من هو الخليفة الذي كان ينظر للسحابة ويقول لها “أمطري حيث شئتِ فسوف يأتيني خراجك”

كان الرشيد يعرف بالخليفة الناسك، فقد كان يحج عامًا ويغزو عامًا، فقد حج تسع مرات، كما حج الرشيد ماشيًا، ولم يحج غيره ماشيًا، وفي العام الذي كأن يغزو فيه كان يجهز ثلاثمائة رجل بجميع كسوتهم ونفقتهم للحج. وكان عندما يحج يصحب معه العلماء والفقهاء. كما كان الرشيد يصلي في اليوم الواحد مائة ركعة، وكان كثير الصدقة من ماله الخاص، وكان من أكثر الناس تأثرًا بسماع المواعظ.

كان الرشيد محبًّا للعلم والعلماء، وكان يجل العلماء، ويقربهم، فيذكر أحدهم يدعى معاوية الضرير، أن رجلًا من القوم قام يصب له الماء، وهو لا يدري من هو، فلما سأله من أنت، رد عليه الرشيد بأنه الرشيد، فهو يفعل ذلك إجلالًا للعلم. وكان العلماء يبادلون الخليفة نفس الاحترام والإجلال، فكان الفضيل بن عياض يقول: “ما من نفس تموت أشد عليَّ موتًا من أمير المؤمنين هارون، ولوددت أن الله زاد من عمري في عمره”.

لذلك أصبحت بغداد في عهد الرشيد قبلة للعلماء، وطلاب العلم من كافة أنحاء العالم، كان من أشهرهم: (القاضي أبو يوسف، محمد بن الحسن الشيباني، عبد الله بن المبارك، الفضيل بن عياض، مالك بن أنس، الإمام الشافعي).

لما ذاع صيت الرشيد كافة أنحاء العالم، كانت يأتيه السفراء من كافة أنحاء العالم: الهند، والصين، وأروبا، من أجل طلب وده وصداقته، وكان من أشهر السفارات التي وصلت بلاط الرشيد سفارة شارلمان -ملك الفرنجة-.

بغداد في عهد الرشيد

كانت مدينة بغداد في عهد الرشيد تعد أعظم مدينة في العالم، -كانت تعرف بمدينة السلام- من حيث التفوق العلمي، والتفوق الحضاري، في وقت كانت فيه معظم إن لم يكن كل دول أوربا غارقة في براثن الجهل والتخلف؛ فنجد أن الرشيد قد أنشأ في بغداد (دار الحكمة) التي تعد بمثابة أول جامعة في تاريخ البشرية، وقام الرشيد بتزويدها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات، فأصبحت تحتوي على مكتبة عظيمة قد لا يضاهيها أي مكتبة في العالم سوي المكتبة الموجودة في قرطبة -عاصمة الدولة الأموية- في الأندلس.

كما تفوقت بغداد على مدن العالم من ناحية العمارة، فشيد فيها المساجد الكبيرة، والمقصورة الفخمة، وعرفت بغداد بحدائقها وبساتينها، وميادينها، فقد صممت بغداد وشوارعها بشكل كان يذهل كل العالم، فكان يأتي إليها السياح من كافة أنحاء العالم؛ ليشاهدوا مبانيها الفخمة وحدائقها الغناءة، وشوارعها النظيفة، فبغداد حاضرة العالم، وكان يأتي إليها التجار أيضًا فقد أضحت بغداد مركزًا تجاريًّا، حيث كانت تأتيها البضائع من الهند، والصين، وأفريقيا، وأروبا.

لما علم الروم قوة هارون الرشيد، ومواجهته المستمرة للروم قامت إحدى ملكات الروم وتدعي “أريني”، بعقد هدنة مع هارون الرشيد على أن تدفع له الجزية، وظلت هذه المعاهدة قائمة بين هارون الرشيد والروم، إلى أن جاء ملك جديد للروم يدعي نقفور، فنقض الهدنة مع هارون الرشيد، وبعث له رسالة، جاء فيها: “من نقفور ملك الروم إلى ملك العرب، أما بعد فإن الملكة إيريني التي كانت قبلي أقامتك مقام الأخ، فحملت إليك من أموالها، لكن ذاك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وافتقد نفسك، وإلا فالحرب بيننا وبينك”.

فلما قرأ هارون الرشيد رسالته، غضب غضبًا شديدًا، ورد عليه برسالة جاء فيها: “من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام”. وبالفعل قامت الحرب بين الرشيد ونقفور ملك الروم وكانت الغلبة فيها للمسلمين، بقيادة هارون الرشيد، فاضطر لعقد الهدنة من جديد مع هارون الرشيد. وقد اهتم الرشيد بالفتوحات الإسلامية بشكل كبير، واهتم بالأسطول الإسلامي، وقام بإنشاء دار لصناعة السفن، فعظمت هيبة الدولة العباسية في قلوب أعدائها، فلم يقرب أحد على محاربتها.

لماذا كان يقول للسحابة أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك