عالم يحكمه الإنفلونسر: أن يجعلك المجتمع خارج التقييم
هناك دوما سلطةٌ للمجتمع التي تشكلُ أسلوب الحياة والاختيارات، سلطة يتحكم فيها اليوم عالمٌ استهلاكي قائم على تقييم الفردِ بما يستهلك
add تابِعني remove_red_eye 21,476
يرى باومان في كتابهِ “الحياة السائلة” ضمن سلسلة السيولة أن لا أحدَ يتجه إلى جهة ما، يختار قرارًا ما نابعًا كليةً من داخلهِ، هو لا يدرك ذلك ويبقى دومًا القرار غير خالٍ من ضغوطِ المجتمع الذي يعيشُ فيه. نقول جميعًا إننا اخترنا هذه الدراسة، هذا العمل، أو حتى هذهِ السيارة لأننا نريد ذلك ولا نملك واقعيًّا ما يقيس نسبة قرارنا الذاتي في ذلك. هنالكَ دائمًا عامل خارجي، وصورةٌ في لاوعينا ترشدنا.
الفرد والمجتمع
إذ يعيشُ الإنسان في مجتمعات، ومع اختلافِ المجتمعات في عاداتها، حدودها وسلطتها على الفردِ الواحدِ فتؤثر عليهِ تأثيرًا بالغًا، في قراراته، شكلِ حياتهِ، وحتى في رضاهِ عن نفسهِ. إن قرار الفردِ بعدمِ الانصياعِ لتوجيهات مجتمعه ستمنحه شعورًا بالنبذ، الرفض والإبعاد سواءٌ المعنوي أو حتى الفيزيائي بالنفي من القبيلة أو الوطنِ بأسره، وتأخذ منه روابط الانتماء الذي يحتاجها أيّ فردٍ في تركيبة هويته، وتعتبر دعامةً له.
القواعد والقيود
يرسم لكَ المجتمع الذي تنتمي إليه طريقة عيشك منذ الولادة وحتى الموت، يقرر عنكَ كيف ومتى تعيش طفولتك، دراستك إن سمحَ لك بذلك أو أجبركَ على فعلِها أيضًا، يختار عنكَ تخصصك ومجال عملكَ حسب القيم التي يخدمها شهرة أو مالًا، يوجهك نحو شكلِ الجسد واللوك المفضلِ، ويخبركَ أيضًا بمواصفاتِ الشريك التي يجب عليكَ أن تختار وفي أي سنٍّ يجب أن تفعل ذلكَ، يقرر عنك اختيار أن تكون أمًّا/أبًا، ويعطيكَ نموذجًا جاهزًا للنجاحِ أيضاً.
حياة المؤثرين
في السنواتِ الأخيرة مثلًا، صارَ هناكَ هوسٌ بأسلوبِ حياةِ المؤثرين على السوشيال ميديا، كلُّ شيءٍ قابلٌ للتسويق، وكل شيءٍ يتحولُ بدل الموضة والترند إلى ضرورةٍ للحياةِ أيضًا. تقول المدونة والباحثة في علمِ الاجتماع “أروى الطويل” في أحدِ مقالاتها عن تسويق الأمومة: إننا اليوم في عصرِ الاستهلاك والتسويق، كل شيء نريد أن نمنحه حيزًا في حياةِ البشر يتم التسويق له. وهذا فعلًا ما يحدث، تُقدم لنا الصورة، والحكاية ويبقى لذاكرتنا المعالجة وخلقِ الاحتياج.
انطلاقا من المرهم الذي يعالج البشرةِ إلى السيارة الباهظة الثمن، إلى السفرِ لعددٍ لا نهائي من البلدان، عددِ اللغات التي يجب أن نتحكم فيها، وعدد الشهادات والجامعات التي ننتسب لها، كل ذلك نمط حياتي يُسوق له من حولنا، فأين قرارنا الذاتي من فعلِ هذا، وعلى أيِّ أساسٍ فعلًا تم اتخاذهُ. ما الذي نريدهُ حقًّا، أو نسعى لهُ لأنه هيئ لنا فقط أنه سيمنحنا شعورًا بالسعادة أو الرضا عن أنفسنا.
حُمّى الإنفلونسرز
في حمى الإنفلونسرز التي يعيشها العالم، وتأخذ بهِ نحوَ أسلوب استهلاكي ونمطي مجنون، يذكر باومان في كتابهِ الحب السائل: إننا اليوم نوجد في هذا العالم، الذي يقدس المادة والسلعة والاستهلاك، وبأن قيمةَ وجودنا من قيمة ما نحصل عليه من سلع، حتى إن قررنا ألا ندخل هذا السباق المسلط على رقابنا كالسيف فنحن خارج الماراثون ولا أحدَ يرانا. هذا هو النبذ، الرفض الذي سيشعرُ بهِ كل من قرر ألا ينتمي لهذا.
يكفيِ أن تجلس ضمن مجموعةٍ من الناس، لتعرفَ من خلال الحديث الدائر عن آخر ما يجود بهِ كل وسطٍ من أوساط الاستهلاك: برندات المكياج واللباس، برندات الآلات المنزلية، الهواتف، الأواني، السيارات، وحتى آخر الدورات التعليمية الترند، والكتب أيضًا. فكلُّ شيءٍ قابل للتسويق وأولها الفكرة.
مرةً أخرى تتحدث أروى الطويل أن الغرب الذي سوقَ طويلًا لنموذج المرأة العاملة والمستقلة التي تدخل السوق العالمية بكلِّ نجاح، هو يعود للتسويقِ هذه المرةِ أيضًا للمرأة الأمِ، ولدورِ المرأة في البيتِ، مع الأطفال والأسرةِ. يكفي أن تتابع على موقعِ الإنستغرام كلّ الحسابات التي تنقلُ تجاربَ الأمومة، تسوق لسلعِ الأطفال والرضع، ولسلع تساعدُ الأم للقيام بدورها، الخاصة بالرضاعة مثلًا. ويكفي أن تفتح مواقع التسوق الأون لاين لتدرك الأمر جيدًا.
قراراتنا
هذا وحده يقودنا إلى سؤال: هل تختار النساء الأمومة؟ في المجتمعات التقليدية ما زالت الأمومة أمرًا مقدسًا، أن تكوني امرأة فبالضرورة ستصبحين أُمًّا، لا تجهزين ذلك، لا تحتاج المرأة دروسا أو حتى حديثا خاصًّا لتعرف هذا الدور، فالأمر متوارث، عن الجداتِ والأم، جيلٌ يقدم المشغل لجيل بعده، هي مجندة للقيامِ بهذا الدور.
هل تريد أن تكون أُمًّا لأنها امرأة؟ أم لأن العالم يتجه إلى ذلك؟ أم لأنها حقًّا تريد ذلك؟ والأهم كيف تختبر صحة اختيارها بأنه ذاتي وفردي وليسَ بسلطةٍ خارجية؟
هناك دومًا سلطةٌ للمجتمع التي تشكلُ أسلوب الحياة والاختيارات، سلطة يتحكم فيها اليوم عالمٌ استهلاكي قائم على تقييم الفردِ بما يستهلكه كما ذكر باومان في كتابه “الحب السائل”، لا يستطيع التنصل ولا الخروج منها، وإلا صار منبوذًا ومرفوضًا وخارج التقييم.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 21,476
تؤثر قيم المجتمع على الفرد، فكيف تقيم المجتمعات أفرادها اليوم؟
link https://ziid.net/?p=86732