[سلسلة] من تجربتي الذاتية: كيف تتخلص من الوسواس القهري والمخاوف المرضية؟
الوسواس القهري والمخاوف المرضية من أشد الأمراض وطأة فإذا لم تسيطر عليها في البداية ستدمر حياتك وحياة من حولك
add تابِعني remove_red_eye 29,637
من وجهة نظري أي مرض قبل علاجه -وخاصة المرض النفسي- يجب أن نعثر علي مسبب المرض أولًا، وأنا علي سبيل المثال سأطرح نفسي كحالة مرضية مصابة بالوسواس القهري من أشياء عديدة بسبب مروري بتجارب مخيفة مرتبطة بمواقف معينة.
أولاً: الخوف من مترو الأنفاق ووسائل المواصلات
حياتي -ولله الحمد- مليئة بالأكشن منذ الصغر؛ فأول حادثة تعرضت لها كنت في العاشرة من عمري حينما انزلقت يداي من يد والدي وكنت على وشك السقوط بين الرصيف وباب مترو الأنفاق، ومنذ (6) أعوام كنت أعبر الطريق مع صديقتي هالة، وسحبتني فجاءه من أمام الترام أثناء عبوره بجوارنا، أما بالنسبة لوسائل المواصلات فتارة سقطت من عربة الميكروباص في أول يوم لي بالجامعة.
وتارة أخري أنقذني القدر من أمام سيارة مسرعة، وأخيرًا كُتب لي النجاة في اللحظة الأخيرة حينما أخذتني سيدة في الأربعين من عمرها من أمام “ميني باص” كان سيصدمني أثناء عبوري الطريق، كل تلك الحوادث أصابتني بالخوف والفزع الشديد من وسائل المواصلات ومن المترو لدرجة أني أصبحت كالأطفال، أسير بجوار الرصيف دائمًا وأنتبه كثيرًا أثناء عبور الطريق، وحتى أثناء انتظار مترو الأنفاق لا أقف بالقرب من الرصيف أبدًا؛ لكن كل هذا اعتبرته خوفًا طبيعيًّا جراء حوادث الماضي.
إلا أن الأمور ازدادت سوءًا في فترة من الفترات لدرجة أني قررت ألا أذهب لمكان بمفردي أبدًا، وهذا بالطبع كان شيء غريب بالنسبة لي، خاصة وأن شخصيتي بعد دخولي مجال الصحافة اختلفت (180) درجة، فأصبحت شخصية مجنونة أكثر فأكثر، لا أخشي وجودي وسط المخاطر، ولا أخشي عودتي للمنزل في ساعة متأخرة أو حتى إجراء حديث صحفي مع أحد المدمنين أو المرضى النفسيين أو حتى دخول مستشفى الحميات إبان تفشي مرض أنفلونزا الطيور؛ ولأن الوسواس القهري ومخاوفي تجاه المواصلات تعارضت مع شخصيتي الحالية فلم أجد أمامي مفرًّا سوى العلاج، وبالفعل قررت اتخاذ خطوة هي الأخطر من نوعها ألا وهي “المواجهة”.
لن أقول لكم أني تخليت عن حذري ووقفت أمام السيارات المسرعة أو بالقرب من رصيف المترو لحظة دخوله المحطة؛ لكني استعنت بالله وبعد قراءة الأذكار والورد اليومي بدأت في قراءة السبع آيات المنجيات وسورة يس، وأي سورة في القرآن من شأنها حمايتي لحين عودتي للمنزل سالمة، طبعًا الحذر لا يمنع قدَرًا؛ لكن أنا قررت الأخذ بالأسباب وأتبع مبدأ “”لا إفراط ولا تفريط” بمعني ألا أتبع عادات شخصيتي القديمة المتهورة وأترك للآخرين عبء إنقاذي ،ولا أسير وفقًا لشخصيتي الحذرة الموسوسة التي حبستني في المنزل لأشهر عدة.
وبناء علي ما سبق فأول طريقة لعلاج أي وسواس قهري هي مواجهة مخاوفنا المرضية ولا نستسلم لما تمليه علينا تلك الوساوس.
ثانيًا: تكرار فعل نفس الأشياء مرارًا وتكرارًا
من أسوأ عاداتي هي غسل الأطباق والأكواب والملاعق والشوك خاصتي أكثر من مرة قبل تناول الطعام، لدرجة أن والداي منعاني من دخول المطبخ لأنهما يعلمان أن وجودي في المطبخ سيحول دون تناولهم الطعام في الوقت المحدد بسبب عاداتي في غسل الأطباق وتعقيمهم بالماء الساخن، وكل هذا بخلاف استيقاظي من النوم فجأة لمراقبة أزرار الفرن للتأكد من عدم تسريب الغاز، والتأكد من غلق قفل باب الشقة، وأن شاحن اللاب توب غير متصل بالكهرباء.
لدرجة أني أحيانًا ما أتخيل نفسي نسيت صلاة العشاء على الرغم من أني صليت الفرض والسنة أمام أبي، حتى الدواء كثيرًا ما أقول لنفسي بأني لم آخذ الجرعة كاملة أو حتى لم آخذه من الأساس رغمًا عن تغييري لمكان علبة الدواء قبل وأخذ جرعة الدواء، وهنا قررت أن أتوقف عن كل تلك السلوكيات العبثية فبدأت في طرق جديدة لمواجهة تلك المخاوف، وهي كالآتي:
بالنسبة لغسل الأطباق فقد فوضت والدتي للتعامل مع الأمر وأخبرتها بأني سأتناول طعامي في الأطباق والملاعق التي ستقوم هي بغسلها أما بالنسبة لغسل الأكواب فقررت أن أغلي ماء لغسل الأكواب أو استخدام صابون أطباق مع نصف لمونة، وبدأت في غسل يدي مرة واحدة فقط قبل الطعام، وبالنسبة للدواء فكل الجرعات أخذتها بعيدًا في علبة مخصصة لها لمعرفة ما تم أخذه بالفعل، أما بالنسبة للصلاة فبمجرد انتهائي من تأدية أي فرض أذهب على الفور لكتابة السور القصيرة التي قرأتها في كل ركعة من أجل تذكير نفسي أني أنهيت الفرض وللتأكد من عدم تكرار تلك السور مرة أخرى في الصلوات المقبلة.
في الختام
أعلم أن كل ما سبق هو عبارة عن مراحل بسيطة من الوسواس القهري وأن هناك حالات صعبة جدًّا تحتاج لتدخل طبي؛ لكن بالنسبة لي الشافي الوحيد بعد الله -عز وجل- هو المريض نفسه، وأنا مقتنعة تمامًا بأن أي مرض في الدنيا علاجه بيد من يشعر بالألم، وقراره بمحاربة المرض هو مفتاح العلاج؛ فمهما كنت تعاني من اضطرابات أو مخاوف عليك بمواجهتها، أنا أحيانًا أخاف من حمل الأطفال بالقرب من الشرفة أو البلكونة أو حتى حملهم من الأساس.
لكن مع الوقت عودت نفسي على التمسك بالأطفال في أي مكان، نعم تمسكي بهم بشده كان أكبر دليل على مدي اضطرابي؛ لكن على أقل تقدير أنا عالجت نفسي، ومما سبق أود أن أؤكد مجددًا أن مواجهة الوساوس القهرية وإيجاد حلول بديلة لمخاوفنا المرضية كما فعلت بالنسبة للصلاة والدواء هو أول خطوة في طريق العلاج؛ لكن قبل كل شيء عليك عزيزي القارئ بالاستعانة بالله، وثق أنه قادر على شفائك من أي وساوس، أنت فقط توكل على الله وابدأ فورًا في مواجهة مخاوفك.
إليك أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 29,637
مقال ملهم حول الوسواس القهري وكيفية السيطرة عليه
link https://ziid.net/?p=71937