كيف جعلنا النظام الرأسمالي سلعًا؟
"لا دائم إلا الحركة، هي الألم والسرور، عندما تخضر الورقة.. تمحي من الذاكرة سفعة البرد وجلجلة الشتاء" نجيب محفوظ ... الحرافيش
"لا دائم إلا الحركة، هي الألم والسرور، عندما تخضر الورقة.. تمحي من الذاكرة سفعة البرد وجلجلة الشتاء" نجيب محفوظ ... الحرافيش
add تابِعني remove_red_eye 2,365
يتساءل أستاذ الاقتصاد كارل بولانيي: هل نحن مواطنون أم أننا مجرد مستهلكين؟ تجيب المؤرخة الاقتصادية ديردري مكلوسكي بأن النظام الرأسمالي بدأ، ليس كما يزعم الكثير من خلال العصر الصناعي والتطورات الصناعية في القرن الثامن عشر، ولكن الأمر بدأ من خلال خطاب الحرية الفردية الذي ظهر في هولندا في أواخر القرن السادس عشر، ثم تبنَّته إنجلترا وباقي الدول. فهي تعني أنه هو من ساعد على ظهور كتاب آدم سميث وقوله بأن الاقتصاد الفردي هو الذي يصنع ثروة الأمم وليس الدولة.
فحصل الناس على حرية الاختيار والمحاولة والمنافسة، وأصبح المجتمع يقدرهم على ما يبذلونه. فظهرت الآلات والمنتجات والخدمات والاستهلاك اللانهائي. وكان هدف هذا النظام كما يقول الاقتصادي جون كينز هو تحقيق الرخاء للجميع. ولكن الذي حدث كما يرى بولانيي أننا تحوَّلنا من عالم يعتمد على القيم الاجتماعية والثقافية إلى عالم تحركه عقيدة السوق. لكن كيف حدث هذا؟ سنرى في هذا المقال مبادئ خطاب الحرية متتابعة، وكيف استخدمها النظام الرأسمالي، ليجعلنا دائمًا مستهلكين. أو كما يقول أستاذ الاقتصاد جوزيف شومبيتر: غير مستقرين وآمنين.
يقول بولانيي لم يحدث إلا في المجتمعات الحديثة أن سيطرت الأسواق على المجتمعات، لتصبح هي الشكل الأساسي للاندماج والاتصال في المجتمع. ويقول الاقتصادي إيرنست شوماخر: كل شيء في عالمنا الحالي يوصف بأنه غير اقتصادي، يتم تهميشه.
يقول آدم سميث: إن الحيلولة بين الناس وبين القيام بكل ما قدرتهم بكل جزء من مكسبهم، لهو خرق واضح لأقدس الحقوق البشرية. وبهذا سيحقِّق الفرد أفضل ما لديه وسيحقق الرخاء. ويحدث هذا بالنسبة لسميث عن طريقين، الأول: التخصُّص. وهو أن يكون لكل فرد عمل في المجتمع يبرع فيه. ومن خلال هذا التخصص يصبح كل فرد خبيرًا في مجاله، فيزيد الإنتاج من خلال مجموع الأفراد. وهو يرى أن التخصص يكون في الأعمال الماديَّة، وأيضًا في الأعمال الذهنية، وهي خلق أفكار جديدة. الطريق الثاني: الحرية الطبيعية. وهو ألَّا تتدخَّل الدولة إلا تدخلًا ضعيفًا في السوق، وترك الناس يسعون وراء مصالحهم الشخصية.
وبناء على ما سبق يكون لكل فرد أهميَّة في المجتمع أيًّا كان هو. أي أنه لا يتم توجيه المجتمع نحو طائفة أو أفكار معينة. المهم ماذا يقدِّم الفرد. يقول الاقتصادي فون ميزس: ليست مهمة الحكومة أن تحدد غايات واتجاهات الفعل البشري. ويقول عالم الاقتصاد ميلتون فريدمان: يتمثل جوهر الفلسفة الليبرالية في حصول الناس على حقوق وفرص متساوية. إنها لا تعني وجوب حدوث مساوة في الثروات. فإذا ازداد ثراء الناس جميعًا فإن هذا نتيجة ثانوية للحرية، لكنه ليس الهدف الأساسي. فالهدف الأساسي للنظام الرأسمالي هو حرية الفرد. وهذا لا ينطبق على الدول بل العالم كله كما تفعل العولمة الآن من جعل العالم كله نظامًا يضم الجميع.
وبناء على ما سبق يكون لكل آراء وقرارات الأفراد أهمية في المجتمع والسوق أيًّا كانت هذه القرارات. يقول فون ميزس: إن الاقتصاديين يتعاملون مع الإنسان حسبما تقتضي الحاجة لا كما يجب أن يكون. وكان عالم الاقتصاد فريدريك هايك يرى أن الطريقة التي نستطيع منها إحراز تقدم مالي واجتماعي هي عن طريق اتخاذ ملايين الأفراد القرارات التي يعتقدون أنها مثالية دون تدخُّل من الدولة.
مع خطاب الحرية والتقدم التكنولوجي أصبح التغير هو الحال الدائمة في عصرنا. فالمعرفة أو الثقافة لا يمكن أن تكون ثابتة لأن التقدم الذي يحرزه الإنسان كل يوم يثبت ذلك.
حين كان ريتشارد ثالر أستاذ اقتصاد شابًّا، كان يقدم درجة الاختبارات من 100. وكان متوسط الدرجات التي يمنحها للطلاب 72 %، وهي نسبة أقل مما تعود عليه الطلبة. فواتت ثالر فكرة أن يجعل الاختبار من 137 وهذا يعني أن متوسط الدرجات سيكون في التسعينات. وهنا لم تتوقف شكوى الطلاب فحسب بل فرح الطلاب بدرجاتهم. وبهذا أكد ثالر على أن بناء الاقتصاد على فكرة أن الناس منطقيون سيتخذون أفضل القرارات بشأن حياتهم ومواردهم هو خاطئ، فهم في النهاية بشر.
بشر يتبعون استدلالات وتحيُّزات معرفية في اتخاذ القرارات كـ أنا أفعل لأن الناس يفعلون أو يريدون. والإنسان لا يريد إلا – كما يرى الفيلسوف والاقتصادي ثورشتاين فيبلن – إلا المكانة الاجتماعية. أو بشكل دقيق يريد الوجود الذاتي بين الناس وتبعاته. لكن ما شكل هذا الوجود؟ هذا ما لا يعرفه.
السوق استفاد من جعْل نظام الحرية للفرد متفرّدًا متغيرًا أي لا يقبل أي معرفة ثابتة من المجتمع ولا قول ولا شكل ولا مكانة، ورأيه أيًّا كان هو مهمٌّ وله قيمة، وأنه لا يعرف ما يريد إلا الرغبة في الوجود الذاتي، في أن يجعله في حالة استهلاك دائم من خلال العروض المستمرة والاستدلالات كـ الناس كلهم يفعلون، ليجعله يشعر بوجود وهمي لذاته وأنه وصل إلى نهاية في أي أمر. وبهذا يظل السوق يخلق الثروات من الأفراد.
ويمكن رؤية أن النظام لا يريدك أن تصل إلى نهاية في أي شيء في كل شيء، في عملك، في ملبسك، حتى في أصدقاءك، في المناقشات الدائرة في المنصات الاجتماعية، حتى في القضايا العالمية، كقضية تأثيراتنا على البيئة وغيرها. يقول جوزيف شومبيتر: إن عملية التدمير الإبداعي تعد من الحقائق التي لا جدال فيها في النظام الرأسمالي. ويقول أيضًا: إن حالة عدم الاستقرار هذه الناتجة من التغير المستمر خلقت حالة من عدم الأمان، وعدم الأمان هو ثمن الرخاء في النظام الرأسمالي.
add تابِعني remove_red_eye 2,365
الإبلاغ عن مشكلة جميع الحقوق محفوظة لزد 2014 - 2024 ©
أهلاً ومهلاً!
10 مقالات ستكون كافية لإدهاشك، وبعدها ستحتاج للتسجيل للاستمتاع بتجربة فريدة مع زد مجاناً!
المنزل والأسرة
المال والأعمال
الصحة واللياقة
العلوم والتعليم
الفنون والترفيه
أعمال الإنترنت
السفر والسياحة
الحاسوب والاتصالات
مملكة المطبخ
التسوق والمتاجر
العمل الخيري
الموضة والأزياء
التفضيل
لا تكن مجرد قارئ! close
كن قارئ زد واحصل على محتوى مخصص لك ولاهتماماتك عبر التسجيل مجاناً.
مقال ملهم حول أثر النظام الرأسمالي في الأشخاص
link https://ziid.net/?p=97889