هل يمكن للإنترنت أن تحد من السرقات الأدبية والعلمية؟
على الرغم من كافة فوائد الأنترنت إلا أنه فتح باب لا يمكن غلقة من السرقات الأدبية وقضايا الملكية الفكرية والأدبية
add تابِعني remove_red_eye 1,108
تخيل لو أن أحد الكتاب الكسالى أغار على إنتاج غيره، ألَا يعتبر هذا عملًا عدوانيًّا؟
يذكرني هذا الفعل بما يصنعه القراصنة في عرض البحار؛ حيث يسلبون الناس أشياءهم، دون أن يرف لهم جفن. سُقْت هذه التوطئة كمدخل للحديث عن هذه الظاهرة المشينة. إذ لا يمرّ يوم دون أن نقرأ عن فضيحة جديدة. فمن أين يأتي الخلل؟ هل هو انعكاس لانحراف في السلوك، أم أنه شطارة يُتوصل بها إلى مآرب دنيوية.
ما أعرفه أن هذا الأمر ليس بالجديد على الناس،فمما يرويه صاحب الأغاني أن الشاعر المعروف الفرزدق أُعجب ببعض الشعر، فانتزعه من صاحبه عنوة، ثم نسبه لنفسه. ولأنه كان مهاب الجانب، شديد السطوة، لم يجرؤ الشاعر المسكين على المقاومة. وفي أيامنا هذه تفاحش هذا الأمر حتى ظنّ سرّاق الأفكار أن فشو الشيء يمنحه حصانة ضد الانتقاد. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي تاريخ الثقافة العربية الحديثة واقعتان اشتهرتا عند الناس؛ إحداهما تتلخص في اتهام الأستاذ محمود شاكر للدكتور طه حسين في أنه سطا على أفكار مستشرق إنجليزي حول حقيقة الشعر الجاهلي، ثم عرضها في الجامعة المصرية على أنها من بنات أفكاره. وكانت هذه القضية مقدمة لمعركة شديدة، فرقت بين الأستاذ وتلميذه النابغة.
أما المسألة الثانية، فهي اتهام المفكر الأردني فهمي جدعان للفيلسوف المغربي الدكتور محمد عابد الجابري بسرقة أفكار اعتمد عليها في كتابه عن محنة المثقفين في الحضارة العربية الإسلامية. وكان الجابري قد تناول في هذا الكتاب محنة الإمام أحمد بن حنبل، ونكبة الفيلسوف ابن رشد الحفيد على أيام الدولة الموحدية.
نماذج من السرقات العلمية
لا يمكننا أن نحصر أصناف هذه السرقات، فهي تتخذ أشكالًا وصورًا يعجز الباحث عن ملاحقتها، وذلك لتباين السرّاق وتفاوتهم في المكر والخديعة. فمنهم من ينسب الكلام لنفسه، ومنهم من يسلخه، فتتغير بنية الكلام، فيظن غير الخبير أنه إنشاء جديد وإبداع لم يسبق له. وكثيرًا ما عمد الطلاب المستهترون إلى أطروحات غيرهم، فغيّروا فيها ثم تقدَّموا بها إلى المناقشة ظنًّا منهم أن لا أحد سيكتشف صنيعهم. و لكن أمرهم غالبًا ما يفتضح. نسأل الله السلامة والعافية.
ماذا عن رخصة المشاع الثقافي؟
مع ظهور الإنترنت انفتحت أمام الناس عوالم كثيرة، فاختلقوا ما يعرف بالعمل عن بُعد، وكانت عدتهم في ذلك بعض مواقع العمل الحرّ التي تمتهن بيع الخدمات المصغرة. ويرى أصحابها أن هذه الرخصة تمنحهم حق التصرُّف في حقوق الآخرين. وهذا مبحث قانوني معروف، لكن فكرته تقوم على مبدأ استثناء المؤلف لبعض الأجزاء من مصنفه، وتركها مشاعة بين الناس، وليس كما يزعمون. لذا لا غرابة إذا وجدت كُتابا جددًا لم تسمع عنهم، باستطاعتهم تناول كل موضوع، ما داموا قادرين على شرائه بدولارات محدودة، ثم يمهرونه بتوقيعاتهم.
الفرق بين الاقتباس والانتحال
في مناهج البحث العلمي لا جدال في جواز الاقتباس من أي مصنف، إذا تقيد الباحث بآداب البحث، من عَزْو وتصحيح لمعلومة، دون الإخلال بالمنهج العلمي. لكن بعضهم يتعمد إيراد الكلام الكثير بغية الحشو. وقد يقوم بسلخ الكلام، أو تغيير بنيته الأصلية حتى يلبس على المتلقي. وهذا ليس من المنهج في شيء، وإنما هو محض السرقة الموصوفة كما يقول أهل القانون.
هل ينجح الرقيب في محاصرة القراصنة؟
لعل من فضائل الإنترنت أنها أتاحت للباحث الجاد بعض الأدوات التي تمكنه من تتبع مسار كل كلام، وهل هو أصيل، أم منتحل. ومع ذلك لا يرعوي قراصنة الأفكار، ويمضون قُدما في الاعتداء على حقوق الآخرين، حتى شكلت تجارتهم سوقًا موازيًا من المال الحرام.
بين الأخلاقي والشرعي
هناك كثير من الأساتذة لم يخجلوا من الإغارة على أعمال غيرهم،فجعلوها مطية للتقدم والترقية إلى مستوى أعلى، ولكن ضمائرهم تؤنبهم حين يتحدثون أمام طلابهم. أما الجانب الشرعي في هذه المسألة، فقد رأيت من أهل العلم من يجيز مساعدة الباحث العاجز في كل ما تعلق بالمنهجية، أما جانب الصياغة فلا يجوز إعانته عليه.
خلاصة
نخلص مما سبق أن ركون الكتاب المزيفين إلى هذه الأفعال يُعدَ ضربًا من الاستهتار، فضلا عن كونه احتقارًا للقارئ،إذ كيف يجرؤ أحد على خداع دور النشر أو الصحف المحترمة، مقدمًا لهم بضاعة مغشوشة، مساهِمًا بها في بناء الثقافة العالمية.
ما أراه أن الجامعات ومراكز البحث في عالمنا العربي ملزمة بتدريس أخلاقيات البحث كمادة إجبارية لا يمكن الاستغناء عنها. وهي بهذا تؤسس لمرتكز أخلاقي قائم على النزاهة الفكرية والعلمية، مما يخلق لدى الطالب استعدادًا ذهنيًّا للتعامل مع الفعل الثقافي. وغني عن القول إن صرامة التقاليد العلمية تعطي وجاهة لمنتوجنا الثقافي، وتساهم في نشره في هذا العام الكبير والواسع.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 1,108
يهدف هذا المقال إلى معالجة ظاهرة السرقات الأدبية والعلمية
link https://ziid.net/?p=65428