حلم الأنوثة وكابوس الرجولة
الأنوثة والرجولة حقيقة لابد أن تَثْبت مكانها لا أنْ تصبح ماركة مسجّلة تنتهي صلاحيتها بالزواج.
add تابِعني remove_red_eye 4,812
لي صديقة لم يكن لها من همٍّ سوى أن تدخل بيت العدَل وتعيش الزّمنَ الجميل وتعيد إنتاج فيلم سينمائي قد يدوم سنوات عوض ساعتين حسب ما هو متعارف عليه على شاشة التلفاز، وبما أن مجتمعنا المحافظ لم يكن ليسمح لها بممارسة الانتقاء المباشر فقد اختارت التصفية الصوتية عبر أسلاك الهاتف وعذرها في ذلك بيتٌ شعري يقول أنّ الأذن تعشق قبل العين أحيانًا!!!
هكذا ابتدعت صديقتي مذهب العشق الأُذُنيّ العابر للأسلاك الهاتفية سابقًا أيَّامَ الهاتف الأرضي، ومع التطوّر التقنيأصبح الصوت محمولًا هوائيًّا، وهنا لابدّ لي من وقفة لتوضيح أكثر الفوائد التي لاحظتها جرّاء هذا التطور: لا وجود لمن يقطع عن صديقتي تأمّلاتها الصوتية فالهاتف كان صغيرًا والتحدّث من أيّ مكان.
وبعد زمن من التنقيب عانت خلاله صديقتي من ويلات الغدر وسبحت في أفلاك المجرات لاهثة وراء مذنّباتٍ رجاليَّةٍ بحثًا عن حبٍّ نهايته الزّواج، كان لقاؤها بذلك الرّجل، آخر الرجال على الأرض، رجلٌ أدخلها معتقلات الحبّ وخاطبها بلغة الحُكْمِ العِشْقيّ، أقام لها محاكم عسكرية كان فيها الخصم والحكم وقدّم لها وُعودًا انتخابية لتتويجه ملكًا على قلبها، اختلس وقتها، مشاعرها، عقلَها بِرِضَاها واتّهمها بالخيانة العُظمى مرارًا وتكرارًا استنادًا إلى دستوره الرجولي.
حملت معها ذكرياتها وأحلامها، وبالطبع فصّلت عباءة أحلامها على مقاييسه حيث أنّ رجل حياتها كان – والعهدة على الراوية- يُتْقِنُ كلّ شيء ويعرف الكثير، ذو حنكة في السياسة والأوضاع العالمية، رجل مالية واقتصاد، محلّل رياضي وبطل كلّ الرياضات، سخيّ حنون هادئ مثقف وسيم شجاع متفهّم… باختصار كان هذا الرّجل كلّ الرجال بنظرها.
وغذت صديقتي مسافرةً غير شرعيّةٍ على مراكب الحبّ، وبمرور الوقت ما لبثَ أن بدأ ينقص وقود المشاعر والكلام المنمّق والعشق وظهرت بوادر وجوب البحث عن مرفأ، ولمّا طلبت من ربّان سفينتها أن يرسو بها ما كان منه إلّا أن…
أعزّائي القُرّاء، لكم أن تتخيّلوا ماذا حصل؟؟؟ اختفى؟ لا ، فالمتعاشق الجليل وصاحب الصولات والجولات وسيّد الحروب وربّما الخواتم أيضًا (حيث أنّني من فرط سماعي لقصصها عنه أصبحت أتخيّله بطلًا حربيًّا) لم يكُن أمامه سوى أن يرسو على مرفئها باعتبار أنّ صديقتي لا ينقصها شيء، دين ونسب وجمال وكتلة من الخنوع والخضوع والهُيام الحريميّ السلطانيّ.
بعد سنة زُرْتُها في بيتها، زاد وزنُها كثيرًا ولمْ أستطعْ أنْ أفهم مغزى حديثها معي الذي دار حول حماتها وأخوات زوجِها وعائلته وغيرتهم منها وجاراتها وتجديدهنّ للديكور وأسرار الطبخ وسردٌ لماركات الأكل المجمّد وأفضلها ثمّ حديثٌ قصيرٌ عنّي اختَصَرَه سؤالٌ واحدٌ: متى تكونين شاطرة وتحصلين على زوجٍ مثلي؟ وأخذت تكيل لي النصائح لعلّ أغْرَبَها أنْ أظهري الدّلال والغباء والخنوع حتى تتمكّني منه ثمّ… ليس هناك ثمّ، حسبَ نظريَّتها هناك عاشوا في ثبات ونبات وخلّفوا صبيان وبنات ( مع كلّ التحفّظات).
ولأن لساني لايُطيقُ أن يبقى داخل فمي قلت لها: لكنّني لا أريدُ أن أعيشَ حياتَكِ!!! هنا دخل أسد البيت، شمشون الجبار وهرقل العصر الحديث، مُحمّلًا بأكياس المشتريات وبامبرز ابنتهما التي لم تتجاوز الشهرين، بادلني التحية بخجل، فيما بادرته صديقتي بالقول: هل اشتريت أكلًا؟ هل نسيْت أنّني حضّرتُ الحلوى لعُرس أُختِك ولم أتمكّن من الطبخ؟ غيّر حفاظات الطفلة، واطلب لنا أكلًا فأنا منهمكةٌ مع صديقتي!!! غادر قائلًا حاضر لا أكثر.
أين الأنثى من صديقتي التي لم يكُن صوتها يُسمعُ ووجهها يحمرّ دائمًا؟ وأين الرجل من زوجها الذي رسمته لي قائد غزواتٍ ومقاتلًا آليًّا!!!
غادرتُ بيتها، متسائلةً عن تخيّلي لها بمظهر الضحية دائمًا، أمّا الآن فهي لا تختلف كثيرًا عن جاندارك سوى في القضية التي تدافع عنها، جاندارك تدافع عن وطن وصديقتي عن شيء لم أجد له اسمًا!!! غادرتُ باحثةً عن الخلل الذي قد يجعلُ من أجمل وأرقى وأبهى علاقة إنسانية، علاقة الحب بين الرجل والمرأة، باردةً جافّةً وقاحلة. ليست الطبيعة بالتأكيد، فالله خلقنا في أبهى حُلّةٍ…
لمْ أجدْ من جواب إلّا أنْ نبحث داخلنا عن مواطن البشاعة فنصلحها بتكبير مساحة الجمال، بالابتعاد عن كلّ ما يمكنه أن يسلخنا عن جلودنا ذلك أنّ الأنوثة والرجولة حقيقة لابدّ أن تَثْبتَ مكانها لا أنْ تُصبحَ ماركة مسجّلة تنتهي صلاحيتها بالزواج.
كتبتُ المقال لأنني لا أريدُ لأي شركةٍ غراميةٍ أن تُعلنَ افلاسها في سوق العواطف، وهنا على موقع زد للتسويق المقالي، أرفع شعار التسويق لأسهم فرصة للحب فلن يعطيك أحــد فرصة أخرى : أعطها لنفسك… ربّما في يومٍ من الأيّام يكونُ لكَ عُمرٌ من الجمالِ الأبديّ.
add تابِعني remove_red_eye 4,812
مقال أعجبني حول فلسفة الحب والزواج
link https://ziid.net/?p=2291