قال لابنه الذي اشتكى منه مدرسوه: “إن لم ترفع رأسي فلا تخفضه” ذلك الأب الذي فهم معنى أن يكون ابنه انعكاساً له أو بعبارة اخرى مرآةً له في التربية والأخلاق. ينشأ الأطفال منذ الصغر وأعينهم مجاهر على سلوكيات آبائهم تكبِّرها آلاف المرات حتى تعتنقها وتصبح عادات ملاصقة للطفل تنفك بصعوبة.
لا يميز الطفل بين سلوك جيد وسلوك سيء، لديه الاستعداد الكامل لاكتساب كل السلوكيات وعندما يوَجْه من قبل معلمته ألا تفعل ذلك يقول بكل براءة: “أبي يفعل ذلك” أو “أمي تفعل ذلك”. لا يعي الطفل أن رده يعكس رحلة من التربية فيها الكثير من المعوقات.
خلق الله سبحانه وتعالى الآباء والأبناء متشابهين في الصفات الخَلقية، يتفاخر الآباء بأن أطفالهم يشبهونهم شكلاً ولكن من الصعب عليهم الاعتراف أن سلوكيات طفلهم الخاطئة قد اكتسبها منهما الإثنين، بل _ كما اعتدنا _ يرمي كل منهما اللوم على الآخر ويجعله شمّاعة لأخطاء طفله.
لا أعلم كيف يغفل الآباء عن هذه الحقيفة؛ حقيقة أن طفلك نسخة منك في السلوكيات والأخلاق، فهذا أمر طبيعي فالطفل فتح عينبه فوجد الأم والأب أمامه، فمن أين سيكتسب الصفات الخُلقية؟ من سواهما سيؤثر عليه في هذا السن المبكر؟ حتى حركات الوالدين غير المقصودة يضعها الطفل في البؤرة.
التقليد في هذا السن هو لعبة الطفل وسعادته. يقلد كل من حوله فالأطفال الذين يعيشون مغ الآباء المدخنين يمتلكون مهارة مسك الاقلام كما يمسك المدخن لفافة الدخان. والطفل الذي يعيش مع الاباء الذين يستخدمون الشتائم في كلامهم يتقنون مهارة الشتم بجدارة، أما الاطفال الذين يدققون النظر فيجدون الأم تغتاب وتنم مع الصديقات والجارات يستخدمون الغيبة والنميمة بسهولة ويسر دون إدراك لعواقب الكارثة. إننا ندمر أطفالنا من حيث لا نشعر، ثم ماذا؟ نرسلهم للروضات وتبدأ رحلة الشكاوي من السلوكيات الخاطئة وتليها رحلة تعديل السلوك.
متى تظهر على الطفل علامات التربية الخاطئة؟
عندما ينفصل عن والديه ويدخل الروضة. عندها يظهر الطفل الذي اكتسب الأخلاق الحسنة والذي اكتسب السلوكيات الخاطئة. وبضدها تتميز الأشياء. هناك حيث يلتقي بعالم جديد مليء بالقيم والمبادئ التربوية. هناك سيستيقظ الوالدين عندما يتم نقاشهما فيما يتصرفه الطفل خلال اليوم مع أصدقائه من سلوكيات خاطئة.
في الحقيقة تبذل معلمة الروضة جهدها في تعديل السلوك وترميم ما سببه التدليل وقلة الحزم أو انعدامه. وتبدأ خطط تعديل السلوكيات. نعم انه طفل، ولكن كما اكتسب سلوكيات خاطئة يستطيع اكتساب الصحيحة.
من الآباء والأمهات من يدمر طفله بالحنان الزائد والشفقة عليه وترديد عبارة “مازال صغيراً” هذه العبارة التي فتكت بشخصيات الأطفال القيادية فعاملته أمه على أنه تَبَع للآخرين ولابد أن يبقى كذلك فهو “مازال صغيراً”. فتحمل له حقيبته وتطعمه بيدها وتلبسه ملابسه ولا تحاول أن تعلمه كيف يعتمد على نفسه فيخرج للمجتمع ضعيف البناء والبنية. إن التربية تحدٍ يواجهه الآباء والأمهات، فاز من أدرك حقيقته وبذل جهده في تنشئة طفله وكان له قدوة صالحة ماهرة مميزة مبدعة مفكرة ذات قيم ومبادئ.
تظافر الجهود بين البيت والروضة أو المدرسة أمر مطلوب وأساسي وعلى الأمهات وكذلك الآباء التعاون المثمر الذي يعطي الطفل فرصته في تجريب الحياة بعيداً عن التدليل، قليل من الحزم مطلوب يرافقه قوة يلتمسها الطفل عند والديه فيتعلمها ويتدرب عليها. لابد أن يراكِ طفلك قوية ذات شخصية إيجابية وواثقة من نفسك، قادرة على حل مشكلاتك دون ضعف.
لا بد أن يشعر أن أمه تلك المظلة التي تظله وتحميه لا تهزها الرياح العاتية فيأخذ منك تلك الصفات الرائعة. ولكن الحياة قد تُنهكنا! فكيف سأبدو طيلة الوقت قوية؟ لا تظهري ذلك الضعف الذي قد يعتري الجميع، إن لم نستطع أن نمنع الضعف نستطيع أن نخفيه، على الأقل حتى تتبلور شخصية الطفل وتقوى ثم بعد ذلك اجعليه صديقك فهو الان قد أصبح قادراً على مواساتك.
أذكر مرة عندما كان عمر ابني عبدالرحمن عشر سنوات رآني مهمومة وكان طفلاً قارئاً فسألني: “ماما ماذا بك؟” فأجبته: “إنني متضايقة” فقال لي كلاماً ما زلت أذكره حتى هذا اليوم وأستعيده في كل مناسبة، قال: “ماما كوني كالقهوة إن وضعت في الماء الساخن تُؤثر ولا تتأثر ولا تكوني كالبيض إن وضع في الماء الساخن يتأثر ولا يؤثر” في الحقيقة لقد واساني طفلي في تلك اللحظة التي كنت فيها في أمس الحاجة للمواساة.
أطفالنا كنوز علينا اكتشافها ومعرفة مكنوناتها واستغلالها الاستغلال الحسن. قليل من التركيز وكثير من التوجيه سنحصل على ما نريد معهم.
مقال هام لكل أب وأم حول تربية الأطفال بطريقة مثالية
link https://ziid.net/?p=41837