النسوية بين النزعة الإنسانية والعباءة الدينية .. كيف تعيش النساء في المجتمع العربي؟
تعيش النساء العربيات مزيجًا من السلطات التي تحد الحرية الخاصة في ممارسة الحياة. فما هي هذه السلطات وكيف تواجهها النساء؟
add تابِعني remove_red_eye 21,514
يعيش العالم العربي مؤخرا موجة من المطالبة بالحريات، سياسية واجتماعية، ولعل أبرز هذه الأخيرة هي حركة التحرر النسوي. هذه الحركات التي تعود تاريخيًّا إلى عصر التنوير ثم الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر. ورغم إجماع المجتمعات العربية على المطالبة بالحريات السياسية وإسقاط الأنظمة الفاسدة بصوتٍ واحدٍ إلا أن ذلك لم يكن نفس الحال بالنسبة للحركات النسوية والأصوات العالية المطالبة بحقوق النساء التي هضمها المجتمع وصارت عادات متعارفٍ عليها بمباركاتٍ من السلطة الأبوية والدينية أيضًا.
رفضت المجتمعات العربية الحركات النسوية واعتبرتها صوتًا خارجيًّا يدعو للتنصل من القيم والأخلاق الخاصة بمجتمعنا العربي، وتزامنًا مع محاولات قراءة تحليلية، بحث معمق ومتابعة شغوفة لآراء أعلام الحركات النسوية في العالم بشكلٍ عامٍّ وفي العالم العربي بشكلٍ خاص، تخرج أصوات مضادة رافضة لكل ما يُقال، متمسكة بآراءٍ شاذة أو لا تزيد عن (5%) من أصْلِ الأفكار والفلسفات التي طُرحت من قبل إعلام الحركات النسوية كالميول الجنسية، الدين، وحتى طريقة اللبس الشبيهة بالرجال أو الفاضحة أحيانًا، وحتى قراراتٍ حياتية خاصة كعدم الإنجاب أو عدم الارتباط.
مثلا لو استشهدت برأي لنوال السعداوي سيُقال لك إنها مسترجلة وتلبس كالرجال، أو ملحدة تمامًا كما يتخذونه سببًا لطمس أفكارِ جُمانة حدّاد. لو تكلمت عن سيمون دو بوفوار سيتم تذكيرك بعلاقاتها المثلية والأمر سيَّان بالنسبة لفرجينيا وولف، مع أن الأصل هو أن نأخذ من الآخرين ما نراه مناسبًا ومنطقيًّا للدفاع عن قيمة معينة وزرعها في مجتمعنا وليس اعتبار الشخص كتالوجًا جاهزًا لاستعمال حياته نموذجيًّا.
لقد حاولت الحركات التحررية النسوية منذ البداية أن تثور على الواقع البغيض حيث كانت النساء تُحشر في دَوْر واحدٍ الزواج والأمومة، تربية الأطفال والاهتمام بشئون المنزل. حصر المرأة في هذه الأدوار عملت على تَشْييئها وتفريغها من قالبها الإنساني، فقامت بدعوة النساء للتعلم والعمل والمطالبة بحق التصويت كما فعلت حركة سافرجيت ببريطانيا. وهذا ما كان يتطور مع الوقت والسنوات، وكلما تضمن حقًّا تنتفض لحقٍّ آخر حتى صار التعليم مثلًا حقًّا تقرّه مجتمعاتنا في الغالب. ينتقل النشاط النسوي اليوم إلى دعم النساء المعنفات، مساعدة النساء في تحقيق استقلاليتهن الاقتصادية، وحقّ اختيار الدراسة والمهن.
هذا لا ينفي بتاتًا ما تفعله بعض الجمعيات النسوية، في تشويه الأهداف الأساسية للأنشطة النسوية وتقزيمها في مطالبات لا تمنح تقدمًا ولا تأثيرًا في حياة النساء، بل الهدف من ورائها هو استفزاز المجتمع، كما فعلت ناشطة نسوية منذ أيامٍ قليلة بنشر صورة تدعو فيها إلى كشفٍ تامٍّ للجُزْء العلوي لجسدها باعتبار ذلك تحقيقا لحريتها.
رفض للنسوية
في خِضمّ ما قدمته وتقدمه الحركات النسوية يرفض الكثيرون الدعم والانتساب ولو لفظيًّا، فلماذا؟
يقدم الإعلام والأعمال الفنية الدرامية كثيرًا صورًا عن “النسوية” بكاركتير نمطي غريب ومنبوذ: المرأة الغاضبة التي تصرخ، تحمل الكتب كدلالة على الثقافة التي يفتقر لها محيطها بذكر بعض الأسماء التي عادة ما تلاقي رفضًا اجتماعيًّا لسبب معيَّن ينتمي للأسباب الواهية سالفة الذكر، تلبس لباسًا أقرب للرجال، أو لبسًا فاضحًا يرفضه المجتمع. صورة نمطية لطالما قُدِّمت من الإعلام والأعمال الدرامية لكنها بدأت بالكسر مؤخرًا مع ظهور السوشيال ميديا وتبني فكرة النسوية لنساءٍ من طبقات اجتماعية واقتصادية مختلفة، ومن ديانات وأعراقٍ مختلفة أيضًا.
النزعة الإنسانية في ممارسة النساء حقّ الحياة
يتبنى آخرون المبدأ الإنساني، المبدأ الأكثر اتساعًا حيث تمارس المرأة الحق الطبيعي في الأنسنة دون اتباع حركة معينة للظفر بالحق الإنساني الطبيعي. بدءًا من العلم والعمل إلى اختيار الشريك والقرارات الحياتية بكامل الحرية ودون أي ضغوط اجتماعية أو تدخل أبويّ. هذا ما يتنافى تمامًا مع الموروثات الاجتماعية لمجتمعنا الشرقي الذي تحكمه أوَّلًا وقبل كل شيء المنظومة الأبوية.
ويقرر الأب والأخ أو العمّ بدل المرأة قراراتٍ تخصّ حياتها برفضٍ أو إجبارٍ وإن كان هذا التدخل يُعَدّ أقلَّ مقارنة بالقرن التاسع عشر حين بدأت الحركات التحررية إلا أنه يبقى واقعًا معاشًا ويوميًّا للنساء العربيات، بل ويتعداه إلى تدخل رجالِ العائلة وأحيانًا الحي والمجتمع ككلّ ويُلحق الوصم بالمرأة وعائلتها في أيّ فعلٍ منبوذٍ كالتأخر خارج المنزل، الطلاق أو عدم الزواج، وحتى العمل في مجالات مازالت حكرًا على الرجل وأحيانًا العمل بصفة مطلقة.
يبدو الانتماء إلى “الحركة الإنسانية” لو صَحَّ القول مقابل “الحركة النسوية” أقل حساسية بالنسبة للكثيرين، خاصة مع انتشار نشطاء الوعي الذاتي وتعظيم فكرة معرفة الإنسان لنفسه أكثر، وتسهيل الفكرة بالنسبة للنساء مع اختلاف مستوياتهن الثقافية والاجتماعية كما قدمته الكاتبة المصرية هبة السواح في كتابها “سندرلا سيكريت”. حيث يعمل نشطاء هذا المجال على إدراك ما يريده الشخص وكيف يحقق توازنه كإنسان وفردٍ في المجتمع، ليكون إنسانًا أكثر نجاحًا في جميع مجالات الحياة أو ما يعرف بمصطلح “تحسين الحياة”.
هذا التعريف المانع للكثير من الغضب والسخط وأحيانًا كثيرة للشتائم المجانية التي يتقاذفها الآخرون بمجرد مرور لفظ “نسوية” على أبصارهم أو آذانهم، معتبرين أن التوازن هو مطلب أساسي للإنسان.
استغلال ذكوري لتفسيرات دينية
لا تنتهي الفكرة هنا، فالكثير لم يخرج بعد من عباءة “السلطة الأبوية”، وتبدو فكرة اعتبار المرأة كائنًا مستقلًا يستطيع خوض الحياة بقراراته واختياراته الخاصَّة أمرًا غيرَ مرغوبٍ فيه. لا يوافق المنتسبين للتيار الديني أن من حقّ النساء ممارسة الحياة دون وصاية ذكورية (الأب، الزوج، الأخ وإن غاب هؤلاء فقريب آخر أو حتى جار)، ومن حقّ الوصي إبداء الرفض والقبول وحتى الإرغام على القرارات حسب النص الديني وتفسيره، على عكس الرجل الذي يعتبر وصيًا على كامل قراراته دون أيّ تدخل من الآخر ودون أي اعتراض يبديه المجتمع.
مع توجهاتٍ فكرية وقوالب اجتماعية تعيشها النساء العربيات إلا أنهن ما زِلْنَ يكابدن المجتمع وتسلطاته الذكورية الأبوية والدينية، ليمارسن حياةً أقل ضررًا نفسيًّا وماديًّا وتحقيقًا لطموحاتهن ومكابدة ظروف العيش. مع الوقت، تظفر النساء بحقوق وتدافع عن أخرى، جيلًا فجِيلًا سيصلُ جيلٌ أقلّ معاناة في الحياة وربما هذا بالضبط ما تريده نساء اليوم.
add تابِعني remove_red_eye 21,514
مقال شائك في فترة متوترة حول حقوق النساء وحقها في ممارسة الحرية
link https://ziid.net/?p=60688