التغير المناخي ظاهرة تعكس صراعاتنا الداخلية
التغير المناخي من المشكلات التي تهدد أمن وسلامة الكوكب كله بكل المخلوقات التي تعيش فوقه ، يجب أن ننتبه ونستعد قبل فوات الأوان
add تابِعني remove_red_eye 6,630
صوّر الناقدون الجدل الحاصل حول التغير المناخي بملحمةٍ سياسية كبرى أطرافها السياسيون –اليمينيون واليساريون- ولا داعيَ بأن ننكر ما يحدث من تسيسٍ للمشكلة، فالصراعات التي تحدث بسبب التغير المناخي أكثر من الحلول المقترحة لحل المشكلة، ولكن ربما كان السبب وراء رفض أو تقبل المشكلة هو تضارب في النفس البشرية. أكّدت دراسة في السلوك وعلم الأعصاب بأن الاندفاعية والدفاع عن النفس يتعارضان باستمرار كالمخلوقات الحية التي تناضل لتوفير مسبّبات الحياة قصيرة المدى وطويلة المدى.
وعلّق عالم البيئة -بيل مكبين- عن الموضوع في صحيفة نيويوركر في 26 من نوفمبر عام 2018 وقال: “إنه منحدر يؤدي إلى الجحيم” كتب ذلك في مقالة بعنوان “الحياة على كوكبٍ زائل”. ولديه هاجس دفين ينذره بأن التغير المناخي ما هي إلا ظاهرة تدريجية خبيثة، فالتأخير في توثيق الظاهرة يزيد الوضع سوءًا كما أنه يثبّط جميع الجهود الساعية لوقف الظاهرة أو عكس نتائجها وبالتالي تبدو غير ضرورية.
قبل قرن اقترح كلٌ من -تشارلز شيرينتون وإيفان بافلوف- الحائزان على جائزة نوبل في الفلسفة والطب، بأن للمخلوقات الحية القدرة على إطالة حياتها وذلك باستخدام حواسها الخارجية التي تربط وجودهم لكي يحصلوا على مسببات الربح أو يبتعدوا عن مسببات الخسارة. هذه القدرات تنبع من قدرة الإنسان على استشعار الشارات الخارجية بواسطة مستقبلات خاصة في العينين والأذنين والأنف. يؤمن كلًا من -شيرينتون وبافلوف- أن السمع والبصر والشم حواس أساسية لتطوير نظام يعرف بنظام “التنبؤ” في الدماغ، ذلك العضو المعقد الذي أصبح سلاح المخلوقات الحية الأفضل للحياة.
يستجيب الإنسان لكل شيء يراه ويسمعه ويشمّه عندما يكون على مقربةً منه، ولذلك الفترة التي يحتاجها الإنسان للاستجابة فترة قصيرة، فعندما يلاحظ المخلوق الحي نضوج الثمار أو اقتراب العدو فسيأخذ فترة وجيزة لكي يدخل في طور التفاعل مع المؤثر الخارجي، وهذه السمة تحرض المخلوقات الحية على الاندفاعية فمن يتردد يخسر وكما يقول المثل “عصفور في اليد خير من عصفورين على الشجرة” ولكن يصبح هذا التفاعل والاندفاعية غريبان عندما يتعلق الموضوع بالتعامل مع الإشارات التحذيرية التي يخلفها التغير المناخي تدريجيًا.
يا ترى هل هناك مخرجٌ من هذا المأزق؟ نعم ولكنه مقيّد بقدرتنا على توقع المستقبل واستشعارنا بأهمية التدخل السريع لحل المشكلة. ففي كتابهم الصادر عام 2016 قال كلٌ من -سيليقمان ورايلتون وبوميستير وسريبادا- بأن دماغ الإنسان يتمتع بالقدرة على اكتساب مهارات فعالة قد تؤهله للتفكير في المستقبل البعيد ومن ثم تحليل المستقبل تحليلًا عقلانيًا والاستعداد للمستقبل. أقدم مؤلفو الكتاب على تغيير اسم نوع الإنسان من الإنسان العاقل إلى الإنسان المفكِّر؛ لأنهم يؤمنون بأن اكتشاف الحقائق والتفكر فيها يجعل الإنسان أكثر حكمةً.
رغم كل ما نملكه من منطق لماذا فشلنا فشلًا ذريعًا في التحكم بالتغير المناخي وغيره من الأزمات وشيكة الحدوث كالتضخم السكاني وخراب الأرض؟ كما يقول ويليام شيكسبير “أؤمن بأن الخطأ ليس في قدَرنا بل فينا”. بالرغم من قدرتنا على تعزيز ذكائنا لتوقّع المستقبل والإعداد له، إلا أن حتى أكثر العقول غباءً تحرضنا على التعامل مع المشكلة، فبصراحة لكي نضمن النتائج بعيدة المدى وقصيرة المدى فعلينا ألا نكون مفكرين فحسب بل مندفعين لحل المشكلة.
لكي نقوم باختياراتٍ أكثر عقلانية في حياتنا فعلينا أن نقتنع بأن الصعوبات التي قد تواجهنا الآن ستعود علينا بالخير الكثير في المستقبل. هناك العديد من الإستراتيجيات لتحقيق اختيارات أفضل كتأجيل استخدام البدائل السهلة والسريعة والكبرى، أي البدائل اللاحقة -إستراتيجية الالتزام- إذا سلكت المخلوقات الحية كالإنسان أو الحيوان هذا النهج، فسنتفادى القيام باختياراتٍ متهورة.
ماذا عن قضية التغيّر المناخي؟ إذا بدأنا في تطوير أنظمة الطاقة فسيكلفنا هذا الكثير وسنواجه الكثير من العوائق ولكن ما سنجنيه في النهاية أكبر بكثير مما خسرنا. على سبيل المثال، إذا اشتريت سيارة كهربائية فستضطر إلى تزويد مرآبك بطاقة 220 فولت، وستحسب بدقة أين ستذهب ومدة المسافة التي ستقطعها كل يوم بالإضافة إلى أين ومتى ستشحن سيارتك إذا كنت بعيدًا عن المنزل، وكلما أجّلت هذه الحسابات فستتفاقم التكاليف وتكبر العوائق، ولكن إذا كنت تستخدم سيارة تعمل بالوقود فهذا سيتطلب رسوم الوقود الإضافية وضرائب الطرق وتركيب أجهزة تحكم بالتلوث.
وكما يتجلى لنا، فإن تجاهل التأثيرات السلبية للتغير المناخي إلى أجل غير مسمى قد يؤدي إلى كارثة حقيقية –لنا ولكل المخلوقات الحية التي تعيش على سطح الأرض– ولو استمر مستوى معدل سطح البحر بالارتفاع واستمرت مواطن العيش بالزوال وأصبح الجو خانقًا مليئًا بالسموم، عندها سنندم على اليوم الذي اخترنا فيه تجاهل الإشارات التحذيرية الواضحة للتغير المناخي.
بدلاً من تسيس التغير المناخي علينا أن نعيد تصنيفه فالصراع الحقيقي ليس سياسيًا بل بين الخسارة البسيطة التي قد نخسرها الآن والخسارة الكبرى التي قد نواجها لاحقًا. ليكن لدينا بُعد نظر بدلًا من التفكير في الحاضر فقط ولنعد العدة للمستقبل، فأحفادنا وأبناء جنسنا الذين سيعيشون على هذا الكوكب لاحقًا سيسعدون لو طبقنا هذه النصيحة.
add تابِعني remove_red_eye 6,630
مقال ملهم حول ما يحدث حولنا ومعنا ومع ظاهرة التغير المناخي وتعاطينا معها
link https://ziid.net/?p=28536