متلازمة الجثة المتحركة 

عام (1788م)، أبلغ ريتشارد بونيه عن حالة غريبة. أصيبت امرأة مسنة بشلل في جانب واحد من جسمها، وعندما عاد إليها الإحساس والقدرة على الكلام والحركة، طلبت من بناتها طلبًا غريبًا، لقد طلبت منهم أن يلبسنها كفنًا ثم يضعنها في نعشٍ، واستمرت تطالبهم بمعاملتها وكأنها ميتة حقًّا، واستجبْنَ لها والبسْنَها كفنًا ووضعْنَها في الخارج لإقامة الحداد عليها. استمرت العجوز في التذمُّر، فلون الكفن لا يروق لها، حتى نامت ثم أعادها بناتها إلى فراشها. عُوجلت المرأة بمسحوقٍ من الأفيون والأحجار الكريمة، واختفت هذه الأوهام، لكن النوبات لم تتركها، وكانت تحضرها كل بضعة أشهر.

بعد مائة عام من قصة السيدة العجوز، لاحظ طبيب أعصاب فرنسي يُدعى “جولز كوتار” مريضة تشكو من أمورٍ غير عادية، فقد ادَّعت بأنها لا تملك أعصابًا ولا صدرًا ولا معدة ولا دماغًا ولا أمعاء. كانت تعتقد بأنها خالدة وستعيش إلى الأبد. ولأنها خالدة ولا تملك أحشاء –من وجهة نظرها– فهي لا تحتاج إلى الطعام، لكن سرعان ما ماتت المسكينة من الجوع. وصف كوتار هذا الاضطراب وأسماه باسمه، وَهْم كوتار، أو متلازمة الجثة المتحركة.

متلازمة الجثة المتحركة

متلازمة الجثة المتحركة أو وهم كوتار أو الوهم العدمي، هو اضطراب نادر، يعتقد المريض خلاله بأنّ هناك أجزاء من جسمه قد ماتت أو تحتضر أو أنها غير موجودة على الإطلاق. عادةً ما يُصاب الإنسان به عند مروره بحالة اكتئاب شديد، ففي عام (2011م)، نُشرت بعض الأبحاث التي تؤكد وجود ارتباط وثيق بين الاكتئاب ووَهْم كوتار بنسبة تصل إلى (89%)، كما أنّ للاضطرابات الذهنية الأخرى مثل: الأمراض العقلية والحالات العصبية دور في ذلك.

ما أعراض الاضطراب؟

العدمية: يشعر المريض بأن لا معنى للحياة، ولا يوجد أي شيء له قيمة نهائيًّا. يشعر المصابون كما لو أنهم موتى أو متعفنون في مكانٍ بعيدٍ. هناك بعض الحالات التي يشعر فيها المرضى كما أنهم لم يكونوا موجودين من قبل. وهناك بعض المرضى يشعرون بأنّ أجسادهم ليست موجودة.

• القلق.
• الهلوسة.
• إيذاء النفس.
• المُراقّ.

من يُصاب بالمتلازمة؟

حتى الآن، لم يتوصل الباحثون لأسباب واضحة للمتلازمة، لكن تشير العديد من الأبحاث والدراسات إلى أنَّ متوسط أعمار المُصابين بالمتلازمة تصل لحوالي (50) عامًا. والنساء هم الأكثر عرضة له. لكن هذا لا يمنع احتمالية إصابة الأطفال والمراهقين. وُجِد أنَّ المصابِين بمتلازمة الجثة المتحركة تحت سن الخامسة والعشرين أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب ثنائي القطب.

قد ترتبط بعض الأمراض بزيادة فرصة الإصابة بوهم كوتار، مثل الإصابة بمتلازمة كابجراس، وهي تجعل المريض في حالة شك ممن حوله، ويعتقد بأنّ عائلته وأصدقاءه قد استبدلهم المحتالون بأشخاص مزيفين، وهناك بالطبع بعض المشاكل الصحية الأخرى التي قد ترتبط بشكلٍ ما أو بآخرٍ بوهم كوتار، مثل:

• الاكتئاب الذهاني.
• الاضطراب ثنائي القطب.
• الفصام.
• الكتاتونيا.
• اكتئاب ما بعد الولادة.
• اضطراب الاغتراب عن الماضي.
• اضطراب الشخصية الفصامية.

يرتبط وهم كوتار أيضًا ببعض الاضطرابات العصبية الأخرى، منها:

• السكتة الدماغية.
• شلل الرعاش.
• الصرع.
• الأمراض العقلية.
• الصداع النصفي.
• التهاب الدماغ.
• أورام الدماغ.
• السكتة الدماغية.

تشخيص المرض

عملية التشخيص صعبة إلى حدٍّ ما، حيث إنَّ أسباب المتلازمة غير واضحة حتى الآن -كما ذكرت- ولا يوجد معايير محددة لتشخيص المرض، حتى إنه من الصعب التعرف عليه، لكن غالبًا ما يتم تشخيصه بعد استبعاد الأمراض الأخرى المحتملة.

ماذا تفعل إذا أصابك الشكّ حول إصابتك بالمرض؟

ننصحك باستخدام دفتر يوميات، وتدوين ملاحظاتك اليومية عن الأعراض التي تحدث لك ووقت حدوثها ومدتها، ثم مراجعة الطبيب، وتعطيه ملاحظاتك. ستساعد الطبيب في تضييق دائرة الاحتمالات وتشخيص المرض بشكلٍ دقيق.

ما العلاج؟

أشارت إحدى المراجعات -صدرت عام 2009م- إلى أنَّ العلاج بالصدمات الكهربائية هو الأكثر فاعلية، حتى إنه كان العلاج الأكثر استخدامًا في الأمراض الأخرى المتعلقة بالصحة النفسية، مثل: الاكتئاب الشديد، وأثناء العلاج تمرّ تيارات كهربائية بسيطة خلال الدماغ لإحداث نوبات صغيرة، ويتم ذلك تحت التخدير العام. بالرغم من أنَّ الصدمات الكهربائية هي العلاج الوحيد لهذه الحالة، إلا أنّ له أعراضًا جانبية ضارة، مثل: فقدان الذاكرة والغثيان والارتباك وآلام في العضلات، لذلك يلجأ الأطباء لاستخدامها بعد فشل محاولات العلاج الأخرى، كمضادات الاكتئاب ومضادات الذهان، والعلاج النفسي والسلوكي ومثبتات المزاج النفسي.

مضاعفات المرض

يتسبب شعور المريض الدائم بأنه قد مات في حدوث العديد من المضاعفات، فمثلًا، قد يتوقف بعض المرضى عن الاعتناء بالنظافة الشخصية والاستحمام، اعتقادًا منهم بأنهم ميتون، وليسوا بحاجة إلى الاهتمام بذلك، مما يتسبب في ابتعاد الأشخاص حولهم عنهم. نتيجة لذلك، يشعرون بالعزلة والوحدة، ومن ثمّ الاكتئاب. هناك بعض الحالات التي يحدث لها مشاكل في الأسنان والجلد.

في بعض الحالات، يتوقف الأشخاص عن تناول الطعام والشراب، لأنهم يعتقدون أنَّ أجسادهم لا تحتاج إليها، فهم ميتون! ومع تطور الأمر والإصرار على عدم تناول الطعام، تحدث سوء تغذية ومجاعة شديدة. تنتشر حالات الانتحار بين المصابين بالمتلازمة، حيث يرى البعض منهم أنّ الانتحار وسيلة فعّالة لإثبات أنهم موتى، وليسوا أحياءً كما يُخيل إليهم، فهم يشعرون بأنهم محاصرون في الحياة التي تبدو وهمية بالنسبة إليهم.

التعايش مع متلازمة الجثة المتحركة

وَهْم كوتار أو متلازمة الجثة المتحركة، مرض عقلي نادر، إلا أنه يحمل خطورة كبيرة. من الصعب تشخيصه بسرعة، ومعالجة المريض بالعلاج الصحيح، فقد يستجيب المريض لعلاجٍ ما بشكلٍ جيدٍ سريعًا وقد يحتاج مريض آخر لمزيج من الأدوية، ليصبح العلاج أكثر فاعلية، وقد لا تفيد كل الأدوية المتاحة من الأساس، ويتبقى العلاج الوحيد، وهو الصدمات الكهربائية. إذا شعرت بأي أعراض لهذا المرض، عليك مراجعة الطبيب فورًا للاستماع إلى أعراضك وتشخيص المرض وعلاجه بشكلٍ سليم ودقيق.

إليك أيضًا

• هل سمعت عن متلازمة ألِيس في بلاد العجائب؟
• كيف تتجنب كمستقل متلازمة المحتال؟ (Imposter Syndrome)
• متلازمة الموت المفاجئ للرضع SIDS.. كيف تقدم المساعدة للأسر المتضررة؟