفاض هذا الهرمون بالتناغم والمساواة.
- التسامح مع الغرباء: نتميز نحن البشر بالقدرة على التسامح مع الغرباء. لقد استطاع البشر تعزيز الثقة في الغرباء، طالما أنهم من أبناء نفس جنسنا البشري، وبالتالي زادت قدرتنا على العيش بسلامٍ مع الآخرين. عند مقارنة حال الإنسان بغيره من الكائنات الأخرى، سنجد أنه أكثرهم تكيفًا مع الآخرين. وبالتالي استطاع الوصول إلى السلام.
كما قال أحدهم: إنّ إنسان هذا القرن قد تحول إلى قطة وديعة تبغى السلام وابتعدت عن الصراعات الدموية. وهذا أهم ما يميز إنسان هذا العصر، الذي تخلى عن الرماح والسيوف والأسلحة الدموية الأخرى. لكن السؤال الأهم هنا، هل حقًّا تخلى الإنسان عن الصراعات كما نشر الكثير من الفلاسفة والمفكرين؟ أم فاتتهم حقيقة أننا في عصر التكنولوجيا والتقدم العلمي الهائل؟ أي الحرب الباردة. لكن هل هذا يؤثر على حقيقة أنّ الإنسان كائنًا مسالمًا. من وجهة نظري المتواضعة لا، فالحروب أو الصراعات التي تسعى للأغراض الشخصية للبعض لا يجب أن تُعمم على الآخرين.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 13,687
رحلة تحول الإنسان إلى كائن مسالم
link https://ziid.net/?p=78220