من أين تنبع الأخلاق؟ وكيف تخدم الإنسان والمجتمع
فلقد جاء الإسلام ليقضي على كل النزاعات القبلية الجاهلية فحمى حقوق العبيد والأطفال وكرم المرأة، وأرسى المبادئ والآداب الاجتماعية
add تابِعني remove_red_eye 490
لا تستقيم حياة للأفراد والجماعات بعيدًا عن أخلاق تنظمها وقوانين تسيرها، وككل بناء قام على أسس وقوانين ومبادئ، تقوم الحياة وتستمر بقدر ما تتمسك به وبقدر ما تحمله من أخلاق وكما يقول الشاعر أحمد شوقي: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا».
الأخلاق ومنبعها
الأخلاق: هي مجموعة من المبادئ التي تنظم سلوك الإنسان ليحقق الغاية من الحياة ويصل للكمال الإنساني. ويعرفها الإمام الغزالي بأنها: “هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر ورَوِيَّة”.
وتنبع الأخلاق في المقام الأول من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، أو ما يسمى بالنزعة الإنسانية، وكما أودع الله في الإنسان الحواس والملكات أودع فيهم هذه الفطرة، فتجد الإنسان يعرف بطبعه ويميز بين الحسن والقبيح والخير والشر، وأشار – المولى عز وجل- لهذا المعنى في كتابه العزيز وقال: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا- فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) ثم يأتي العقل في المقام الثاني ليدل الإنسان على الحق والباطل؛ ولأن الإنسان مهما بلغ من الحكمة والمعرفة يبقى علمه قاصرًا ويحتاج إلى قوة أعلى منه لتنظم له حياته، يأتي الشرع والقوانين في المقام الثالث لتنظم الأخلاق أو ما يعرف بالضغط والمسؤولية الاجتماعية.
ميزان الأخلاق في الشرع
يعلي الإسلام كثيرًا من قيمة الأخلاق؛ فيحث على الكريم منها، ويذم الذميم منها، ويرتب على مكارمها أعلى المراتب في الجزاء فيقول المصطفى -عليه صلاة الله وسلامه-: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فكأنه جعل الأخلاق ونشرها هي الرسالة العظمى لدين الإسلام وكان يحض أصحابه -رضوان الله عليهم- عليها بالترغيب فأخبرهم بأن أعلى مراتب الجنة وصحبته فيها هو ثواب الأخلاق الحسنة، وأعلى من قيمة صاحب الأخلاق الحسنة لدرجة الصائم القائم.
وأشار إلى أنها منحة ربانية ينعم الله بها على من يحب من خلقه وربط الخيرية في كثير من الأحاديث بالقيم والمبادئ فربطها مرة بالإنسان الخير مع أهله ومرة بالأكرم مع نسائه ويدل على مركزية الأخلاق في الشريعة أنها من الأشياء القليلة التي كان يطلب الرسول من الله الزيادة فيها بعد طلبه الزيادة في العلم، وكان -صلى الله عليه وسلم- النموذج الأمثل والقدوة الحسنة التي يُحتذى بها في ذلك، فهو من أثنى عليه ربه بالخلق العظيم وكانت عائشة -رضى الله عنها- تقول: كان خلقه القرآن وكان قرآنًا يمشي على الأرض ليدل ذلك على شمولية القرآن في الأخلاق فهو منبعها وذروة سنامها.
ما قبل حقوق الإنسان والإتيكيت
جاءت الشريعة قبل 1400 عام لترسخ في الكون أجمع مبادئ العدل، وكفلت للإنسان الحياة الكريمة والعيش الحسن، فوضعت مقياسًا واحدًا للتفاضل بين الناس، وهو التقوى؛ لتهزم بذلك ما أحدثته البشرية من فروق وتفاوت بين الناس على الأسس المادية الحديثة، لنقف جميعًا على قدم واحدة من المساواة. فكان -الصحابة رضوان الله عليهم- فقيرهم وغنيهم، أبيضهم وأسودهم، سيدهم وعبدهم، على قدم واحدة وتحت راية واحدة وقائد واحد.
فلقد جاء الإسلام ليقضي على كل النزاعات القبلية الجاهلية فحمى حقوق العبيد والأطفال وكرم المرأة، وأرسى المبادئ والآداب الاجتماعية للحياة والأسرة، فتحمل سورة النور والأحزاب والحجرات مناهج تربوية وخلقية جاهزة للتطبيق، فتأتي آداب دخول البيوت والزيارات، كما لا توجد في غيره من المناهج من قبل؛ لتكون أخلاق القرآن ومنهجه أساسًا وما بعده تابع يستقي من نوره وعلومه وشموله، وكأنه منهج ليس فقط بديل للجميع القوانين والقواعد بل هو منشؤها.
ثبات القيم والأخلاق
تتسم أخلاق الفرد المسلم بالثبات والدوام لأنها ليس مجرد أخلاق ناتجة عن قوانين معينة لكان ما يتحتم عليه تطبيقها، فإذا زال السبب زالت معه، بل هي فوق كل ذلك كله، فتنبع وترتبط بإيمان الأشخاص وتبقى ما بقي، فالأخلاق تجد تفسيرها في العقلية الدنية ولا تجد تفسيرًا لها في النظرة والعقلية المادية، فما الذي يدفع الإنسان للقيم بتضحيات أو بذل بعض من وقتها وماله وصحته في شيء ما لا يعود عليه بأرباح مادية؟، ولكن النظرة الدينية تُعلي من قيمه هذه الأفعال الخيرية.
الأخلاق ونهضة الأمم
يقول المفكر على عزة بيجوفيتش: “إن كل قوة في العالم تبدأ بثبات أخلاقي وكل هزيمة تبدأ بانهيار أخلاقي”، فيشير إلى أهمية الأخلاق في المجتمعات وأنه سبب لتقدمها فالأخلاق تعزز لدى الفرد وازعًا ذاتيًّا يصونه من الانحراف وارتكاب الجرائم. ويشير مالك بن نبي في حديثه على المبدأ الأخلاقي؛ على كونه يعزز الضمير ويحث على المثل العليا، ويهذب الغرائز والطباع؛ فينتج عن التمسك بالأخلاق تماسك المجتمع، ويشير المولى- عز وجل- في كتابة العزيز: على بعض أسباب فساد الأمم وهلاكها وهو أن يترك بعضهم ليفسدوا فيها ويشيعوا في الأرض الفساد.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 490
يتكلم المقال عن الأخلاق وفطريتها فى الإنسان وميزان الأخلاق في الشرع ،وقوة القيم والأخلاق في ثبات ا
link https://ziid.net/?p=98449