العلاقة بين صدمات الطفولة وتعاطي المخدرات
إذا وجدت أيّ انحراف في سلوك ابنك، لا تتهمه، لكن انظر في الماضي ماذا فعلت له. بنسبة كبيرة، ستجد أنّ هذا ناتج صنع يديك.
add تابِعني remove_red_eye 13,690
قرأت في إحدى كتب علم النفس أنّ أغلب الاضطرابات والمشاكل النفسية تحدث نتيجة أحداث ما في فترة الطفولة، تتراكم داخل الطفل حتى يكبر قليلًا في السن، وتظهر في صورة تصرفات غير سوية أو اضطرابات نفسية، وفي هذه الحالة يجب اللجوء إلى الطبيب النفسي فورًا.
صدمات الطفولة وتعاطي المخدرات
في الماضي، وقبل أن يتقدم علم النفس، لاحظ الناس ارتباط الطفولة غير السوية التي يتعرض فيها الطفل إلى صدمة ما بانحراف في سلوكه عندما يكبر. من صور هذا الانحراف السلوكي تعاطي المخدرات. واليوم، مع هذا التقدم الهائل في مجالاتٍ شتى، أصبح لدينا أبحاث تدعم فكرة وجود علاقة واضحة بين صدمات الطفولة وما يترتب عليها من تعاطي المخدرات.
لا شك في أنّ هناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤدي إلى انحراف سلوك المرء، لكن تبقى صدمات الطفولة هي الأقوى والأعمق أثرًا. وقد تؤدي إلى الإصابة باضطراب تعاطي المخدرات في أوقات لاحقة من الحياة. فهذه الصدمات تؤثر على مراكز المكافأة في الدماغ، مما يجعل الإنسان أكثر عرضة للإدمان فيما بعد.
بين عامي (1995-1997)، أُجريت دراسة من قِبل مراكز مكافحة على الأمراض والوقاية منها، تبحث في تجارب الطفولة السيئة، وما ترتب عليها من مشاكل صحية ونفسية. وكانت الدراسة على أكثر من (17000) شخص. أُعطي لكل منهم استبيانًا فيه عدد من الأسئلة حول أنواع صدمات الطفولة المختلفة.
لقد كان المشاركون في الدراسة ممن تلقوا رعاية صحية وتخرجوا من جامعات وتوظفوا، وكان متوسط تجارب الطفولة المعاكسة لهم (2)، في حين أنّ المشاركين الذين تم علاجهم من الإدمان كانت تجارب الطفولة المعاكسة لهم (6)، أي أكثر ثلاث مرات من ذويهم. وانتهت الدراسة إلى أنّ من وصلت درجة تجارب طفولتهم المعاكسة إلى (6) درجات فأكثر، كانوا أكثر عرضة لتناول الأدوية والعقاقير المخدرة. وفي هذا الصدد، اقترحت إحدى الباحثات فكرة أنّ أولئك الذين تعرضوا لصدمات الطفولة استخدموا العقاقير كوسيلة لإعادة تنظيم الجهاز العصبي غير المنظم بسبب اضطرابات ما بعد الصدمات.
أنواع الصدمات التي يتعرض لها الطفل
تختلف أنواع الصدمات التي يتعرض لها الطفل، وقد كان أبرزها: الإساءة الجسدية كالضرب، والإساءة اللفظية كالتعدي بالشتائم والكلمات الجارحة، والإهمال والعنف المنزلي وانفصال الآباء والفقر والتنمر والحرمان والعيش في مجتمع غير سوي والعيش في السجن لفترة ما.
من سوء الحظ أنّ تلك الصدمات التي يتعرض لها الطفل، تتسبب في بعض الاضطرابات التي تؤثر على الوظائف النفسية والجسدية. وفي بعض الحالات يتأخر النضج والتطور النفسي للإنسان الذي كان له نصيب في صدمات الطفولة. إضافةً إلى أنّ الصدمات تؤثر أيضًا على قدرات المرء الطبيعية عند أداء الوظائف اليومية. كما أنهم لا يستطيعون السيطرة على عواطفهم عند التعامل مع ضغط الحياة، سواء في العمل أو في المنزل. لذلك، نجد أنّ الناجون من تلك الصدمات قادرون على تنظيم حياتهم وعقولهم جيدًا، لأنهم إذا لم يُنظموها سيُعانون أكثر في هذه الحياة.
التعاطي أسهل الطرق لإيذاء النفس
في بعض الأحيان، يُعيد هؤلاء الذين أصيبوا بصدمة تمثيل ما حدث أثناء الطفولة، لكن ليس بالضبط، فتجدهم يؤذوا أنفسهم بشكلٍ آخرٍ، فقد تأقلموا على إيذاء النفس. فمنهم من يدمن الكحول، ومنهم من يلعب القمار وهناك من يتعاطى المخدرات. وهذه المواد المخدرة تمدهم بالمزيد من الأدرينالين أو الإندورفين، وهي مواد كيميائية تُفرز داخل الجسم بشكلٍ طبيعي، لكن مجرد ما يحصل جسد الإنسان عليها من الخارج، يبدأ الجسم في التعود على المصدر الخارجي وهنا يحدث الخلل. تساعد هذه المواد الإنسان في التخلص من مشاعر الاكتئاب والقلق والخوف لفترة محددة وينتهي مفعولها، ويحتاج المرء للحصول عليها مرةً أخرى، وهكذا يدمن التعاطي.
يعتقد هؤلاء أنّ تناول المخدرات وسيلة تساعدهم على التأقلم في هذه الحياة، ولا مشكلة من تعاطيها. فهي توفر المادة المطلوبة للشعور بالسعادة والوصول إلى مفهوم الحرية والاحساس بها، حتى وإن كانت بسعرٍ مرتفع. وتتميز المخدرات –بالنسبة إليهم– بأنها مصدر سريع وفوري للحرية. مقارنةً بأشكال إيذاء النفس الأخرى -والتي هي بالتأكيد انحرافًا سلوكيًّا– كالقمار أو اضطرابات الأكل مثلًا.
التعاطي إحدى إستراتيجيات الهروب لديهم
صدمات الطفولة ليست بالأمر الهين، إذ يظل المرء في صراع مع ذكريات الطفولة القاسية، وتتملك منه المشاعر السلبية، مثل: الخوف والاكتئاب والقلق. ويحتاجون للحصول على قسط من الراحة والهروب من هذه الذكريات التي تُطاردهم بالمشاعر السلبية المرتبطة بها. وتتمثل راحتهم في جرعات المخدرات التي تَفصلهم عن هذا العالم المزعج لفترة ما، لينعموا بقليل من الراحة والاسترخاء. ويعتقدون أنهم بدون هذه المواد لا يستطيعون التعامل مع الأعراض النفسية والذكريات المؤلمة تلك. وبذلك يمكننا القول أنّ المخدرات ما هي إلا استراتيجية يستخدمها هؤلاء الذين تعرضوا لصدمات في مراحل الطفولة المختلفة. فهذه الأدوية تمثل لهم وسيلة البقاء في هذه الحياة.
في إحدى الدراسات، ثَبُتَ أنّ نسبة (70%) من المشاركين الذين قد تعافوا من إدمان المخدرات بأنواعها قد تعرضوا لصدمات أثناء مرحلة الطفولة، وذلك عندما سألهم القائمون على الدراسة عن تاريخهم وطفولتهم.
من ذلك كله، نلاحظ أنّ استخدام المخدرات يبدأ كوسيلة للهروب من الواقع المرير، وبمرور الوقت تصبح عادة يجب الحرص على انتظامها، وهذا يتطلب زيادة كمية المادة التي ستدخل إلى الجسم بانتظام للحصول على نفس التأثير الذي يحتاجه الشخص. لكن يتوقف تأثير هذه المواد بشكلٍ تدريجيّ، وبالتالي لا يحصل المرء على التأثير المطلوب للفرار من الآلام المحتومة، وهنا نقطة الانهيار.
إذًا، ما الحل؟ بالنسبة لأولئك الذين انغمسوا في حالات الإدمان، عليهم التوقف واللجوء إلى المصحات المختصة. أما عن صدمات الطفولة، فللأسف، لا نستطيع منع البشر من التسبب في أذية هؤلاء الأطفال الذين قدّموا للحياة فوجدوا العنف حولهم دون أي ذنب. وكانت النتيجة صدمة لها تبعات غير مرغوبة. لذا، من المهم نشر الوعي حول كيفية التعامل مع مثل هذه الصدمات. وكيفية رعاية الأطفال بعد تعرضهم لها. وفي النهاية، الأطفال أكثر الكائنات براءة، والمحافظة عليهم واجب على كل أب وأم. وإذا في يومٍ من الأيام أسأت إليه، لن تُسعد بحاله عندما يكبر، وقتها سيزداد نُضوجك العقلي وستندم.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 13,690
مقال مثير ومهم يربط بين صدمات الطفولة وتعاطي المخدرات في الكبر
link https://ziid.net/?p=72374