كيف تربي ابنتك لتواجه مصاعب الحياة؟
لقد أصبح العالم مخيفا وقاتلا، وكثرت المصائب من حولنا فكيف تربي ابنة قادرة على مواجهته. ابنة قوية قادرة على تحدي الجميع والنجاح
add تابِعني remove_red_eye 61,969
على الرغم من أنني ضد التفرقة بين الأبناء تبعًا لجنسهم، ولكن في مقالة اليوم أحببت أن أختص الفتيات نظرًا لما أراه مؤخرًا من كل ما يحدث: الفتيات اللائي يتعرضن للأخطار، للتحرش، للابتزاز، صفحات وسائل التواصل التي تعج بمنشورات سوداوية وكئيبة، ولأنني فتاة وأعرف ما نريده، ما يشقينا وما يسعدنا، ما الذي يمكنه أن يكسر الفتيات، ولأنني مربية فأنا لدي عين ناقدة لكل ما يحدث حولي وما أراه من أخطاء في التربية تؤدي إلى ما حدث الآن، تؤدي بالفتيات للحزن والاكتئاب، وتدفع بهن إلى أحضان من لا يرحمهن، ويجعلهن يتجرعن الذل والمهانة من أجل إطراء، أو لهفة لصوتهن الحزين، أو يد تُربّت، وحينها يجدون اليد مخلب، مخلب قاتل قادر على نزع الحياة منهن بلا رحمة، أو هوادة.
قبل أن أشرع في كتابة الموضوع، سألت الصديقات على صفحتي، عن الأشياء التي فاتتهم وتمنوا لو أن ذويهم زودوهم بها أثناء التربية، والأشياء التي يريدون غرسها في بناتهن، جاءت إجابتهن كثيرة وملهمة على نحو مذهل، ومؤكدة لما كان يدور في بالي من أفكار وحينها عرفت أن الهمّ واحد.
البنت زي الولد
في طفولتي وبينما أتناول الإفطار كنت أستمع لأغنية سعاد حسني تبث من الإذاعة وبينما تترنم وتغني (البنت زي الولد مهيش كمالة عدد) كنت أخرج للشارع والمدرسة فأجد المجتمع لا يرى البنت مثل الولد، بل أقل منه وهو أفضل منها، تبش السيدة حينما تُبّشر بولد وتغتمّ بالبنت، وهذا هو أول عامل على قتل الفتاة وإشعارها بأنها أقل، وأنها أضعف، ما يزرع في قلبها التمرد والنقمة، وأحيانًا الحقد والحسد، فأول طريق لإخراج فتاة سوية وقوية قادرة على مواجهة المجتمع، هو أن لا تفرق بينها وبين أخيها لأنه ولد وهي فتاة.
أن يكون الخطأ خطأ مجتمعيًّا، أو من الذي يحرمه الدين، لكن لا يكون مبررًا أبدًا -لأنكِ بنت- حتى لا تضع أول لبنة في تحقير ذاتها، كما أنه ليس من المحترم أو السبيل الأفضل أن تخدم أخوتها لأنهم رجال، بل يجب أن يعتمدوا على أنفسهم وإن فعلت من أجلهم شيئًا، يكون لأنها أرادت ذلك لا لأنها مجبرة على ذلك. كما يجب أيضًا أن تحصُل الفتاة على كل فُرَصها في التعليم مثل الفتى، لأن التعليم هو ما يصنع الفرد، سواء كان التعليم مدرسيًّا، أو تعلمًا حرًّا عن طريق القراءة، لا تخافوا من القراءة، لا تفسد البنات مثلما يقال، بل تبني الوعي، لم يقتل الكتاب أحدًا من قبل.
الثقة
أعرف أن الآباء والأمهات محملين بميراث ثقيل من العادات والتقاليد، والمخاوف التي يبثها المجتمع ويرثها جيلًا عقب جيلًا، لكنني لم أرَ يومًا أن القوة والحزم المفرط، والشدة في التعامل أسفرت شخصًا سويًّا أو فتاة يباهي بها الجميع، بل دائمًا ما أسفرت عن شخص مهزوز نفسيًّا لا يمكنه التقدم في حياته، لذلك أعطوا بناتكم الثقة، علموهم احترامَكم لا الخوف منكم، لأن الاحترام يقتضي أن لا يفعلوا الخطأ في حضوركم وفي الغياب، بين الخوف سيعلمهن أن يخافوا بطشكم في الحضور ولكن في الغياب سيستمتعون بغياب السلطة وكسر القواعد. كما أن الثقة تتضمن منحها حرية الاختيار، فتدرس المجال الذي تريده، ولا تتزوج إلا الرجل الذي تقتنع أن تتزوج به، وأن تذهب للعمل الذي تريده.
بناء الثقة يبدأ منذ الطفولة، يتضمن الوفاء بوعودكم لهن، بالحوار المتبادل، الحوار العقلاني، الذي يستمع للأفكار العقلانية والأفكار التي تتعدى حدود المعقول، ثم نعرض تلك الأفكار على ميزان الشرع الذي ندين به، وحينها سيقتنعن أصلًا، المهم أن تبتعدوا عن القوة وإساءة التصرف.
أن تقدروا صراحتهم، فكثيرًا ما كنت أرى الآباء يخبرون بناتهم أنهم لن يعاقبوهن على الأخطاء التي يعترفون بها، ومع ذلك كان العقاب يتنزل عليهن، لذلك إذا أردت أن تخرج بنتًا سوية، لا تخاف إذا تركتها يومًا لأي سبب، أن تمد بينكما جسور الثقة.
الاحتواء
“هل حضنت ابنتك اليوم؟”
هذا منشور أراه من الحين للحين على الصفحة الشخصية لإحدى الصديقات، دائمًا حينما أراه أبتسم، وأردد في قلبي “قلتلها كلمة حلوة على الأقل” لأن الآباء يفعلون كل شيء، يقومون بدور المعلم، المربي، المصرف، السائق، متعهد النزهات -إن قاموا بها أصلًا- وينسون أهم أدوارهم على الإطلاق وهي أن يكونوا آباء.
بل إن بعض الأمهات هن الأخريات لا يشفقن على بناتهن، لا عناق، لا تربيت، لا احتواء للمشكلات، لا علاقة صداقة، والإنسان سواء كان فتى أم فتاة، رجلًا أو امرأة يحتاج للاهتمام العاطفي، أن يخبره أحد أنه جميل، وأن زيه مناسب، وأن يبش لنجاحه، وأن يخبره بأنه مهم، أن يشعر أنه حي، قالت لي إحدى الصديقات ذات مرة بينما هي تشكو عدم اكتراث والديها لها “عايزة أتشاف” ، فحينما تشعر بأنها مهمشة في منزلها لا يكترث لها أحد، ستبحث عمن يكترث لأمرها ويغدقها بكلمات الحب الرائعة، والهدايا اللطيفة، والاهتمام.
قالت إحداهن ذات يوم “الإنسان وهو حلو بيحتاج حد يقوله أنت حلو” فلا هو دلال مبالغ فيه، ولن يتلفها أن تخبرها كم هي جميلة، وكم هي تستحق، وكم هي ناجحة، أخبرها حينما تعد الإفطار أن طعامها جميل، وحينما ترتدي الثوب الجديد بأنه صنع لأجلها، التربيت على كتفها عند المذاكرة، حبة الشوكولاتة، كله أشياء بسيطة ولكن لها أكبر المعاني لدينا، وتذكر إن لم تقدم أنت الحلوى ستجد فتاتك ألف يد تقدمها لها.
حماية الحدود
تبدأ معرفة حدودها وحمايتها منكم أنتم أولًا، فالخصوصية التي تعطيها لها، ومساحتها الخاصة، أن لا تنتهكوا خصوصيتها بالتفتيش في أوراقها والحقيبة والهاتف، هي أو الحدود التي ستعرفها، أن تتركوها تنعم بقول لا، في وجوهكم وفي وجوه الجميع، أن تقول لا حينما تفرضوا عليها ما تريده، فإن أخرجتم فتاة مطيعة لا تقول سوى نعم، فستكون فتاة منبطحة لا تجيد قول لا، صدّ الجميع عن حدودها وحمايتها، يجب أن تضع الفتاة حُدودها بنَفْسها وترسمها ولا تدع أحدًا يتخطاها أبدًا.
التعرف على جسدها
أو الثقافة، كما تودون تسميتها، لكن يجب أن تتعرف الفتاة على جسدها أن تخبرها الوالدة، بكل ما تريد معرفته، أن تزودها بالمعلومات الصحيحة، ويمكن أن تستعين الأم بمتخصصة لتخبر الفتاة بكل ما يجب أن تعرفه، فتحافظ على نفسها وصحتها، وتتجنب الكثير من الخرافات والأفكار التي تصيبها بالهلع والخوف والاضطراب، وتمهد لها لتكون أمًّا وزوجة ناجحة.
ارفعي صوتك لا تسمحي لأحدهم أن يسكتك
علموا بناتكم أنهن لسن عارًا، وأن من يتخطى حدوده معهن هو المذنب الذي استحق العقاب، لا تجعلوهن خائفات من المجتمع من العالم، حتى لو أخطأت فإنها بشر، يجب ألا تسرف في عقابها، حتى لو أخطأت فإننا لم نخلق لنفعل الصواب دائمًا، لقد جعل الله التوبة بابًا للمخطئين وهو الخالق القادر على تدمير المخطئين، فكيف نرى نحن أن الخطأ بلا علاج، يستحق الموت.
إذا أردت أن تربى ابنة قادرة على مواجهة صعاب الحياة فيجب أن تتحمل مسؤولية أفعالها، وأن تعمل حتى ولو كان عملًا خيريًّا، المهم أن تجعلها تتعرف على الحياة، عن طريق العمل، أو التطوع، أن تخوض غمار الحياة، أن تعاملها كإنسان لا كقطعة حلوى مغطاة.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 61,969
مقال هام يساعدك في التعرف على أفضل طريقة لتربية ابنة قادرة على النجاح ومواجهة المجتمع
link https://ziid.net/?p=64559