مَن مؤسس الدولة الطولونية؟
لما أحس ابن طولون بمدى سيطرته على الأمور في مصر والشام قام بضرب الدينار الأحمدي، ليعلن بذلك استقلاله عن الخلافة العباسية
add تابِعني remove_red_eye 20,905
بعد الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص، أصبحت مصر ولاية تابعة للخلافة الإسلامية، وكان الخليفة يعين عليها الولاة، مثلها مثل جميع الأمصار التابعة لدولة الخلافة الإسلامية، وقد ظلت مصر ولاية تابعة للدولة الأموية منذ نشأتها وحتى سقوطها على يد بني العباس، ثم أصبحت بعد ذلك ولاية تابعة للدولة العباسية في عصرها الذهبي، إلى أن قامت في مصر دولة استقلت بمصر عن الخلافة العباسية في بغداد، على أثر الضعف الذي بدأ يدب في أوصال الخلافة العباسية بسبب الصراعات الداخلية، فمنذ ذلك الوقت لم تعد مصر ولاية تابعة للخلافة العباسية، وكانت هذه أول دولة مستقلة عن الخلافة العباسية في مصر، فما هذه الدولة؟ ومَن مؤسسها؟ وكيف سقطت هذه الدولة؟
أحمد بن طولون يدخل مصر نائبًا عن بايكباك
كان خلفاء بني العباس يقربون الترك ويعتمدون عليهم بشكل أساسي في إدارة المناصب الهامة في الدولة، فكانوا يحكمون الولايات التابعة للخلافة العباسية، وكان من بين هؤلاء الترك الذين حكموا الولايات العباسية لرجل يدعى (بايكباك التركي)، والذي كان من أبرز القادة الترك على الساحة السياسية في ذلك الوقت، وخاصة بعد مشاركته في الصراع القائم بين خلفاء بني العباس المستعين بالله، والمعتز بدين الله.
وينتهي هذا الصراع بتولي المعتز منصب الخلافة، ولما كان بايكباك قد شارك في إنهاء هذا الصراع لصالح الخليفة المعتز، فقد أقطعه الخليفة الجديد أعمال مصر ونواحيها، ولكن بايكباك قد خشي إن ترك مقر الخلافة في بغداد وذهب إلى مصر أن يكون بعيدًا عن مسرح الأحداث في بغداد، لذلك قرر بايكباك أن يختار رجلًا كفئًا ينوب عنه في حكم ولايته الجديدة مصر، وقد وقع اختياره على أحمد بن طولون، فدخل أحمد بن طولون مصر في عام 254 هجريًّا، نائبًا عن بايكباك.
تثبيت أقدامه في مصر، والتخلص من أعدائه
- وكانت سياسة خلفاء بني العباس في حكم الولايات أن يقوموا بتعيين أكثر من شخص للنهوض بأمور الولاية؛ ليراقب كل منهما الأخر، وحتى لا ينفرد أحدهم بحكم الولاية، ويستقل بها عن دولة الخلافة، وكان من أشهر هؤلاء العمال رجل يدعى أحمد بن محمد بن المدبر، عامل الخراج، وكان قد عرف بسيرته السيئة، فحدث التصادم بينه وبين أحمد بن طولون.
وتعارضت مصالح كل منهما مع الآخر، كما كان هناك رجل آخر يدعى شقير الخادم، وهو عامل البريد، انضم لابن المدبر في عدائه لأحمد بن طولون، ولكن أحمد بن طولون بفضل حنكته، وذكائه استطاع التخلص من الاثنين، فاعتقل شقير الخادم، فمات في سجنه، وأما ابن المدبر فقد طلب ابن طولون من الخليفة المهتدي عزله عن الخراج وتعيين محمد بن هلال بدلًا منه، وكان ابن هلال صديقًا لابن طولون، ولما كان لبايكباك مكانة كبيرة عند الخليفة المهتدي، فقد استطاع إقناع الخليفة بتنفيذ طلب ابن طولون، وبذلك يكون ابن طولون قد تخلص من أعدائه في الولاية الجديدة، وقام بتثبيت أقدامه. - كان مما زاد من قوة نفوذ ابن طولون في مصر أن بايكباك قد قتل في بغداد، وتم تعين رجل يدعى يارجوخ ليصبح بذلك هو صاحب إقطاع مصر من قبل الخلافة، وقد فضل أن يكون ابن طولون نائبًا له في مصر، كما كان نائبًا لبايكباك، وكان مقربًا من ابن طولون فبعث له برسالة يثبته على مصر، وقال له: “تَسلَّم من نفسك لِنفسك”، وبذلك فقد أطلق يارجوخ يد ابن طولون في مصر بشكل كبير، فأخذ أحمد ابن طولون يعين عمالًا جددًا موالين له في مصر ليتمكن من إحكام قبضته على مصر.
- بعد وفاة يارجوخ، قرر الوالي العباسي المعتمد، تعيين ابن طولون واليًا على مصر مباشرة من قبل الخلافة، فأصبح ابن طولون بذلك الوالي المباشر لمصر، ولم يعد مجرد نائب. وبذلك أصبحت مصر إمارة طولونية في عام 259 هجريًّا.
الاستقلال عن الخلافة العباسية وقيام الدولة الطولونية
في عام 263 هجريًّا، طلب الخليفة من أحمد بن طولون أن يرسل له خراج مصر، فاعتذر له ابن طولون وقال له إن خراج مصر ليس بيده -وكان ابن طولون يريد بقوله هذا أن يجعل الخليفة يولي ابن طولون أمور الخراج ليحكم سيطرته على كافة الأمور في مصر المالية، والإدارية، والعسكرية- وبالفعل أقره الخليفة على الخراج، كما عينه أيضًا على الثغور الشامية، ليصبح بذلك صاحب مصر والشام، ولما أحس ابن طولون بمدى سيطرته على الأمور في مصر والشام قام بضرب الدينار الأحمدي، ليعلن بذلك استقلاله عن الخلافة العباسية، ليصبح بذلك مؤسس أول دولة مستقلة عن الخلافة العباسية في مصر .
موقف الخلافة العباسية من حكام الدولة الطولونية
كان أحمد بن طولون يجل ويحترم الخلفاء العباسيين، وكان يعتبر أن الخلافة هي السلطة الدينية الروحية التي تحفظ للبلاد وحدتها، وظل يقيم الخطبة للخليفة العباسي على منابر المساجد في مصر والشام، غير أن العلاقة بين العباسيين والطولونيون أخذت في التوتر شيئًا فشيئًا، وزاد من حده التوتر رغبة الأمير أبي أحمد طلحة -الملقب بالموفق طلحة- أخو الخليفة المعتمد، في إرجاع مصر والشام لسلطة الدولة العباسية، فهو يريد أن يحصل على خيرات مصر والشام، وكان مما زاد من نفوذ وسلطة الموفق طلحة هو نجاحه في القضاء على ثورة الزنوج التي قامت ضد الخلافة العباسية.
فانتدبه أخوه المعتمد للقضاء على الثورة، فبعد نجاحه ازداد نفوذه وسيطرته، واستولى على الأمور داخل الدولة دون أخيه المعتمد، بل وقام بعزله، فقام المعتمد بدوره بمراسله ابن طولون يطلب حمايته من أخيه الموفق طلحة، بل وقرر الفرار إلى مصر واتخاذها مقرًّا للخلافة، فقرر حبس أخيه، فحدثت بين ابن طولون صراعات طويلة لم يتغلب فيها أحد منهما على الأخر، حتى أن الموفق طلحة قد أمر بلعن ابن طولون على المنابر، غير أنهم اضطروا في النهاية إلى الهدنة والصلح، وكادت الخلافة العباسية أن تقر أحمد بن طولون ودولته في مصر، ولكن مات ابن طولون في تلك الأثناء.
الضعف والانهيار
وكانت بداية النهاية عندما تولى الحكم الابن الآخر لخماريه، وهو أبو موسى هارون، فكان صغيرًا، عمره أربعه عشر عامًا، فتولى الوصاية عليه أحد كبراء الدولة، وفي ظل هذه الأحداث قد فقدت الدولة الطولونية (طرسوس)، لصالح البيزنطيين، فثار أهل الشام على الطولونيين لفشلهم في الحفاظ على طرسوس، وفي ظل هذه الأحداث أرسل الخليفة العباسي المستكفي جيشًا إلى مصر من أجل إسقاط الدولة الطولونية، وبالفعل استطاع الجيش هزيمة جيش الطولونيين، فعادت مصر بذلك للدولة العباسية، بعد أن ظلت لمده ٣٢عامًا، دولة مستقلة عن الخلافة. فطويت بذلك صفحة الدولة الطولونية في مصر.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 20,905
ماذا تعرف عن الدولة الطولونية؟
link https://ziid.net/?p=94037