كيف تغيرت منظومة الزواج مع الوقت؟
الحب وحده لا يبني بيتًا ناجحًا. المسؤولية، الشجاعة والتقدير، النضج والوعي والتوافق الفكري يبنون بيتًا
add تابِعني remove_red_eye 9,161
عندما مرض زوج خالتي مرضًا شديدًا جعله غير قادر على معرفتنا أو الحركة، كنا نزوره بصفة دورية هو وخالتي للاطمئنان عليهما، في مرة كنت أتمشى بجانب منزلها، فمررت عليها. كانت خالاتي وأمي من أقوى النساء اللاتي رأيتهن في حياتي، تلك المرأة التي تعمل، تساعد زوجها في كل شيء، تقسم المهام وتربي الأولاد وتساعد في المصاريف، ولديها من الحكمة الكافية لتتصرف بذكاء، لديها خبرة في الحياة تكاد تشعرك أنها عاشت مئات السنين.
ذلك اليوم، رأيت خالتي تبكي للمرة الأولى حزنًا وخوفًا ووهنًا.
كانت تقول لي إنه حتى وإن لم يعرفها، فهو ما يعطي للمنزل جو الدفء والأمان، وأنه حتى لو راقدًا فهو سندها ونصفها الآخر، كما أن مجرد وجوده أيا ما تكون صورته، فهو الأفضل لها. كانت تحكي لي أيضا أنه في الماضي قد تقدم لها أكثر من ست مرات دون قبول ولكنه لم يستسلم إطلاقًا حتى تم القبول وتزوجها. عندما تتزوج فتاة من عائلتنا، يتم ضرب المثل بزوج خالتي الذي عاش ومات بين يدي أحبته، مع زوجة كانت تعشقه.
عندما كنت مراهقة، تباينت نظرتي للزواج من وقت لآخر. هنالك وقت لم أكن أطيق أن أتزوج، كنت أريد أن أتخرج وأقرأ، ثم أعمل أيّ عمل بسيط أستطيع أن أوفر منه ثمن كتبي ثم أموت. .. حقًّا إنها حياة الملوك من الطبقة الدنيا، أليس كذلك؟ ثم أصبحت الآن وقت كتابة هذا البوست في الخامسة والعشرين، أبحث عن تلك المودة والرحمة التي حكت لي خالتي وأمي عنها.
ما هو الزواج؟
الزواج هو شراكة بين اثنين .. كما رأيته في خالاتي وأمي، فهو شراكة قائمة على التعاون بين طرفين يحاولان أن يمسكا كلٌّ بيد الآخر ليواجها متاعب الحياة. هذان الشخصان يواجهان من الأزمات ما يواجهان ولكنهما يقومان بتقوية أنفسهما، يتحملان عيوب بعضهما ويقومان بمساعدة أحدهما الآخر. هذا ما رأيته، حينما مرض أبي، أول من تواجد هو أمي بجانبه. هكذا كانت المودة والرحمة بين الزوجين. حينما نرزق بطفل، فنحن نصب عليه مما رزقنا الله من الحب والحنان ونعطي كل ما عجزنا نحن عن امتلاكه، فمؤسسة الزواج هي مؤسسة تكمل -وهذا في رأيي- الناقص منك، بل تكمل لك حياة يكون فيها ساند ومسنود.
لماذا يرفض معظم الشباب الزواج الآن؟
الزواج في عالمنا العربي الآن نادرًا ما يكون مؤسسًا على المودة والرحمة، بل يفكر الطرفان كيف نعيش في مستوى مادي أكبر، كم ستدفع؟ كم سأدفع؟ أين سنعيش؟ ما هو عملك وراتبك؟ كم هو مؤخر صداقتك؟ كم جرامًا من الذهب سنجلب؟ هل سنعيش هنا دائمًا أم سننتقل لمكان أوسع؟ تلك المنظومة القائمة على التفاهم والمودة أصبحت تُبنى على الماديات المحضة، أصبحت تجارة في الأجساد ومقارنات بين البشر وبعضهم.
لماذا تزداد نسبة الطلاق؟
تغير الزمن، تغيرت الأيدولوجيات، وتغيرت الأفكار والظروف عن بداية القرن كثيرًا. جيلنا الآن يختلف عن جيل الآباء و الأجداد اختلافًا كبيرًا ملحوظًا. أصبحت القراءة والبحث والتبحر في الإنترنت من أساسيات الجيل، ظهرت وظائف تتعلق بالتطور التكنولوجي كالتسويق الإلكتروني، والعمل عن بعد، كما انتشرت أيضًا الكثير من الظروف التي لم تتواجد من قبل كالتعليم عن بعد، السفر للتعليم، الانفتاح الثقافي نظرًا لوجود الترجمة وتعليم اللغات، كما أن مصطلح العولمة كان سيختصر لي الأسطر السابقة فليختصر القادم إذن.. تلك الكلمة وما يساويها في المعنى قد قلب حياتنا فتطورت حتى أدى ذلك لاندثار أشياء وقيام أخرى، فتغير شكل المجتمع بطريقة شبه كلية وحازمة.
أصبح إيقاع العالم سريعًا يحتاج لعقل متطور سريع الاستيعاب كذلك.. لا نستطيع الآن أن نكون كمن سبقونا، فنحن الآن أمام نسبة طلاق كبيرة جدًّا بسبب أننا حاولنا الاستعجال أو أن نتزوج كمن سبقونا.. فعلى سبيل المثال، لسنا كلنا نستطيع أن نتزوج “زواج صالونات”. زواج الصالونات ولنا معه لاحقًا شرحًا مطولًا.
كما أن هناك البعض من يتعجل وجود أحد بجانبه ليشاركه الحياة، فكما هناك زواج صالونات سريع مبني على أساسات بسيطة، هناك حب لا يستحق أن تبنى على أساسه الحياة. الحب له العديد من الوجوه والعديد من الجوانب التي يجب التركيز عليها قبل الإقدام على الزواج وتعليق المصير بالشريك.
الحب وحده لا يبني بيتًا ناجحًا. المسؤولية، الشجاعة والتقدير، النضج والوعي والتوافق الفكري يبنون بيتًا، أيضًا التوافق النفسي والثقافي يبنون بيتًا. تلك اللبنات التي نبني بها درعًا لا يقع أمام عقبات ومحن الزمن، ولكننا لا نكتشف أن تلك اللبنات ليست متناسقة إلا عندما نرى الانهيار يحدث مع أول موجة منخفضة من العقبات.
ما هو المتوقع في المستقبل؟
مؤخرًا أدركت أن ضغط المجتمع تجاه اختيار عدم الزواج ما زال موجودًا ولكنه ليس كالماضي. فالحل سهل ولكنه ليس سريعًا ولا يمكن تطبيقه على مدى واسع، بل يجب أن تبدأ بنفسك.. وعندما تبدأ بنفسك ستفهم أن التغيير ينبع من الأفراد لكي ينتشر وسط المجتمع.
لذا بداية، فالمتوقع أن نسبة الوعي الآن أعلى مما مضى، وذلك بسبب الاختلاط الثقافي، تغير بعض العادات والتقاليد الكابحة لتعليم المرأة أو العمل الخاص بها. هناك أيضًا ما يجعلنا نتحسن تحسنًا ملحوظًا على مستوى المجتمع وهو انتشار منصات ثقافية وعلمية توعوية تشرح كل العلوم والآداب بطريقة مبسطة، وكلما استوعب العقل البشري شيئًا كان يراه صعبًا، كلما تعطش أكثر للمزيد، فنتطور بشكل تراكمي في نواح كثيرة مما يؤدي إلى التطور العقلي الذي سيؤدي للتحسن من جهة التفكير في الأمور الحياتية.
القراءة والتجارب، المعرفة الحقَّة للشريك، الاستيعاب لمصاعب الحياة ومشاكلها، والمودة والرحمة هما أساسيات لأي علاقة ناجحة، فالحب ما هو إلا تلك الأمور مجتمعة، فيجب علينا أن نختار بالعقل والقلب وليس بالقلب فقط، حتى لا نجد أننا نتعلق بمحض صور رسمناها للشخص في خيالنا وما هي إلا سراب . . صورة خارجية حاضرة، وشخص غريب لا يقع حتى بجانب خيالنا بخطوة.
تغير الزواج وتغير المجتمع، ومع تطور البشر الذي لا يتوقف رغم المعوقات والمشاكل والأوبئة، فالإنسان دائمًا ما سيسعى أن يكون بجانب شخص وألا يعيش وحيدًا. سيحاول الإنسان أن ينقل جيناته وتجاربه لمن بعده، وسيحاول أيضًا أن يعيش في بيئة تصلح لتحمل الضغط فيها، وذلك عادة يتم بمساعدة طرف آخر.
ماذا لو؟
حسنًا.. ماذا لو هو سؤال لعين سيلاحقك طوال عمرك عندما تختار أو تحجم عن الاختيار. هو سؤال يسأل في كلا الحالتين. ماذا لو اخترت أن تعيش وحيدًا؟ إذن فلتفعل، ولكن اعلم أنك يجب أن تحيط نفسك بكل ما تحب، أن ترى دائما الإيجابي والجيد فيمن حولك من أهل وأصدقاء وعمل وأخيرًا ألا تندم على البقاء وحيدًا لأنك لست كذلك.
ماذا لو تزوجت؟ تزوج إذن واسعد بقرب من يتوافق معك ولن يتركك مع أول موجة أو ينهار درعكما لأنه كان مزيفًا! لا تتزوج لأن الزواج واجب أو ضرورة فقط، تزوج إن شعرت أنك إن سقطت على الأرض كورقة شجر ذابلة، فسيتلقفك الطرف الآخر ليصلح منك، أو ليحافظ عليك، أو حتى ليسقط بدلًا منك. في كل الأحوال اختر ما يمليه عليك عقلك وقلبك وليس أحد الطرفين، فإن فعلت هذا يومًا ما .. لن تندم بل ستتغير منظومة الزواج لشيء أكبر وأعمق وأكثر تناسقًا.
إليك أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 9,161
ما هو الزواج؟ وكيف تغيرت تلك المنظومة عبر الوقت ؟ هل أصبحت أفضل؟ أتتزوج أم تحجم عن ذلك؟ تعال لنتناقش
link https://ziid.net/?p=74054