لماذا يلوم المجتمع الضحية؟
في كل القضايا التي يكون طرفها امرأة تبرز الأنياب دائمًا في مواجهتها لتقول أنتِ السبب فلماذا يحدث ذلك؟
add تابِعني remove_red_eye 62,038
ذات يوم وأنا في السيارة في طريقي للمنزل، تناهى إلى مسامعي صوت نشيج فتاة من الكرسي الخلفي، كدت أن ألتفت إليها وأسألها، لكن حديث صديقتها الذي يوصيها بالهدوء ردّني عن الالتفات، لقد كانت تبكي لأن أحدهم تحرش بها ولم تتمكن من أن تدافع عن نفسها من الخوف، ولكن صديقتها طمأنتها بأن ما فعلته هو عين الصواب، فما الذي سيقوله الناس إن صرخت أو حاولت الدفاع عن نفسها وصد اعتدائه، وحينها تدخلت بهدوء لأخبرها أنها ليست المذنبة لتخاف، ولكن صديقتها قالت لي:
((وهما من إمتى بيقولوا هو المذنب)).
على الرغم من أن الفتاة كانت ترتدي ملابس محتشمة جدًّا، وواسعة وتلك هي الحجة الرئيسية التي يهرع إليها الناس في محاولاتهم لتبرير التحرش، لكنها فضلت أن تصمت، وأن تمضي بغصتها، وبحزن التخاذل عن صدّ الاعتداء عن نفسها. كثيرًا ما تنهال في وجوهنا محاولات الناس المستميتة في الدفاع عن الجاني وإدانة الضحية، إنهم يحاولون أن يخبروننا بأننا دائمًا نستحق ما وقع لنا، لا يتوقف الأمر عند الحديث عن ضحايا الاعتداءات، بل يتعدى إلى ما هو غير ذلك مثل نظرة الاستعلاء التي ينظرها بعض الأغنياء تجاه الفقراء لأنهم يرون أنهم لم يبذلوا جهدًا كافيًا للفوز بما يحلمون به، يرونهم كسالى ضعفاء خاملين بينما يتقدم العالم من حولهم.
فلماذا يبرر الناس الاعتداء، لماذا يزيدون الضحية همًّا فوق الهمّ، ويوجعونها باللوم، وما جعل تلك الظاهرة تبدو للعيان بلا مواربة هو أن الجميع أصبح يكتب على وسائل التواصل الاجتماعي رأيه، بالأمس بينما أتصفح الفيسبوك وجدت الكثير من الآراء المتناثرة والتي تخص قضية ما، ولكن ما فاجأني هو أن بعض السيدات كن يدافعن عن المذنب، بدعوى أن رد فعل الفتاة كان مبالغًا أكثر من اللازم، وانها أضاعت مستقبله وتسببت في تشويه سمعته، أما الآراء الأخرى فتراوحت بين تكذيبها، وبين محاولات تشويهها، وهو الأمر الذي لا يمكن لعاقل أن يقبله، فكيف تدافع عن شخص اعترف بجرمه، شخص قال إنه فعل ذلك، وعلى الرغم من كل هذا تجد الناس يدافعون عنه بهذا الشكل الكبير.
النعجة الشاردة من القطيع تستحق ما حدث لها
كبرنا ونحن نعرف تلك الحكاية، النعجة التي كانت ترعى في القطيع ولكنها قررت فجأة أن هذا المكان ما عاد يعجبها، فما الضير من تجربة مكان جديد، وهناك حيث ذلك المكان الجديد تذهب النعجة، ولكن بعد قليل يفاجئها ذئب، ولأنها بطيئة ولأنه سريع، ولأنها بعيدة عن القطيع ولأنه قريب منها، يلتهمها الذئب، يمزقها، حينما قصّ المعلم تلك الحكاية في الصف، تقلصت معدتي وشعرت بالرعب ينتابني، لقد كانت تلك الحكاية تساق إلينا، لتعلمنا أن اختياراتنا تتحكم بشكل كبير في فرص النجاة، وذلك يجب أن نختار الخيار الأفضل، الخيار الذي يجعلنا بأمان دائمًا.
وبعيدًا عن تلك القصة، دائمًا يرتبط لدينا العقاب بخطأ، والظلم بأننا من استحققنا الظلم وجلبناه بأيدينا إلى أنفسنا، وأنك ما دمت تفعل الشيء الصحيح لن يدركك أذى، لذلك حينما تحدث إحدى الجرائم فأول ما تذهب إليه عقولنا هو ذلك الأمر، أن الضحية تركت الثغر الذي مكن الجاني من إيذائها، لذلك هي المذنبة، فحينما تعرف أن أحدًا سُرق أول ما تتذكره هو أنه قد ترك بابًا مفتوحًا، وحينما تعرف أن امرأة صرخت لأن أحدهم اعتدى عليها تذهب إليها مباشرة تنظر إلى ملابسها، ترى المكان الذي خرجت منه، الساعة التي خرجت فيها، ذلك لأنك حينما كنت تنمو زرعوا في عقلك أن الأذى لا يأتي منفردًا بل نحن من نجلبه على أنفسنا بأفعالنا.
الحماية من الغرق
هل من الممكن أن يحدث هذا لي؟
أحيانًا نحتاج لنطمئن أنفسنا بأن ما يحدث هناك لن يحدث لنا، ولن يمر علينا، لأننا ملتزمون بالقواعد، وما دمنا نلتزم بها لن يصيبنا أي سوء، لن يتم انتهاكنا أو تعرضنا للظلم، لذلك نلقي اللوم على الضحية، نقول: إنها قد فعلت ما يستوجب معاقبتها، حتى لا نغرق في الاكتئاب، لأننا حينما ندرك أن امرأة تمشي في الشارع، وقد تعرضت للأذى من أجل ذلك فقط، سيمنعنا الخوف من مغادرة البيوت، سنشعر بالتهديد أينما ذهبنا، وفي أي وقت، فبدلًا من ذلك نلقى اللوم على الضحية، لنحفظ عقولنا من التشتت والخوف، لنحمي أنفسنا من الاكتئاب والحزن. إنه الخوف الذي يحيل الحياة إلى شيء آخر سيئ لا يمكننا تحمله ومواصلة المسير بينما يتخبط بنا.
فرضية العالم العادل
تقوم تلك الفرضية على أن الناس يعتقدون أن العالم يسير وفق نظام محدد وعادل، فطالما كنت شخصًا لطيفًا لا يفعل أي أفعال شريرة، فلن يلحق الأذى بك، ويميل الناس إلى ذلك لأنه يجعلهم قادرين على المواصلة في الحياة كما أنه يحميهم من الاكتئاب، ففي عام (1966م) بدأ ميلفن ليرنر إحدى تجاربه، على بعض السيدات واللائي حضرن بينما هناك فتاة تجلس على كرسي، فبينما تتلقى تلك الفتاة الأسئلة تجيب، ولكن إن كانت الإجابة خاطئة تتلقى الفتاة صعقة كهربائية، في بداية الأمر حصلت الفتاة على التعاطف من المشاركات الأخريات اللائي يشاهدنها.
ولكن بعد مرور الوقت بدأت تلك السيدات في توجيه اللوم لها بدلًا من دعمها، ظنًّا منهم أنها المذنبة لأنها لو أجابت بشكل صحيح لما تعرضت للصعق. وهناك أيضًا تجربة أخرى وهي عن مشاهدة موظفين يعملان ولا يعرفان أن هناك مكافأة، ولكن يخبر مقدمو التجربة المشاركين بأن هناك مكافأة، ولكنها ستعطى بشكل عشوائي، وعلى الرغم من معرفة المشاركين بأن المكافأة ستقدم بشكل عشوائي، إلا أنهم يرون أن الموظف الذي حصل على تلك المكافأة اجتهد أكثر من زميله الآخر. فالناس أميل لربط النتائج بأسباب، فلا يهضمون فكرة أن يمنح أحدهم جائزة أو تنزل به عقوبة وهو لم يذنب بل على العكس تمامًا سيقومون هما بإعطاء الأسباب إن لم توجد تلك الأسباب من البداية.
التفسير الخاطئ لبعض النصوص
قالت الفتاة: إنها سمعت ذلك الداعية في التلفاز حينما كانت صغيرة يقول: إن المرأة شيطان، وإن المرأة هي التي تغوي الرجال، وأن واحدة من النساء قادرة على إفساد أمة بأكملها، لذلك فهي لا تصدق أن امرأة تعرضت للتحرش دون أن تقوم بما يستوجب ذلك، فمن المستحيل أن يتجه الرجل نحوها إلا حينما تعطيه هي إشارة حتى ولو لم تعِ أنها هي من أعطت تلك الإشارة.
فعلى الرغم من أن الاعتداء على الغير مرفوض في كل الأديان، وأننا بشر خلقنا بعقول تحمينا من الانحدار أو التصرف ببهيمية مثل بقية الحيوانات، إلا أن البعض في الكثير من الأحيان لا يرى المعتدي مذنبًا لأن المرأة هي من أثارته وقامت بإغرائه، حتى إن كانت تلك المرأة ترتدي ما يغطي جسمها تمامًا، فإنهم يلقون اللوم على امرأة أخرى دفعته لإيذاء تلك المرأة، وفي المنتصف يهمل الرجل، لأنه ومنذ زمنٍ بعيد نهتم بالمرأة أكثر من الاهتمام بالرجل، نقول إنها سبب الفتنة بالرغم من أن الله قد أمر الرجال بأن يغضوا البصر، وألا يعتدي أحد على الآخر أو يستبيحه.
إليك أيضا
add تابِعني remove_red_eye 62,038
مقال مثير حول حال المرأة العربية وواقعها
link https://ziid.net/?p=74151