حين يتحول لقب الأم المثالية إلى جحيم!
تعيش الأم في وقتنا هذا سباق محموم، تريد أن ترقى فيه لتوقعات من حولها، وأن تعطي أطفالها الأفضل وأن تشعر بالرضا عن نفسها
add تابِعني remove_red_eye 61,969
حينما تلتقط آذاننا كلمة (أم مثالية) تستدعي الذاكرة دائمًا إلى أدمغتنا صورة الأم المنحنية على ماكينة الخياطة لِتَحِيكَ ملابس صغارها أو ملابس أخرى للبيع، لتنفق ثمنها على الصغار. أو صورة الأرملة التي تربي أبناءها بعد وفاة الزوج وتترك الحياة وزخرفها من أجل الصغار فحسب.
في حفلات المدارس، في تكريمات الدولة، دائمًا ما تطلق تسمية الأم المثالية على شخصية متفانية، قتلت نفسها من أجل أن تقدم لأولادها الحياة على طبق من ذهب.
مثلما نقول: لا تأكل اللقمة لكي تطعمها لهم، مع إغفال الأسباب التي جعلتها تدفن ما تريده هي من أجل ما يريده أولادها، وانعدام الخيارات التي كانت تمكنها من الموازنة بين حياتها وحياتهم، فقط قام المجتمع بزخرفة الدور وإضفاء هالة من القدسية عليه، وأصبحت كل امرأة تحاول الموازنة بين حياتها، وحياة أبنائها، امرأة لا تستحق الحياة ولا تستحق لقب أُمٍّ.
فالصورة المُهمّة هي أن تكون الأمّ أُمًّا فقط، بلا أيّ رغبات أخرى، فقد تتحمل المرأة مهانة الزوج من أجل أبنائها لأنها أُمّ، وقد تتحمل الضغوط التي تتحملها بتفانٍ وإخلاص وتَكْبِتُ رغباتها لئلا يقال إنها ليست أُمًّا كما يجب، وأصبحت السيوف مُشْهرةً ومُسَلَّطة في وجوه النساء جميعهن، فاتخذت أشكال الرفض صورًا أخرى فأحيانًا ترى الأمّ تهمل أبناءها بطرق غير مباشرة هي أصلًا لا تقصدها ولكنها تقوم بها بلا شعور لأنها تكبح رغبتها حتى تظل أُمًّا.
جحيم أن تصبحي أُمًّا
تقول صديقة:
منذ أنجبت وأمي وأمّ زوجي دائمًا يخبرانني بأن ولدي أهم، بالطبع هو أهم لأنني أنا من اخترت إنجابه، وأنا المسئولة عن قراري لكنني أريد أن أكون ذاتي أيضًا! لا أريد أن أنصهر في طفلي فأفقد شخصيتي.
في مجتمعاتنا العربية، أن تكوني أمًّا هو أن تكوني موظفة بدوام كامل لدى أبنائك، بالطبع هذا مهمّ لأنك مَن اتخذتِ قرارَ الإنجاب، ولكن تظل الموازنةُ بينك وبينهن مهمة، لأنك لن تظلِّي أُمَّ الصغار للأبد، سيكبرون ويتركون ذراعيك إلى أرض جديدة وشركاء جدد، وحينما يحدث ذلك ستصابين بالصدمة، وربما تطالبينهم بأن يظلوا بجانبك، حقيقة أو بادعاء المرض أو بالغضب والتسفيه منهم لإشعارهم أنهم بحاجة لك، ستتحسسين حينما تشعرين أن رأيك لم يعد هو الرأي الأول ولكن هذا الواقع.
وفي الواقع المجتمع يرفض ذلك الأمر، ربما لأنه يشعر أن ذلك تغيُّر غير مقبول، فقد تربينا على أن غريزة النساء هي الأمومة، وأن جُلّ ما تسعى إليه المرأة أن تصبح أُمًّا، فمَالِ تَغيُّراتها تلك؟ وما الذي يجعلها تتخلى عن هذا الدور أو تُبرز بجانبه دورًا آخر؟
إن المجتمع يشعر بالتهديد حالما تستجد ظاهرة ما، وتلك الظاهرة تتعلق بأهم جزء به، كما أن بعض الأسباب ترجع للنساء أنفسهن جيل الكبار خاصة، اللائي يحببن ظهورهن في الصورة دائمًا بوصفهن عنصر الخبرة والمعرفة، فتجدي السيدات يقنعونك أن أهم أدوارك على الإطلاق هو أن تصبحي أُمًّا، وأن كل ما عاداه بلا فائدة وأن نجاح أبنائك مقدَّمٌ على نجاحك، لأنه بشكل ما نجاحك الخاص.
أمهات في القرن الواحد والعشرين
إن الحياة ما بعد ظهور التكنولوجيا أصبحت أسهل بمراحل كبيرة، إنها حياة ضغطة الزر: تضغطينه لتنظيف المنزل.. لغسل ملابس الأولاد.. لصناعة فطيرة ولتسويتها. لا متاعب جسدية مثل التحديات التي واجهت والدتك أو جدتك مثلًا.
لكن ضغوطك كأُمٍّ أصبحت أكبر منهن، الآن يمكن أن يقف أولادك أمامك بكل تحدٍّ مُعْلِنين عن رغباتهم، أو أن يسألوك تلك الأسئلة التي تجعلك في حَيْرة وتخبُّط، ومطلوب منك كأُمٍّ لهم أو مصدر معرفتهم الإجابة، إن ضغوطك أصبحت لا تنتهي فقد خرجت من المطبخ والمنزل، إلى صراعات مجموعات (الواتساب) في المدرسة، والفصل، وإلى اصطحابهم للتمارين الرياضية، ومراقبة سلوكياتهم بطريقة لا يمكنهم معرفتها أو نقدها حتى لا ينكسر حاجز الثقة بينكم.
أصبح هناك مستجدات على مدار الساعات يجب توعيتهم بها، أصبحت أُمًّا ومعلمة، وصديقة، ومنظمة لجدول المواعيد وملبية لمطالب لا تنتهي، وإذا قررت توزيع مهامّهم عليهم بما تسمح به مرحلتهم العمرية، قوبلت بالهجوم فكيف تتركين أولادك يقومون بخدمة أنفسهم وما فائدتك لهم كأُمٍّ إن كنت لا تفنين نفسك لخدمتهم! إن تلك الحقائق المخزية لَهِيَ نِتاجُ صورة الأمِّ المثالية التي ذكرتها مسبقًا، تلك الأُمّ التي تسخِّر أدواتها للأولاد فحسب، حتى ولو كان الأمر ضد رغبتها.
أهلًا بك في نادي الأمهات الكسالى
أما إذا كنت تلك الأم التي يفضّلها المجتمع، لأنك تحبين ذلك الدور ولا شيء سواه، سيتم وضعك تحت المجهر بوصفك أُمًّا ليس لديها ما يشغلها، سيحاسبك الجميع على كونك ذات حياة فارغة، بلا اهتمامات ولا غاية أخرى، وستجدين الرايات مرفوعة تطالبك بصنع حياة أخرى في المجمل أنتِ أيضًا لن تجدي التقدير المنتظر.
كما أن الأمهات الكسالى أيضًا هن الأمهات اللائي يتركن أولادهن للحياة، بمعنى أنهن لا يهتمون بممارسة أطفالهم رياضتين أو إتقان سبع لغات، أو تنمية مواهبهم، إنهن الأمهات المهتمات بالمعقول، الطعام الصحي، النمو السليم، التربية السوية، هذا في النظر لا يكفي بل يجب أن ينجرّ أولادك إلى أنشطة لا معقولة تحميهم من ممارسة طفولتهم، لكي يصبحوا أطفالًا رائعين لأمهات رائعات.
الأمومة القاتلة
منذ مدة وأنا أتصفح (الفيسبوك) قابلتني صورة لامرأة جميلة انتحرت بعد ولادتها، شدَّني الأمر وتابعت القراءة لأنني أعرف عن اكتئاب ما بعد الولادة، وهو تلك الحالة الشهيرة من الاكتئاب التي تصيب المرأة عقب ولادتها وهي أعراض الاكتئاب العادية من الحزن والتململ والرغبة في الانعزال ويزيد عليها الخوف على النفس والطفل أو أفكار إيذاء الطفل أو الشعور بأنك لن تكوني أمًّا جيدة بما فيه الكفاية وبالطبع الأفكار الانتحارية، ويجب في هذه الحالة أن تحصل الأمُّ علي دَعْم من الزوج وأن تعرض على الطبيب.
الأمر الأشد سوءًا في حالات اكتئاب ما بعد الولادة أنه لا يتم الاعتراف بها لدى بعض الناس لأنهم لا يدركون ذلك الأمر، بل قد يلقون باللَّوْم على الأمّ لأنها لم تفرح كما ينبغي باستقبال طفلها، واستهجانهم شعورها بالرفض تجاهه وبدلًا من البحث عن علاج للمشكلة يزيدون الطين بِلَّة بلَوْمهم، فالجميع ينظر إلى الأمر بوصفه أنت أصبحت أمًّا كما تريدين فلما البكاء أو الحزن، مع عدم الوضع في الاعتبار حالة الإنهاك، وآلام الولادة، والضغوطات التي تستجدُّ عليها من اليوم الأول للإنجاب فتصبح غير قادرة علي النوم لمدة ساعتين متواصلتين، وهناك أيضًا تغيرات الهرمونات في الجسم.
في المجمل لا يمكنك الانسياق خلف القوائم تلك الأفكار التي تحاول أن تلخص لك أنكِ أمّ مثالية إذا فعلت كذا أو كذا، فلا يوجد شيءٌ مثاليٌ في الحياة، كونك أُمًّا هو مثل كونك طبيبة أو معلمة، هناك احتمالية كبرى للخطأ والصواب، أنكِ تتعلمين، وأنه يجب عليك فقط تدارُك الأخطاء لا يمكن تلافيها لأن ذلك غير ممكن، أنتِ إنسانة عادية لستِ ملاكًا أو امرأة خارقة، أنت أمّ، أمّ فقط بلا أوصاف أخرى ولا خطوات تعسفية، ولا تجعلي المجتمع الساعي للكمال يؤثر عليك.
add تابِعني remove_red_eye 61,969
إن كنت تبحثين عن لقب الأم المثالية.. إليك هذا المقال
link https://ziid.net/?p=56081