هل تمثل الموهبة الفطرية شرطًا حتميًّا للنجاح؟

ما مدى ذكاء أن تكون ناجحًا؟ ما مدى ذكاء أن تكون رجل أعمال ناجح؟ ما مدى جودة برنامجك التدريبي حتى تصبح رياضيًّا من النخبة؟ ما مدى الكمال الذي يجب أن يكون عليه برنامج فقدان الوزن لحرق الدهون؟

هذه أسئلة لا نطرحها على أنفسنا عادة، ولكنها مدمجة في معتقداتنا وأفعالنا حول العديد من مراحل الحياة. غالبًا ما نعتقد أن سبب عدم نجاحنا هو أننا لم نجد الإستراتيجية الصحيحة أو لأننا لم نُولد بالمواهب المناسبة. ربما هذا صحيح أو ربما هناك جانب آخر من القصة.

هل سمعت بقصة النمل الأبيض؟

في عام (1921م) كان هناك طبيب نفساني في جامعة ستانفورد يدعى (لويس تيرمان) الذي شرع في مهمة لإجراء دراسة بحثية لا مثيل لها من قبل، استمرت لسنوات عدة. بدأ هذا العالم بإيجاد أذكى (1000) طالب في ولاية كاليفورنيا بين الصف الثالث والصف الثامن وفقًا لقياس معدل الذكاء. بعد الكثير من الاختبارات والبحث، جمع عينة نهائية من (856) فتى و (672) فتاة. أصبح الأطفال يعرفون باسم “النمل الأبيض”.

بدأ تيرمان وفريقه في اختبار الأطفال بكل طريقة يمكن أن تتخيلها. قاموا بتتبع معدل الذكاء الخاص بهم، وتحليل عدد الكتب التي يمتلكها كل طالب في منازلهم وأخذوا تواريخهم الطبية. تم تتبع نجاح هؤلاء الطلبة طوال حياتهم كلها. بعد عقود، اكتشف الباحثون شيئًا مثيرًا للاهتمام.

نظريةُ العتبة

أفضل وصف للاكتشاف المفاجئ الذي جاء من دراسة تيرمان هو وصفٌ من قبل الباحثة والطبيبة في مجال الإبداع، (نانسي أندريسن) على أنه نظرية العتبة. “على الرغم من أن العديد من الأشخاص يواصلون مساواة الذكاء بالعبقرية، فإن الاستنتاج الحاسم من دراسة تيرمان هو أن الحصول على معدل ذكاء مرتفع لا يعادل كونه مبدعًا للغاية. عززت الدراسات اللاحقة التي أجراها باحثون آخرون استنتاجات تيرمان، مما أدى إلى ما يُعرف بنظرية العتبة، التي ترى أنه فوق مستوى معين، ليس للذكاء تأثير كبير على الإبداع. معظم المبدعين أذكياء جدًّا، لكن ليس لديهم أن تكون ذكيًّا، على الأقل وفقًا لقياس اختبارات الذكاء التقليدية [IQ]. معدلُ الذكاء (120) يشير إلى شخص ذكي جدًّا، ولكن ليس ذلك بشكل استثنائي، يعتبر بشكل عامٍّ كافيًّا للعبقرية الإبداعية”.

[تعرّف على مبدأ “التأثير التراكمي” مع د. أحمد الجنيد]

كونك في أعلى واحد بالمائة من الذكاء لا علاقة له بالإبداع الخيالي. بدلًا من ذلك، هناك حد أدنى من الذكاء الذي تحتاج إلى الحصول عليه، وبعد ذلك يتعلق الأمر بالكثير من الممارسة المتعمدة، وضع ممثِّليك وتطوير مجموعة مهاراتك.

نظرية العتبة في الحياة اليوميّة

إذا نظرت حولك، سترى أن نظرية العتبة تنطبق على أشياء كثيرة في الحياة. هناك حد أدنى من الكفاءة التي تحتاج إلى تطويرها في أي مسعى تقريبًا. ولكن بعيداً عن هذه العتبة، فإن الفرق هو بين أولئك الذين يقومون بالعمل وأولئك الذين يتشتتون. بمجرد أن يكون لديك فهم أساسي للأشياء الصحيحة التي يجب القيام بها، يصبح الأمر متعلقًا باتساق القيام بالأشياء الصحيحة في كثير من الأحيان. بمُجرد أن تفهم الأساسيات، يتعلق الأمر بعاداتك.

بعض الأمثلة…

• رفع الأثقال: بافتراض أنك حققت الحد الأدنى من الحد الأدنى وأنك تقوم بتمارين فعالة بشكل معقول، فإن التفاصيل لا تهم كثيرًا حقًّا. بمجرد تجاوزك هذه العتبة الأساسية، ما يهم هو هذا: هل تظهر في صالة الألعاب الرياضية وتضع ممثِّليك؟
  [هل استخدام هرمونات بناء العضلات سيئ أم جيد صحياً؟]
• الكتابة: بافتراض أنك تفهمُ المبادئ الأساسية للكتابة وأساسيات القواعد، فإن ما يحدد قدرتك على الكتابة بشكل جيّد أكثر من أي شيء آخر هو الكتابة كثيرًا. بمجرد الوصول إلى عتبة كتابة جملة لائقة، فإن الشيء الذي يؤدي إلى النجاح هو الكتابة أكثر.
  [لماذا يتوجب عليك أن تتخصص في مجال معين ككاتب مستقل؟]
• ريادة الأعمال: بافتراض أنك تعرف ما هو المقياس الأكثر أهمية لنشاطك التجاري، فإن ما يصنع الفرق الأكبر هو التركيز على هذا المقياس كل يوم. بمجرد تخطي العتبة الأساسية لمعرفة ما يجب العمل عليه، فإن أهم شيء هو الاستمرار في العمل على هذا الشيء وليس شيئًا آخر.

بالنسبة لمعظمنا، نحن نعرف ما يصلح ولدينا ما يكفي من المعرفة لإحراز تقدم. لا يتعلق الأمر بأن تكون أكثر ذكاءً أو أكثر مهارة، بل يتعلق بالتغلب على الإلهاء والقيام بالعمل الذي يعمل بالفعل.