التفاوت الاقتصادي قد يُصبح كارثةَ العصر
يُعد التفاوت الاقتصادي أمراً مُثيراً للقلق بحد ذاته، ولكنَّهُ قد يتحوَّل إلى كابوسٍ مُفزِع خلال العقود القادمة؛ ومايُثير خوفي هو كوننا غير مُعدِّين جيداً للتعامل مع هذا الكابوس.
add تابِعني remove_red_eye 234
يُعد التفاوت الاقتصادي أمراً مُثيراً للقلق بحد ذاته، ولكنَّهُ قد يتحوَّل إلى كابوسٍ مُفزِع خلال العقود القادمة؛ ومايُثير خوفي هو كوننا غير مُعدِّين جيداً للتعامل مع هذا الكابوس.
قد تنشأُ الفجوات الحقيقية الكُبرى في الدخل والثروة نتيجةً لعدة أسباب ومنها: الإبتكار في مجالي الإنسان الآلي و الذكاء الاصطناعي اللذين أصبحت العديد من الوظائف غير قابلة للتنافس بسببهما؛مما قد يؤدي بنا إلى عالمٍ يستحيل فيه إيجاد عملٍ أساسي براتبٍ مناسب، كما أنَّ الكوارث البيئية مثل الاحتباس الحراري، والتلوث، وانتشار الأمراض قد تؤثر سلباً على قدرة الناس -ذوي الدخل العادي- على العيْش في أقاليم مُعينة أو بُلدانٍ بأكملها.
كذلك فإنَّ استخدام التقنية المُدِّمرة – بكثافة- في الحروب المستقبلية والتي تشتمل على الأسلحة الكيميائية أو الحيوية أو الإشعاعية أو النووية قد يؤدي إلى هلاك شعوبٍ عظيمة، وما لا يجب إغفاله أيضاً هو التغييرات السياسية المُخيفة مثل بروز العنصرية نَاهيكَ عن التمييز في البنية الاجتماعية وماله من عواقب وخيمة تُؤثر على مَن هُم أقل تميزاً في تلك البُنية.
بالطبع آمل ألاَّ يحدث أيَّاً مِمَّا ذكرت، ولكن حتى وإن كانت أموراً مُستبعدة إلاَّ أنّه يتوجبُ علينا التفكير في كيفية عَنوَنَتِها لأنَّ ذلك جزءًا لا يتجزَّأ من سعينا لعالمٍ أفضل.
هل يكفي العمل الخيري ؟
إنَّ حملات الانتخابات الرئاسية الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية لم تتطرَّق لمثل هذه القضايا طويلة الأجل، بل ركَزَّت في المقام الأول على القضايا قصيرة الأجل كما ركزَّت على قضايا ذوي الدخل المتوسط بدلاً من التركيز على الذين يعانون من الفقر المُدقِع، كذلك فإنَّ القطاع الخاص لا يُساعد بالشكل المطلوب، فهو لم يُحرز أي تقدم فيما يتعلَّق بتطوير التأمين وتحوُّط السوق ضد هذه المخاطر، ممَّا يجعلنا نطرحُ سؤالاً هاماً وهو : هل بإمكاننا الإعتماد على الإحسان الاجتماعي لتعويض المُعرّضين للخسارة ورعايتهم حال حدوث تلك الوقائع الكارثية؟
ونظراً إلى أنَّ النظر في أحداث الماضي هو إحدى الطرق للحُكمِ على النتائج المحتملة، فقد قام كُلٌّ من البروفيسور في جامعة ستانفورد كينيث سكيف والبروفيسور في جامعة نيويورك دايفد ستاسافيج بملاحظة ودراسة20 بلداً خلال قرنين من الزمان لرصد كيفية استجابة المجتمعات لمن هم أقل حظاً وذلك وفقاً لكتابهم الجديد ” فرض الضرائب على الأغنياء: تاريخ العدالة الضريبية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا”. قد تبدو النتائج الأوليِّة مُحبطة للآمال حيث وجدوا أنَّ الضرائب المفروضة على الأغنياء لم تزدد مع ازدياد الأزمة الإقتصادية وانعدام المساواة بل ازدادت بازدياد الحروب بسبب التعبئة للحرب التي غيَّرَّت -إلى حدٍ كبير- معتقدات العدالة الضريبية، وبشكلٍ عام، فإنَّ هدف تلك التغيرُّات الضريبية كان لتأمين الإستمرار القومي وليس لتصحيح التفاوت الإقتصادي.
الديموقراطية لم تحل التفاوت الاقتصادي !
كذلك فلقد وجد البروفيسوران سكيف و ستاسافيج أنَّ الدول الديموقراطية لم تُطَوِّق – على نحوٍ ثابت- المزيد من سياسات الضرائب القابلة لإعادة التوزيع، ووجدوا أيضاً أنَّ أغلبية الناس لايُصوِّتون بتاتاً تبعاً لمصالحهم الشخصية. فعلى سبيل المثال عندما توسَّع حق التصويت عبر القرون ليشمل معدومي الملكية، لم يتخذ الناس أي موقف تجاه الضرائب المفروضة على الأغنياء، ولقد خالفت هذه النتائج الرواية المعروفة، مما يعيدنا لقول ميت روماني عام 2012 بأنَّه “وِفقاً للديموقراطية فإنَّ المُرشَّح الانتخابي الذي يُقدِّم تنزيلات ضريبية للأقل ثراءً على حساب الأغنياء، سوف يحظى بالدعم الإعلامي مهما حدث”، ولكنَّ سجلات التاريخ لا تدعم هذا القول.
وعلى العكس من ذلك فقد اتضح أن أغلبية الناس يتشاركون أفكار بسيطة حول الاستحقاق والمساواة ، فلقد وجد البروفيسوران سكيف وستاسفيج وزُملائِهما عند سؤال الأمريكين عام 2014 عن عوائد الضرائب الهامشية التي يرغبون برؤيتها بالنسبة لدخل العائلة المُقدَّر بـ 325,000 دولار، كان متوسط الإجابات هو 30% أمَّا أغلب الإجابات فكانت تتراوح بين 20 إلى 40 %.( عائد الضريبة الهامشي الفيديرالي لذلك الدخل يساوي 33%).
إنَّ هذه النتائج تتطابق مع نتائج الاستفتاء الخاص بي الذي ركَّز على ضرائب الإرث، حيث قُمتُ عام 1990 مع ماكسيم بويكو بالإضافة لمؤسسة بحثية من موسكو من معهد الإقتصاد العالمي والعلاقات الدولية بسؤال كُلٍّ من سُكَّان نيويورك وسكان موسكو عن آرائهم حول عائد ضريبة الإرث بالنسبة لفاحشي الثراء، وقد كانت إجابات سكان نيويورك = 37% أما إجابات سكان موسكو = 39% مما يوِّضح تطابق إجابات المدينتين إلى حدٍ كبير.
التفاوت الاقتصادي تحدي العصر
يرى الناس أنَّه من العدل فرض الضريبة على مايقارب ثُلثُ الثروة سواءً أقل من ذلك أو أكثر، وقد يبدو هذا الأمر مقبولاً بشكل عام ولكن على الرغم من ذلك، مالذي سنفعله مستقبلاً إذا لم تُنتج هذه الدرجة الضريبية مايكفي من الإيردات لمساعدة المُعدمين و الطبقة المتوسطة المُتراخية ؟
ولقد شاركتُ مع تسعة خبراءٍ اقتصاديين في مشروعٍ مرتبطٍ بالتنبؤات طويلة الأجل وقد ظهرت نتائج هذا المشروع في كتاب ” أبرز خبراء الاقتصاد يتنبؤون بالمستقبل خلال 100 عام” الذي حرَّره اجانسيو بلاسيوس هيورتا البروفيسور في كلية لندن للإقتصاد، حيث لم يُعبِّر أيٌ منَّا عن تفاؤلهِ بإمكانية تصحيح التفاوت الإقتصادي في المستقبل كما لم يجرؤ أحدنا على القول بأنَّ أي سياسية اقتصادية أساسية كان من المُرَّجَّح إحباطُها للاتجاهات الإقتصادية الأخيرة.
كذلك فإنَّ تعليق البروفيسور أنجوس ديتون من جامعة برينستون – على سبيل المثال – على ماأسماه بـ ” التوسع الغريب في التفاوت الإقتصادي خلال الثلاثين سنة الماضية ” أعطى تنبؤاً تشاؤمياً حيث قال:” إنَّ الذين يفكرون جيداً هم الذين سيُهيّؤون مايحمي ممتلكاتهم بالإضافة إلى حماية منفعتهم على حساب الأغلبية” ، وكذلك علَّق البروفيسور روبرت سولو من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا قائلاً ” نحن لسنا جيدين فيما يتعلق بإعادة التوزيع الشامل للدخل ” وكلا البروفيسورين حاصلين على جائزة نوبل.
لقد اتضح على مايبدو أنَّه ليس هناكَ من لديه خطة فعَّالة للتعامل مع احتمالية ازدياد التفاوت الاقتصادي الحاد، فهل يجب أن يتفاقم؟ وهاهي البروفيسورة في جامعة هارفارد أمارتيا سين قد وثَّقت أمراً مثيراً للاهتمام في الكتاب المنشور ” الفقر والمجاعات: بحث حول الاستحقاق والحرمان” حيث قالت بأنَّه من بين كل أربعة مجاعات مُهلكة في أنحاء مختلفة من العالم ، هناك مايكفي من الطعام للمحافظة على حياة الجميع ولكن تكمن المشكلة مع كل حالة في عدم مشاركة هذا الطعام بصورةٍ تكفي الجميع. ولقد سمحت أنظمة التميز والاستحقاق لمَن سارت حياتهم بصورة طبيعية بادِّخار الطعام شريطة صد المتسولين الذين يتضورون جوعاً مع العلم أنهم قد يرونهم فجأةً جثثاً هامدةً ممدةً في الشوارع.
ولقد صوَّر صانع الأفلام البنغالي ساتيجاي راي إحدى هذه الوقائع المُرَوِّعة في فيلمه ” الصاعقة البعيدة ” عام 1937 ، وترتكز أحداث الفيلم على مجاعة البنغال التي وقعت بين عامي 1942 و 1943، التي مات على إثرها الملايين أغلبهم من الطبقة الفقيرة في المجتمع، أما بالنسبة للطبقات المميزة فيبدو أن أفضلُهم خُلُقاً هم الوحيدون الذين وجدوا أن الموقف مُربك كفاية لدفعهم لتقديم مساعدتهم بطريقةٍ ما.
وعلى الرغم من إخفاقاتنا الماضية، علينا ألاَّ نفقد الأمل في قدرتنا على تحسين العالم ولقد ذكرتُ في مقالي الأخير الطرق التي ستُغَيِّرُ التصورات المتأصلة في المجتمع حول الاستحقاق وذلك من خلال زيادة جذرية في الأجر و التأمين على الوظيفة، وأرى أن اتباع مثل هذا المنهج قد يكون بداية إعدادنا للتعامل مع بعض التحديات الكبيرة التي قد تواجهنا في المستقبل.
add تابِعني remove_red_eye 234
مقال أعجبني حول تفاوت المستوى الاقتصادي والمعيشي في المجتمع
link https://ziid.net/?p=5968