كيف نجح حمّال أمتعة في تحقيق هدفه بأن يصبح حاكمًا للبلاد؟
درس من دروس النجاح يعلمنا أنه ليس هناك مستحيل وأنه لا مستحيل إلا ما اعتقدناه مستحيلًا، المستحيل والممكن هم قرارك
add تابِعني remove_red_eye 547
تعود تفاصيل قصة النجاح هذه إلى زمن الدولة الأموية في الأندلس، وبالضبط إلى غرفة متواضعة في مكان متواضع في مدينة قرطبة بالأندلس، حيث كان يعيش ثلاثة أشخاص يعملون حمّالين ويملك كل واحد منهم حمارًا يحمل عليه حاجات الناس وبضائعهم مقابل دنانير زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع، كانوا يتقاسمون مع حميرهم غرفة واحدة، ولكم أن تتصوروا بؤس ونتانة هذه الغرفة، وفي ليلة من الليالي، وبعدما تناول الثلاثة عشاءهم، شرعوا يتسامرون كعادتهم، فقال أحدهم -واسمه محمـد بن عامر- لصاحبيه: تخيلّا لو صرت أنا الخليفة، فماذا تتمنيان أن أعطيكما؟
أجاب الاثنان: مُحال ومن سابِع المستحيلات أن تكون أنت الخليفة، فقال لهما: افترضا فقط أنني الخليفة، قال أحدهم: ما أنت إلا حمّال وصاحب هذا الحمار، وستظل وستموت كذلك، استرسل محمـد بن عامر وقد استحكم الحُلم به وبدأ يعيش في أحلام اليقظة ويتخيل أنه الخليفة وحوله حاشيته، وهو يغدق من العطايا، ويدير شؤون الرعية، وأعاد طرح السؤال على صاحبيه: تخيلّا أنني صرت الخليفة، فماذا تتمنيان أن أغدق عليكما به؟ نظر صاحباه لبعضهما موقنان أنه لا بد لهما من أن يشفيا غليل صاحبهما حتى ينتهيا من تلك القصة، أجاب أحدهما إن صرت أنت الخليفة فأعطني قصرًا مشيدًا وحدائق غناء وجواري حسان ومائة ألف دينار، قال للآخر وماذا تريد أن أهديك أنت؟ فقال: إن صرت الخليفة، فأمر جندك أن يضعوني على ظهر حمار ووجهي إلى الوراء، وأن يمشوا به في المدينة وينادوا في الناس إن هذا كذاب دجال محتال، نام الثلاثة بعد هذا الحوار الطويل.
حلم محمـد بن أبي عامر يتحول إلى سلوك وتخطيط أهداف:
وفي الصباح، استيقظ محمـد بن أبي عامر ذو السبعة عشرة سنة والحلم لا زال يراوده بأن يصير الخليفة، بدأت فكرة الحُلم تغيّر من سلوكه، وتساءل مع نفسه، ما هي أول خطوة لتغيير واقعه الحالي وتحقيق حلمه بأن يصبح خليفة؟ قرّر أن أول خطوة يخطوها في طريق حلمه الطويل هي أن يبيع حماره، وهكذا فعل، وشرع في التخطيط للخطوة التالية، فاهتدى محمـد بن أبي عامر إلى أن الخطوة التالية في طريق حلمه هي الالتحاق للعمل بجهاز الشرطة، فتقدم للعمل كشرطي، وكان متفانِيا في عمله، فأعجب به رؤساؤه وزملاؤه وعامة الناس، وأضحى يرتقي في سلم الرتب حتى صار رئيس شرطة الدولة الأموية في الأندلس، وعمره آنذاك (47) سنة.
محمد بن أبي عامر يحقق هدفه، ويصير خليفة الأندلس:
ومات الخليفة الأموي في الأندلس، ويتولى ابنه هشام المؤيد بالله ذو العشر سنوات فقط خلافة أبيه، لكن كيف يمكن لطفل ذي عشر سنوات أن يعتلي سُدّة الحكم في الأندلس؟ وكيف له أن يتمكن من إدارة الدولة؟ تم عَقْد مجلس وصاية لاختيار وصِيّ على الخليفة الأموي الجديد الذي مازال غير أهل للحكم، فكان الاختيار بين ثلاثة أشخاص، شخص من بني أمية بحكم أنه قريب الخليفة الصغير، وقائد الجيش، ورئيس الشرطة محمـد بن أبي عامر، كانت أم الخليفة الجديد تخاف عليه من بطش بني أمية، فتم رفض الشخص الذي كان من بني أمية، وكانت أم الخليفة تثق بمحمـد بن أبي عامر، وفي النهاية كان محمـد بن أبي عامر هو من تم اختياره وصيًّا على الخليفة الجديد، وبذلك أصبح الوصي الوحيد على الخليفة القاصر، وخليفة على الأندلس بالنيابة، أمر خليفة الأندلس محمـد بن أبي عامر بأن لا يخرج الخليفة الصغير الذي تحت وصايته إلا بإذنه وبعد أن يعرف وجهته حتى يتمكن من حمايته وقام بتزويج ابنته إلى أحد أقرباء الخليفة المتوفى.
إنجازات محمد بن أبي عامر في فترة توليه حكم الدولة الأموية في الأندلس:
وكانت لمحمـد بن أبي عامر إنجازات عديدة أثناء فترة حكمه، حيث صَكّ العُملة، وقام بتجهيز الجيش، وفُتِحت في عهده الكثير من البلاد التي دخلت إلى دين الإسلام، واتسعت بذلك دولة بني أمية في الأندلس، فحقق ما لم يستطيعوا تحقيقه في بلاد الأندلس، حتى أطلق بعض المؤرخين على فترة حكمه اسم الدولة العامرية، وبذلك استطاع محمـد بن أبي عامر تحقيق حلمه بأن يصبح خليفة الأندلس بعدما قام بالتخطيط لذلك بشكل جيد وقام بتنفيذ ومتابعة خطته إلى نهايتها على أكمل وجه، بل واستطاع تحقيق إنجازات عديدة وترك بصمته، بحيث أصبحت فترة لصيقة باسمه محمـد بن أبي عامر، وأصبحت الدولة العامرية.
محمـد بن أبي عامر يسترجع ذكرياته:
و في أحد الأيام، والخليفة الحاجب المنصور محمـد بن أبي عامر جالس على عرشه، ومحاط بالعلماء والفقهاء والأمراء، فتذكر صاحبيه الحمَّالَيْن مالِكَي الحمارَيْن، واللذان كان ثالثهما منذ ثلاثين سنة خلت، فأمر أحد الجند بالذهاب إلى ذات المكان الذي كان يقتسمه معهما وإحضارهما لمجلسه، وفعلا ذهب الجندي إلى المكان نفسه، فوجدهما في نفس المكان وعلى نفس الحال، لا تغيير، ولا تقدم، حمّالَيْن كما كانا منذ ثلاثين سنة، وأحضرهما أمام الحاجِب المنصور محمـد بن أبي عامر، قال لهما الخليفة: هل عرفتموني، فقالا: نعم، ونخشى ألّا تكون قد عرفتنا، قال بلى: وكيف لي أن لا أعرفكما، فسأل الأول، قال له ابن عامر هل تذكر ماذا كان جوابك لو صرت خليفة الأندلس؟
قال: نعم، قلت: إن صرت أنت الخليفة فأعطني قصرًا مشيدًا وحدائِق غنّاء وجواري حِسان ومائة ألف دينار، قال له الخليفة لك قصر مشيد وحدائق غناء وجواري حسان ومائة ألف دينار، ولك راتب مقطوع (بدون عمل)، وتدخل عليّ متى شئت وبدون حُجّاب، ثم التفت للحمال الآخر فسأله، وما كان جوابك أنت؟ قال: اعفني يا أمير المؤمنين، قال والله ما أتركك حتى تجيب، فقال: إن صرت الخليفة، فأمر جندك أن يضعوني على ظهر حمار ووجهي إلى الوراء، وأن يمشوا به في المدينة وينادوا في الناس: إن هذا كذاب دجال محتال، قال الخليفة افعلوا به ما تمنى حتى يعلم أن الله على كل شيء قدير.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 547
مقال يساعدك على إدراك أهمية الأمل والحلم والتخطيط وكيف أن المستحيل هو مجرد كلمة
link https://ziid.net/?p=63905