هل سبق وسمعت عن متلازمة البطل؟
الأبطال حقيقيون ليسوا مجرد قصص وصور سينمائية ووسائل للترفيه والإمتاع، التاريخ مليء بالأبطال الحقيقيين والمبهرين
add تابِعني remove_red_eye 6,132
بين عنترة بن شداد وبروس ويلز أو لعل العنوان ينبغي أن يكون متلازمة البطل الورقي، فالأبطال أنواع، حقيقي ووهمي، واعٍ ومخدوع، أبطال من المعدن الصلب، وآخرون من الورق.
فالبطل هو الشخص الذي يظن نفسه قادرًا على حل غالب المشكلات التي يتعرض لها هو والمقربون منه، وغيرهم كذلك، بل ويسعى جاهدًا لحلها، ويهتم لذلك، ولا يهدأ حتى يحقق المطلوب منه، وما يطلبه هو من نفسه، ويحمل نفسه على عظائم الأمور، ويلزم نفسه بأعباء ومهام تقوم بها مؤسسات لا أفراد لما يحمله من قِيم العدل والإنصاف وأداء الواجب وتحسين الأوضاع.
جميعنا معرضون للإصابة بها!
وقد تصيب متلازمة البطل كلا النوعين من الأبطال، الحقيقيّ والوهميّ، فالحقيقيّ يراها مسؤولية وإلزامًا وفرضًا وعهدًا يلزم الوفاء به، بل ويرافقه التواضع والخجل من التقصير وعدم الوصول للمنزلة التي تطلَّع الناس حوله أن يصل إليها، والوهميّ يفرح بالمكانة النفسية والاجتماعية التي يراها للأبطال فيسعى لها رغم عدم أهليته لها لجُبن أو جهل أو قسوة أو احتقار ممن حوله.
هذا في البطل، فكيف بالناس وحاجتهم للأبطال وسعيهم الحثيث لتحصيل ذاك المنقذ الذي سينتشل الآخرين من قاع الضعف والذل إلى قمة القوة والعزة والمكانة المرموقة؟
يظن كثير من الناس أنهم من الضعف والذل والمهانة والخَوَر بمكانة تمنعهم من تحقيق الحد الأدنى من قدراتهم وطموحاتهم وآمالهم في الحياة، فليس أمامهم للبقاء في منطقة الكسل والراحة وعدم الانتفاضة والركون إلى وضعهم سوى أن يتأملوا في المنقِذ الذي سترسله السماء أو ينبت في أحراش الغابات أو يُربَّى في أروقة المخابرات فيحصل على أعلى الأوسمة بعد أرقى التدريب والتأهيل ليقود المجتمع إلى الخلاص مما هو فيه، هي في الحقيقة متلازمة الجهل والعجز والكسل، وليست متلازمة البطل فيما يتعلق بالناس والشعوب.
لا تصلح وصفًا لأحوال الكسالى
قد تصلح المتلازمة في بطل المعدن وبطل الورق لكنها لا تصلح وصفًا لأحوال الكسالى والعاجزين. ولما عرف المتحكمون في البشر نقطة الضعف المركوزة في شعوب الاستكانة أقاموا لهم أبطالًا من ورق، وقادةً من شمع، مع أيّ هبَّة قوة يتمزقون، ومع أيّ حرارة ابتلاء يذوبون. فبين ستالوني وشواريزينيجر وبروس ويلز وفان دام وجيسون ستاثام وحتى في الفن العربي بشخصية فتوّة الحارة في ثلاثيات نجيب محفوظ والمعلم والبطل ضاعت البطولة الحقيقية في الدين والعلم والمعرفة والعمل الخيري وخدمة الناس في معارك الجوع والفقر والوعي والنهضة.
إنما دفع الكسلُ والعجزُ المجتمعات لطلب البطل الحقيقيّ، فلما لم يجدوه، أو غفلوا عنه، استعانوا بفن الأوريجامي وصنعوا أبطالًا من ورق، وحين تَبَيَّنَ لهم أنهم ليسوا الأبطال المرغوب بهم، صوَّبوا أخطاءهم رغم جرائمهم، وقبلوا مصائبهم، ورضوا بالذل لهم، والرضا بكل ما يصدر عنهم، لم؟ لأنهم الأبطال. إنهم أبطال الهزيمة والفقر والعنصرية والتخلف والظلم الاجتماعي والعدوان على القيم والثوابت، إنهم أبطال الوهم والخرافة والابتزاز العاطفي، إنهم أبطالٌ تُكتَب أسماؤهم بحروف مميزة على صفحات جرائد اشتروها، وشاشات قنوات أنشئوها، وكُتُب ومقالات ضمنوا مؤلفيها، وليس في حياة الناس على الإطلاق.
أبطال الوهم سبب البلاء الأعظم
إنما حلَّت النكباتُ والويلات على شعوب العالم بسبب أبطال الورق، أبطال الوهم، الذين ظنوا بأنفسهم أنهم قادرون على تحقيق أمل الشعوب، وتوهم الناس ذلك وأوهموهم، حتى ثبت أن الواحد منهم هو المهدي المنتظر، أو المخلص المنقذ، وقد أغرقوا العالم طغيانًا وجشعًا وفسادًا. حَرِيٌّ بمن ظهرت عليه أعراض متلازمة البطل أن يُودَع عند أقرب معالج نفسيّ ليفيق من سكرته ويعود إلى رشده، وألَّا يتصدر لما لا يحسنه ولا يعرفه، بل ولا له به أيّ علاقة من قريب أو بعيد من حياة الناس ومصالحهم ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه.
لم يكن عنترة بن شدّاد ذا مكانة في قومه وقد تبرأ منه أبوه بدافع العنصرية المقيتة المتأصلة في العقول والقلوب إلى يومنا هذا، حتى احتاجت قبيلته للبطل، فكان البطلَ الحقيقيّ، والمنقذَ الصادق، والقائد الذي أثبت نفسه دون الأغاني العنترية والأهازيج المتكلفة.
- لماذا توصف كتابات النساء بالذاتية؟
- دليل الكاتب المغوار في اصطياد الأفكار
- تجربتي في قراءة الروايات ومشاهدة أفلامها المصورة، أيهما أفضل؟
يحكي عن نفسه مفاخرًا، وحُقَّ له:
خُلقت من الحديد أشدّ قلبًا *** وقد بَلِيَ الحديدُ وما بَلِيتُ
وفي الحرب العوان ولدتُ طفلًا **** ومِن لَبَن المعامِع قد سُقِيتُ
وإنّي قد شربت دَمَ الأعادي *** بأقحاف الرؤوس وما رَوِيتُ
فلما ألقى نفسه بين الصفوف كان الرد بالفعل لا بالكلام:
إِن كُنتُ في عَدَدِ العَبيدِ فَهِمَّتي * فَوقَ الثُرَيّا وَالسِماكِ الأَعزَلِ
أَو أَنكَرَتْ فُرسانُ عَبسٍ نِسبَتي* فَسِنانُ رُمحي وَالحُسامُ يُقِرُّ لي
وإحقاقًا للحق وأمانة المقال فلم يقل بروس ويلز ورفاقه أنهم أبطال حقيقيون، بل صرَّحوا جميعهم أن السينما والمسرح وسائل للترفيه والإمتاع، وكان لبعضهم مواقف صريحة وحازمة، بل بعضهم رفض مشاركة بلاده في بعض الحروب الجائرة مثل حرب فيتنام أو العراق وأفغانستان أو بسبب العنصرية والعنف تجاه الأقليات أو أصحاب البلاد الأصليين الهنود الحمر كمارلون براندو الذي رفض تسلم الأوسكار لهذا السبب، والناس فيهم وفيهم، لكنهم لم يزعموا أو حتى يتوهموا أنهم أبطال حقيقيون، وبيدهم إنقاذ العالم.
إن متلازمة البطل اضطراب حقيقي لكلا البطلَيْن الحقيقيّ والوهميّ، فالأول يتحمل ما لا يطيق، ولهذا تَبِعات، والآخر يتوهَّم ويخادع. أما الشعوب فحَرِيٌّ بهم وصف متلازمة الكسل أو متلازمة منطقة الركون والراحة، وخير ختامٍ قول ابن عبس:
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ *** بَلْ فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
add تابِعني remove_red_eye 6,132
مقال مثير ومقارنة بين عنترة وبروس لي
link https://ziid.net/?p=59163