كيف تكتشف وتربي طفلا عبقريًا؟
إجهاض قدرات طفلك العبقري والموهوب، ليس أمرا مستبعدا إن عجزت عن التعرف عليه، موهبة طفلك بين يديك أما تنميها أو تنهيها
add تابِعني remove_red_eye 6,030
كلنا نتمنى أن نرزق بأطفال موهوبين وعباقرة، لكن السؤال الأهم هو: كيف نتعرف عليهم إذا رزقنا بهم؟ فماذا لو عجزنا عن التعرف عليهم وعاملناهم معاملة تَعُوق نُمَّوهم وتطوّرهم، تطورًا يلائم طبيعتهم؟
بعيدًا عن مشكلة التعرُّف على الأطفال العباقرة والموهوبين، نجد أنه غالبًا ما يتم معاملتهم ومناقشتهم كمجموعة غير مُتمايِزة فيما بينها، بخلاف المقارنة بينهم وبين باقي الأطفال من أقرانهم.
ليرتكز التمييز بينهم، على أساس الاختلافات في القدرات الفكرية أو المواهب أو الاهتمامات. على سبيل المثال: الموهوبون المبدعون، الموهوبون فِكْرِيًّا، الموهوبون في التعلم والتَّلقِّي، والموهوبون من الناحية الفنية هم من بين الفئات المختلفة التي يتم التعرف عليها كثيرًا، بدلاً من مناقشة الاختلافات من وجهة نظر كاملة، أو بالأخص من وجهة نظر “جشطالتية” من حيث السلوك والمشاعر والاحتياجات.
الغرض من هذا المقال هو التعرف على بروفايلات الأطفال العباقرة والموهوبين والتمييز بينهم على أساس السلوك والمشاعر والاحتياجات. ليُقدِّم هذا المقال الذي يلخص دراسة علمية- لجورج بيتس ومورين نيهارت George Betts and Maureen Neihart 1988 – تعريفًا يضمّ (6) أنواع مختلفة من الأطفال الموهوبين والعباقرة: الطفل الناجح، الطفل المُنافِس المُستفِزّ، الطفل المَطْموس، المُنْطَوِي المَنْبوذ، الطفل المزدوج، وأخيرًا الطفل العصامي.
المَقْصود من هذا المقال ليس تهميشَ وتمييزَ أيِّ طفل تمامًا، لكن الغرض هو تسهيل مهمّة تحديد هذه الأنواع من الأطفال وتوجيههم في جميع جوانب التنمية الذاتية والشخصية. وبالأخص فهم احتياجاتهم الخاصة، والتخفيف من معاناتهم.
الميول والمشاكل الكبرى التي يعانونها
بعيدًا عن ميول هؤلاء الأطفال للاستقلالية المبكرة، كمَيْلهم للقيادة وتحمل المسئولية بسبب ثقتهم المبنية على نضجهم المبكر ووعيهم بأمورٍ تسبق سِنَّهم ونُموّهم مقارنةً مع أقرانهم. وهذا ما يضعهم في مواجهة مع المجتمع والنظام، مِن النظام التربوي إلى الاجتماعي، محاولين كغيرهم التعبير عن ذواتهم باختلافهم، لأن السلوك الاجتماعي القائم لا يتواءم مع احتياجاتهم الخاصة في المجتمع، بل على العكس يُساهِم في التضييق عليهم وتأطيرهم بشكل لا يلائم طبيعتهم، فَأَنْ تكون مَوْهوبًا يعني أيضا احتمالية تعرضك لمجموعة من المشاكل كَفَرْط الحساسية العاطفية، وتكرر فترات الملل لصعوبة اندماجهم مع أقرانهم، الوحدة، الإدمان، المسئولية الزائدة التي تضعهم تحت ضغط كبير (بسبب بحثهم عن الكمال أو بسبب اضطرابهم الوجودي)، مع احتمالية عالية للتعرض للاكتئاب الوجودي بسبب التفكير الزائد وبسبب كبر أسئلتهم التي قد يعجز محيطهم عن الإجابة عنها ما يزيدهم تَيَهانًا، ويُبْقِيهم دون أجوبة تُشبع عقولهم الصغيرة وتريحها قليلًا من كثرة التفكير، ما يؤدي بهم إلى الشعور بالضيق الحقيقي نَظَرًا لعدم استيعابهم لما يُبْصرونه دون غيرهم من أقرانهم.
يدفعهم هذا الاختلاف للارتباك والخوف، وقد يؤدي بهم إلى التقوقع والانغماس في تقليد الغير لا التعبير عن ذواتهم ومميزاتهم. فالتعرُّف عليهم مبكرًا يساعد على تأطيرهم ليفهموا ماهِيَّتم وليتصالحوا مع اختلافهم. ولكن تحديد هُوِيَّة الطفل الموهوب ليس بالأمر الهَيِّن، يجب أن يكون المرء على علم بهذه الاختلافات، حتى لا يفوته الوعي باختلاف احتياجات طفله الكَتُوم وغير المرئي، وتمييز قدراته ومواهبه.
بروفايلات الأطفال العباقرة والموهوبين
النوع #1: الطفل الناجح
ربما تصل نسبة الأطفال الموهوبين الذين تم تحديدهم في الوسط المدرسيّ من هذا النوع الأول إلى (90٪). فهم أطفال تعلَّموا أن يُظِهروا سلوكياتهم ومشاعرهم واحتياجاتهم الخاصة، فَهِموا وتعلَّموا كيفية التعامل مع النظام المدرسيّ، ليظهروا السلوك المناسب، بعد أن استمعوا عن كَثَبٍ إلى أولياء أمورهم والمدرسين، وهذا بالطبع بعد أن تَمَّ التعرف عليهم، مَكَّنَهم هذا من التعلُّم جيِّدًا والتمكُنّ من الحصول على درجاتٍ عالية في اختبارات التحصيل واختبارات الذكاء.
نادرًا ما يواجِه هذا النوع من الأطفال مشاكِلَ سُلوكية في المدرسة، لأنه إضافة إلى الحب والتقبُّل الداخليّ الذي يعيشونه مع ذواتهم يضاف له حُبّ أقرانهم لهم، ما يسهل عملية اندماجهم وتَقَبُّل انتمائهم في المجموعات الاجتماعية.
لكن الأمر لا ينتهي باندماجهم وتقَبُّل اختلاف احتياجاتهم، فالانضباط الدائم للنظام المدرسيّ القائم والذي فُصِّلَ على مقاس واحتياجات غيرهم، يُشْعِرُ هذا النوع من الأطفال بالمَلَل من المدرسة مع مرور الوقت، وبالأخص من أجل تحقيق إنجازاتهم بأقلّ جهد مُمكن، بدل استغلال وتطوير قدراتهم ومواهبهم، دون أن يَفْقِدوا كُلًّا من إبداعهم واستقلالهم الذاتِيِّيَنْ.
النوع #2: المُنافِس المُسْتفِزّ
ذو موهبة متبايِنة، وعادة ما يتمتع بدرجة عالية من الإبداع، عنيد وساخر، يميل للانطواء لعدم شعوره بالانتماء اجتماعيًّا لباقي المجموعات. يمتلك هذا النوع مفاهيم ذاتيةً سلبيةً، وهو غير منضبط ولديه مَيْل قويّ لمواجهة البالغين والدفاع عن قناعاته بطريقةٍ عدوانية، كما يَمِيل لكسر القواعد والتشكيك فيها وعدم احترام النظام القائم سواء في المدرسة أو في المنزل والمجتمع، بتحدِّيه مثلًا لمعلمة أمام الفصل. فعلى الرغم من إبداعهم، يحصل هذا النوع على القليل من الاعتراف وبعض المكافآت والتقدير، ما يدفعه للشُّعور بالإحباط لأن المنظومة لم تؤكد مواهبه وقُدْراته، رغم كفاحه من أجل إبراز ذاته.
النوع الثاني قد يكون “في خطر” باعتباره ينحاز في نهاية المطاف لإدمان المخدرات أو السلوك الجانح إذا لم يتم إجراء التدخلات المناسبة من أجل تأطيرهم ومراقبتهم.
النوع #3: الطفل المطموس
غالبا ما تكون “أنثى”، فهذا النوع يُصِرُّ في المرحلة المتوسطة من عمره أيْ فترة المراهقة لتحاول فيه الفتاة إخفاء موهبتها وإنكار قدراتها الفكرية غير العاديَّة، وترفض الاعتراف لنفسها قبل غيرها بتفوقها وموهبتها المخفية، وذلك لسبب وحيد، لكي تستطيع الاندماج مع أقرانها وحماية انتمائها مع المجموعة، لتعتبر “حرباء ممتازة” لقدرتها وقابليتها الكبيرة على التكيُّف.
كثيرًا ما تشعر بعدم الأمان والقلق الدائم وصعوبة في التعبير عن مشاعرها العميقة، بالإضافة الى امتلاكها لنظرة سيئة عن نفسها وعدم تقديرها لذاتها. سرعان ما تصاب بالإحباط والضغط الشديدَيْنِ، بسبب معارضتها لطبيعتها وتقمُّص ما لا يتناسب وحقيقتها، عكس الذُّكور من نفس نوعها فقد يرغبون أيضًا في إخفاء موهبتهم. لكن غالبًا ما تجدهم يميلون إلى الانبعاث وإظهار ذلك لاحقًا بسبب ظروف وضغط الحياة.
- كيفية التعامل مع الطفل الموهوب بطريقة تساعده في تنمية مواهبه
- سبع مهارات يجب أن تنمو مع طفلك حتى يكون ناجحا
النوع #4: المُنْطَوِي المَنْبوذ
طفل يتميز سلوكه بالغضب والاندفاعية، غاضب من نفسه، غاضب من البالغين والمجتمع ككُلّ، لأنه يرى أن النظام لم ينصفه ولم يُلَبِّ احتياجاته لسنوات عديدة. فيعبِّر عن هذا الغضب من خلال التصرف بالاكتئاب والانطواء، والانعزال نتيجة عدم الوصول إلى تفاعُل إيجابيّ كافٍ مع أقرانه ومحيطه، ما يدفعه للشعور بالرَّفْض غالبًا، وسوء تقديره لذاته.
يعطي انطباعًا سَلْبيًّا حول مستواه الدراسيّ رغم قدراته، بسبب رفضه القيام بواجباته، وكذلك بسبب نتائجه المنخفضة جدًّا، لذلك يفشل في الحصول على الدعم والتأكيد على مواهبه ومجالات اهتماماته. يتبنى إما صفات الطفل المُتنَمِّر الذي يعاكس الآخرين ويحاول استغلالهم، أو يصير عكس ذلك كطفل مُنْطَوٍ وغائب جسديًّا وفِكْريًّا، مُنْسلِخ عن محيطه.
النوع #5: الطفل المزدوج
على الرغم من إمكانياته الفكرية العالية، فإنَّ الغالبية العظمى من الآباء لا يستطيعون تحديد موهبة طفلهم، لأن السبب يعود لما قد يُراكِمُه الطفل من صعوبات في التعلم، اضطرابات عاطفية، اضطرابُ طَيْفِ التَّوحُّد، أو إعاقات جسدية، وهذا ما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا.
يتجاهل قدراته العظيمة بسبب تقديره المُتدَنِّي لذاته، فهو غالبًا ما يبدو في حيرة من عدم قدرته على أداء مهامه المدرسية، الذي يظهر جَليًّا في عمله منخفض الجودة وغير المكتمل نِسْبيًّا، بسبب بُطْئِه في الفصل لأداء المهام المطلوبة، ما يُشْعِره بالإحباط، العجز، العزلة.
ينكر الصعوبات التي يواجهها من خلال الادعاء بأن الأنشطة أو المهام “مملة” أو “غبية”. ويُعَدُّ الفشل أكبر مصدر للقلق بالنسبة له، وهذا ما يدفعه لتطوير سلوكياتٍ تخريبيَّةٍ ومزعجة تجعل من الصعب عليه إكمال العمل المَنُوط به.
النوع #6: الطفل العصامي
إنه طفل عصاميّ متعلِّم مُستقِلّ مُوجَّه ذَاتيًّا، وَاثِق من نفسه ومتحمس للغاية لفكرة التعلم والأخذ، منسجم مع ذاته كما له قدرة على تحمُّل المخاطر للارتقاء بذاته. يشعر بالأمان في تصميم أهدافه التعليمية والشخصية، مثابر ويحب أن يتحدى نفسه، مقتنع تمامًا بما يقوم به ويدافع بسهولة عن قناعاته، يتقبَّل اختلافه ويَقْبَله زملاؤه وكذلك المدرِّسون وغيرهم من البالغين.
إيمانه بنفسه وشعوره بقوته الشخصية يُمَكِّنانِه من إحداث تغييرٍ في حياته الخاصة، ولا ينتظر الآخرين لتسهيل التغيير له، إنه قادر على التعبير عن مشاعره وأهدافه واحتياجاته بُحرِّية وبطريقة مناسبة، فتقديره لذاته إيجابيّ.
ناجح، يستخدم نظام المدرسة بحكمة لخلق فُرَص جديدة رغم المصاعب والعراقيل التي يواجهها، يثير الإعجاب ويكتسب احترام غيره من الأقران، يظهر ميوله للقيادة وبحثه عن مهام قيادية داخل المدرسة والمجتمع.
الخلاصة
كيفما كانت طبيعة طفلك، فإنه يحتاج لمن يَثِقُ في قُدْراته، ليشعر بالأمان في وَسَطٍ يتفاعل معه بإيجابية، حتى يستطيع تفجير عن قدراته وإظهار مواهبه، لذلك فمن الضروري أن يفهم المعلمون والآباء احتياجات أطفالهم المعرفية والعاطفية والاجتماعية، ومن السيِّئ أن تجهض قُدْراتهم في نظام مجتمعيّ قد لا يتناسب ولا يستجيب لاحتياجاتهم بشكلٍ كافٍ. كما قال ألبرت آينشتاين : “الجميع عباقرة. ولكن إذا حكمت على سمكةٍ من خلال قُدْرتها على تسلُّق شجرة، فإنها ستعيش حياتها كُلّها معتقدة بأنها غبية”.
[المناعة الفكرية والأخلاقية للطفل]
أَلَمْ يَحِن الوقت كي نعيد النظر في الأنظمة المدرسية القائمة على قدرة تسلق الشجرة فقط بحثًا عن الدبلومة؟
add تابِعني remove_red_eye 6,030
مقال هام حول الطفل العبقري..كيف تتعرف عليه وتتعامل معه
link https://ziid.net/?p=56109