الشعر الطويل: ليس قوة فحَسْب، أحيانًا عقوبة!
تظن النساء أن قص الشعر يعبر عن قوتهن فحسب ولكن في بعض الأحيان يصبح عقوبة. شعر المرأة أكثر من مجرد زينة
add تابِعني remove_red_eye 61,969
في الشِّعر العربي يصف امرؤ القيس شَعْر امرأة فيقول (غَدِائُرُه مُسْتشزِراتٌ إلى العُلَا .:. تَضِلُّ العِقَاصُ في مُثَنَّى ومُرْسَلِ) دلالة على كثرة شعرها وطوله، فالغدائر هي الضفائر، ويقول نزار قباني (لِمَنْ ضَفَـائِري منذ أعـوامٍ أُرَبِّيهــا).
تَشكَّلَ شَعْر المرأة الطويل في الذاكرة العربية لأعوام دلالةَ حُسْن وجمال، فوصَفه الشعراء وشبّهوه بالليل، وكان من أهم صفات الزوجة الذي يريد أن يظفر بها الرجل، حتي رُوي أنه في أزمان فائتة كانت المرأة حينما تهمّ بأن تَخطب لابنها ترى شَعْر العروس لمعرفة إن كان شعرها جميلًا أمْ لا.
وليست الثقافة العربية هي من تحتفي بالشعر الطويل فحسب بل هناك أيضًا عدة ثقافات أخرى تُقدِّس الشَّعْر وتقدره، ففي قرية (هوانغلوا) الصينية لا امرأة بدون شعر طويل فهو من أسباب الغنى والزواج لديهم، وفي الديانة (السيخية) بالهند لا يحلق أحد رأسه منذ ولادته وحتى موته حتى لا يدخل غريب بينهم.
وعُنِي بالشَّعْر على مرّ العصور عناية خاصة بصفته يُعدُّ تاجها وسر جمالها، وحتى حينما شاعت المفاهيم التي توصي بتقبُّل الجسد وعيوبه، تغيرت أنواع الاهتمام بالشَّعْر وظهرت المجموعات التي تتحدث عن روتين خاص بالشَّعر المُموَّج الذي لم يكن يلقى قبولًا في المجتمعات العربية قَبْلُ، فحتى حينما أرادت المرأة أن تتقبله، كان ذلك التقبُّل مؤطرًا باهتمام مبالَغ فيه، مما أدى إلى ظهور تفضيل جديد، وتصنيف آخر، وموجة أخرى من تفضيل الشَّعْر المُموَّج على قرينه الناعم.
مع الاختلاط بالمجتمع الأوروبي، وسيادة بعض الموضات، والتفضيلات الشخصية أصبح للشعر القصير رَوْنق لا يقلّ عن رونق الشَّعر الطويل، تغيرت الموضة وأصبحت بعض النساء تفضله لأن الشعر الطويل يضايقها لأسباب عدة، ثم تطور الأمر إلى أن أصبح الشعر القصير مصدر قوة، وجبروت.
إذا قصَّت المرأة شَعرها فاحذر
قد تُقابِلنا تلك المنشورات أثناء تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، مع صورة مرفقة تبين الشعر المقصوص، أنها دعوات للتخلي عن تاج الجمال أو كما صُوِّر لنا منذ الصغر أنه تاج الجمال، وفي الحقيقية للأمر دلالات نفسية عدة، فقد يُنْذِر قصّ الشعر بالاكتئاب، كما أنه يعتبر أسلوبًا من أساليب تفريغ الطاقة السلبية، أو ربما تغيير للشكل يتبع التغيير في نمط الحياة.
وخصوصًا إذا توافق مع الخروج من علاقة عاطفية سواء كانت علاقة طبيعية أم علاقة مؤذية، وربما هو نوع من أنواع العقاب الذاتي، الذي تعاقب المرأة به نفسها، وربما هو فعلًا مثلما تقول تلك الدعوات مظهر من مظاهر القوة، فالمرأة تقص شعرها فجأة لتغير من مظهرها الذي اعتادته واعتادها الناس به.
ماذا عن الأسباب الأخرى لقصّ الشعر في البلدان والمعتقدات المختلفة؟
– عقوبة
في طفولتي شاهدت فيلمًا هنديًّا -لا أذكر اسمه الآن- لكن كل ما أذكره هو العقاب الذي أرادته الحماة لِكُنَّتِها التي توفي عنها زوجها، وهو قص شعرها لوصف ضفائرها بأنها من جلبت اللعنة على ولدها، ليدخل بطلًا آخر ويمسك يد الأم ويوقف التنكيل الذي كان سيقع على البطلة، عندما كبرت عرفت أن هناك معتقدًا في الهندوسية يقتضي بأن تحلق الأرملة شَعْرَها.
هناك نصّ في الهندوسية يقول:
(الأرملة يجب أن تعاني لفترة طويلة حتى الموت، رابطة الجأش وعفيفة، الزوجة الفاضلة المتعففة منذ وفاة زوجها تذهب إلى الجنة أما من لا تكون وفية له فستخلق من جديد في رحم ابن آوى)
وتلك هي الجملة التي بدأت بها المخرجة الهندية “ديبا مهتا” فيلمها (الماء) الذي أثار ضجة واسعة أيام عرضه، وأثار الغضب عليها من المجتمع الهندي، يتحدث الفيلم عن محنة الأرامل في المجتمع الهندي، الفيلم من إنتاج سنة (2006م)، ويرصد أهم ما يحدث للأرامل لا قص الشعر فحسب، بل حرمان الأرملة من كل حقوقها: فتحرم من اللباس والتزين وتوضع في ملجأ خاص للأرامل، فهم يعتقدون أن المرأة التي توفي عنها زوجها هي مصدر للنحس والشؤم ويجب التخلص منها بعيدًا عنهم.
– سرقة
في عام (2017م) حدثت سلسلة هجمات غريبة على النساء الهنديات، كانت الشكوى المقدمة دائمًا استيقاظ المرأة فتجد أن شعرها تمَّت سرقته، حققت الشرطة في تلك الهجمات المتتابعة، وكانت مخاوف النساء تتمثل في أن تستخدم ضفائرهن في أعمال السحر والشعوذة، وقيل أنه محض هلوسات من النساء. لكن الأكيد أنه من الصعب أن يسرق جزء منك وخاصة أن الشعر يباع ليستخدم في صناعة الشعر المستعار.
-قربان
في تلال “سي شاشالام” الهندية يقدم ملايين الحجاج شعورهم كقربان للآلهة، وهي تبلغ كل عام (500) طن تباع كلها وتجلب للمعبد حوالي (6.3) مليون دولار سنويًّا.
والأصل في هذا المعتقد لديهم أن إلههم قد أخذ قرضًا كي يتم زواجه، ولكنه لم يستطع رد القرض وتراكمت عليه الديون، فلذلك يقوم عباده بأن يحلقوا رءوسهم ليسددوا دينه.
فرنسا: حَلْق الشَّعر هو ثمن الخيانة
في (1944م) تمكنت قوات الحلفاء من تحرير معظم الأراضي الفرنسية، كم تمكن الفرنسيون من تحرير عاصمتهم باريس، بالطبع كانت الخطوة التالية هي الانتقام من الخونة الذين ساعدوا على احتلال دولتهم، بدايةً بأفراد حكومة فيشي (Vichy)، التي قامت بإدارة شئون البلاد أثناء الاحتلال، ثم بعد ذلك أفراد الشعب لم يتوقف الأمر عند الرجال بل امتد للنساء أيضًا.
فتعرضت عشرون ألف سيدة للإذلال والتنكيل لأنهم تعاونوا مع جيش العدو، أو أقاموا العلاقات مع أفراد الجيش الألمان والإنجاب منهم، شملت عملية الإذلال تلك حلق رءوسهم ورسم الصليب النازي بأحمر الشفاه على جباههم، وتسييرهم في الشوارع نصف عراة.
الحسيديم وشعر النساء
منذ فترةٍ ليست بالقليلة أثار مسلسل (Unorthodox – هاربة من الماضي) عن سيرة “ديبورا فيلدمان” الذاتية (غير تقليدية: الرفض الفاضح لجذوري الحسيدية) جدلًا واسعًا، تظهر البطلة علي الصورة الإعلانية للمسلسل حليقة الرأس، لأن ذلك المعتقد يحتم على المرأة المتزوجة أن تحلق شعرها وتضع شعرًا مستعارًا أو غطاء الرأس، فيتم حلق شعر “استير” البطلة قبل زواجها.
تحدث المسلسل بحرية عن معتقدات يهود الحسيديم (Hasidism) وهي طائفة يهودية متزمتة ظهرت في القرن التاسع عشر في دول شرق أوروبا، وهذه الطائفة يعيش أفرادها في انعزال تام عن المجتمع الأمريكي، فبرغم أن البطلة تعيش في مجتمع أمريكي إلا أن تلك الطائفة نجحت في أن تصنع لنفسها عالمًا خاصًّا بها، حد أنها حرمت على أبنائها الإنترنت والتليفون المحمول، وكل ما قد يجرُّهم إلى العلمانية أو تغيير معتقداتهم فتلك الطائفة لا تؤمن بأيّ شيء سوى العبادة.
استخدام قص الشعر كعاقبة للتمرد
ما زال قص شَعْر المرأة المتمردة معتمدًا في الكثير من المجتمعات العربية، فما أن تفعل المرأة شيئًا قد يخالف رأي العائلة أو تعلن رافضة رغبتها في مخالفتهم، حتى تجد الأيد جاهزة للصفع، والمقصات جاهزة لحلق الشعر، وقد قصّت علينا إحدى الصديقات في الجامعة، حكاية شعرها الطويل الناعم، الذي أصبح حلمًا فحسب، حينما رفضت الزواج من ابن عمها، فكان العقاب الحبس وقص شعرها وحينها امتثلت حتى لا يزيد العقاب أكثر.
وقد رصدت السينما تلك حالة العقاب بالضرب وقص الشعر في فيلم (فتاة المصنع) حيث جسدت الممثلة “ياسمين رئيس” دور “هيام” الفتاة العاملة البسيطة التي أحبت “صلاح” مشرفها الجديد والتي ما أن تصرح لها بحبه حتى يذكرها بالفارق بينهم، فتدعي حدوث علاقة بينهما ويصل الخبر إلى أهلها مما يجعل جدتها تضربها وتقص شعرها عقابًا لها.
add تابِعني remove_red_eye 61,969
مقال ملهم ومثير حول علاقة المرأة وشعرها بالثقافة والمجتمع
link https://ziid.net/?p=56678