كيف تنهض الأمم وتتطور؟ (ملخص كتاب شروط النهضة)
إن الأمم كي تزيل عنها براثن الجهل والتخلف وتنهض لتشيد حضارتها الأصيلة يجب عليها أولا أن ترسم معادلة طريق تسير بها وعليها.
add تابِعني remove_red_eye 15,408
في هذه الأسطر سنحاول تسليط الأضواء على ما جاء في كتاب “شروط النهضة” للمفكر الاسلامي، فيلسوف الحضارة الجزائري الراحل بجسده، الخالد بأفكاره “مالك بن نبي” رحمه الله، يحاول المفكر التفصيل في معادلته الشهيرة: “حضارة= إنسان + تراب + وقت” وكيف للفكرة الدينية أن تكون هي المركب الفعال والرابط الأساسي للعناصر الثلاثة السابق ذكرها ليصبح اندماجها ناتج لحضارة أصيلة. ويأمل “ابن نبي” من أن تخدم دراسته هذه سير النهضة في العالم العربي والإسلامي على حد سواء وأن تتقبل الدول الكبرى في العالم هذه النهضة كصحوة لا كخطر إسلامي يهدد حياتها ومصيرها العالمي.
حيث يرى من خلال معادلته أن مشكلة الحضارة تنحل إلى ثلاث مشكلات أولية:
1.مشكلة الإنسان.
2.مشكلة التراب.
3.مشكلة الوقت.
ويضيف: إن بناء حضارة لا يتم بتكديس المنتجات وإنما بحل المشكلات الثلاث من أساسها، ومن هنا بدأ في تحليله لكل مشكلة على حدة، فبدأ بالتاريخ فرأى أنه إذا ما حددت الأمة مكانها في دورة التاريخ سهل معرفة عوامل النهضة والسقوط وعليه لا يجوز لأحد أن يضع الحلول والمناهج مغفلا مكان أمته ومركزها، بل يجب أن تنسجم أفكاره وعواطفه وأقواله وخطواته مع ما تقتضيه المرحلة التي فيها أمته، فأول ما يجب معرفته عن شعب حديث اليقظة لا تزال آثار النوم الطويل بادية عليه هو: هل بيده أسباب تقدمه؟
واستدل “ابن نبي” بالقرآن الكريم في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) وشرع في تحليله لدور الفكرة الدينية في ناتج الحضارة وإدراك سر دعوة القرآن الكريم المؤمنين إلى التأمل فيما مضى من سير الأمم وذلك حتى يدركوا كيف تتركب الكتلة الخصبة من الإنسان والتراب والوقت، كما وضح لنا مراحل الحضارة في رسم تخطيطي حيث نجد فيه أن بين طور النهضة الصاعدة وما يسمى بمرحلة الأوج حين تكون الروح هي المحرك وطور الأفول النازل الذي تتغلب فيه الغريزة وتنتصر نجد طور انتشار الحضارة وتوسعها الذي يتدخل فيها العقل، ومن هذا المخطط ينطلق بنا في شرح مفصل لكل عامل من عوامل الناتج الحضاري فبدأ بدراسة:
1.الإنسان:
فوجد أن المشاكل التي تحيط به تختلف باختلاف بيئته لذا وعليه يتوجب صناعة رجال يمشون في التاريخ مستخدمين التراب والوقت والمواهب في بناء أهدافهم الكبرى. فالفرد يؤثر في المجتمع بفكره وذلك من خلال توجيه ثقافته، وبعمله من خلال الاجتهاد، وبماله من خلال توجيه رأس المال، فالتوجيه في نظر مالك بن نبي هو “تجنب الإسراف في الجهد وفي الوقت” ثم بدأ في شرح كيفية توجيه الثقافة باعتبارها الدم في جسم المجتمع، وفلسفة الإنسان والمجتمع في آنٍ واحد ووجوب تحديدها كعامل تاريخي لفهمها ثم كنظام تربوي تطبيقي لنشرها بين طبقات المجتمع.
ومن توجيه الثقافة انتقل بنا إلى التوجيه الأخلاقي باعتباره يحدد قوة التماسك للأفراد في المجتمع الذي يرغب في تكوين وحدة تاريخية، ومنه ذهب بنا إلى التوجيه الجميل باعتبار أن الجمال هو أحد مقومات الحضارة وباعتباره وجه الوطن في العالم، لذا يتوجب علينا الحفاظ على وجهنا لحفظ كرامتنا وفرض احترام الجيران ومن هنا يأتي المنطق العملي الذي لا نراه في حياتنا، فالذي ينقص المسلم منا ليس منطق الفكرة ولكن منطق العمل، فالصلة بين المبدأ الأخلاقي وذوق الجمال في نظره هي علاقة عضوية ذات أهمية اجتماعية كبيرة؛ إذ إنها تحدد طابع الثقافة كله واتجاه الحضارة حينما تضع هذا الطابع على أسلوب الحياة في المجتمع وعلى سلوك الأفراد فيه.
ينتقل بنا “مالك بن نبي” من توجيه الثقافة وما يرتبط بها إلى توجيه العمل ليصل بنا إلى توجيه رأس المال للذي ظهر مع ظهور الصناعات الميكانيكية التي من طبيعتها أن تجعل للمال دورًا كبيرًا يناسب مقتضياتها فتوجيه رأس المال لا يتصل أولًا بالكم بل بالكيف، أيْ: إن كل قطعة مالية متحركة تخلق معها العمل والنشاط أما الكمّ فدوره يكمن في التوسع والشمول، إذن: فالقضية قضية منهاج يحدد لنا تخطيطًا مناسبًا نبني عليه حياتنا الاقتصادية يكون فيه الشعب مساهمًا بقدر كبير مهما كان فقيرًا ليتم التعادل بين طبقات المجتمع وانسجام الجماعة مع مصلحة الفرد.
“ابن نبي” في سطور كتابه يلفت انتباهنا إلى المشكلات التي يراها البعض منا مشكلات ثانوية والتي هي في الحقيقة مشكلات إنسانية تؤثر في سير النهضة، كمشكلة المرأة والزي والفن الجميل، فمشكلة المرأة مثلا باعتبارها مشكلة إنسانية يتوقف على حلها تقدم المدنية ولا يمكن حلها بتقليد ظاهري وسطحي لأفعال المرأة الأوروبية، فالمرأة كإنسان تشترك في كل نتاج إنساني وقضيتها موقوفة على من بيده وسائل التنفيذ، إذن فالقضية تتطلب حلًا جماعيًّا لا وجهة نظر.
2.التراب:
يرى فيه أن قيمته تحدد بقيمة الأمة فحينما تكون قيمة الأمة مرتفعة وحضارتها متقدمة يكون التراب غالي القيمة، فأرض الإسلام عموما ترابها به شيء من الانحطاط بسبب تأخر القوم الذين يعيشون عليه، فمن الناحية النفسية يقول “ابن نبي” يلزمنا أن تصبح الشجرة رمز رجل البلاد المهددة بالرمال في إرادته للبقاء، وبعد تحليله لنا عن كيفية تأثير عاملي الإنسان والتراب في ناتج الحضارة ينتقل بنا إلى العنصر الثالث.
3.الوقت:
في هذا العنصر يتحدث “ابن نبي” عن أهمية الاستغلال الأمثل للزمن، ويقول: إننا نحن في العالم الإسلامي بحاجة ملحة إلى توقيت دقيق وخطوات واسعة لكي نعوض تأخرنا، وذلك لأنه إذا قمنا باستغلال الوقت بطريقة منهجية سليمة ولم يَضِعْ سُدًى فسترتفع كمية حصادنا العقلي واليدوي والروحي وهذه هي (الحضارة).
فكما يقولون: “الوقت من ذهب إن لم تدركه ذهب” إذن فالقيمة الخام “الطبيعية” تتمثل في استعداد الفرد الفطري لاستعمال عبقريته وترابه ووقته، في حين أن القيمة الصناعية “الاجتماعية” فإنه يكتسبها الفرد من وسطه الاجتماعي لترقية شخصيته وتنمية مواهبه وتهذيبها.
يختم “ابن نبي” كتابه بحكمة جميلة جدًّا بأن الحياة تدفعنا دوما إلى السير نحو الأمام، ولذا لا يجوز لنا أن يظل سيرنا نحو الحضارة فوضويًّا بل يجب أن يكون بانتظام جميع أشيائها وأفكارها وروحها ومظاهرها وذلك بتخطيط ثقافة شاملة يحملها الغني والفقير والجاهل والعالم، وكما أنه من الواجب علينا ألا توقفنا أخطاؤنا عن السير حثيثا نحو الحضارة الأصيلة.
للمزيد عن مالك بن نبي
add تابِعني remove_red_eye 15,408
مقال هام حول فكر "مالك بن نبي"
link https://ziid.net/?p=51206