لماذا نحتاج إلى العطلات والإجازات؟

نحتاج جميعًا لأخذ إجازات وعطلات من حين لآخر على سبيل الراحة وتغيير الروتين ونشعر أن الإجازة تنعشنا أكثر وتسعدنا دون أن نعرف السبب، إحساسنا بالسعادة بسبب الإجازات شيء فطري غير قائم على أي أدلة علمية، على الرغم من هذا فإن الجسم البشري بما فيه من عقل وروح ونفس يحتاج للإجازة من الناحية العلمية للعديد من الأسباب، وبدون إجازة مطلقًا يمكن أن تحدث العديد من الأشياء السلبية غير المتوقعة للجسم والتي سنتعرف عليها بالتفصيل فيما يلي.

هل هناك فوائد صحية للإجازات؟

بالطبع، حيث قامت العديد من الدراسات حول فوائد أخذ عطلة من العمل بعض الوقت، واكتشفت هذه الدراسات أن البقاء بعيدًا عن العمل بعض الوقت يمكن أن يكون له العديد من الفوائد، لا على صحة الجسم فقط بل من الناحية النفسية والعقلية أيضًا، حيث اكتشفت عدة دراسات أن الأشخاص الذين يأخذون إجازات من عملهم معرضون بصورة أقل للإصابة بضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية، كما أن صحتهم النفسية تتحسن وينظرون إلى الحياة من منظور إيجابي أكثر، ويتولد لديهم دافع قوي للاستمرار وتحقيق أهدافهم المخطط لها.

فوائد العطلات والإجازات للجسم البشري

مثلما قلنا فإن العطلات والإجازات لا تعود بالنفع على الجسم البشري من حيث درء بعض الأمراض فقط، إلا أنها أيضًا تساعد في تحسين الصحة النفسية والعقلية، وهذا ما سنتعرف عليه بالتفصيل فيما يلي أدناه:

فوائد العطلات لصحة الجسم

تقول العديد من الدراسات إن العمل المستمر والإجهاد يمكن أن يسبب زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، وقد نشرت صحيفة النيويورك تايمز أن كلًّا من الرجال والنساء العاملين الذين يأخذون إجازة كل عامين بدلًا من كل ستة أعوام تقل لديهم خطورة الإصابة بأمراض القلب مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية.

وفي دراسة حديثة قام فيها العلماء بتقسيم مجموعة من الأشخاص إلى مجموعتين، منها مجموعة لم تأخذ عطلة ومجموعة أخذت عطلة لمدة أسبوعين للسفر إلى عدة وجهات سياحية من بينها تايلاند المشهورة بمناظرها الخلابة، وبعد مرور أسبوعين عادت المجموعتين ليقيم العلماء تأثير الأمر عليهم، واكتشفوا أن المجموعة التي أخذت إجازة انخفض لديها مستوى ضغط الدم، وظهر لديها تحسن واضح في نوعية النوم، وقلّ خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وكذلك انخفضت مستويات التوتر بصورة ملحوظة، وقد وثق العلماء نتائجهم بالأرقام حيث قالو أن الأشخاص الذين سافروا قل ضغط الدم لديهم بنسبة (6) بالمائة مقارنة بالمجموعة التي استمرت في العمل، وحدث تحسن في نوعية النوم لديهم بنسبة (17) بالمائة مقارنة بالمجموعة الأخرى.

وفي دراسة أخرى قامت على (9000) رجل تتراوح أعمارهم بين (35) و (57) عام والتي أجرتها جامعة بيتسبرغ التي ظلت تراقب هؤلاء الرجال (9) سنوات، اكتشف الباحثون فيها أن هؤلاء الرجال معرضون للإصابة بأمراض القلب التاجية، والسبب أنهم لم يأخذوا إجازاتهم السنوية مما جعلهم أكثر عرضة للوفاة بسبب النوبات القلبية بنسبة (32) بالمائة أكثر من الأشخاص الذين يأخذون إجازاتهم بانتظام.

أيضًا، فإن أخذ الإجازات والعطلات تساعد في تعزيز جهاز المناعة وبالتالي زيادة قدرة الجسم على زيادة مكافحة العدوى، كما أنها يمكن أن تساعد في الوقاية من الإصابة بالشيخوخة وعلامات تقدم العمر، حيث إن الاسترخاء والعطلات والإجازات والنوم الجسد يساعد في تجديد خلايا الجسم، وهذا يساعد في حمايتك من الشيخوخة المبكرة.

فوائد العطلات لصحة العقل

العطلات والإجازات ليست مهمة فقط لصحة الجسم والوقاية من الأمراض الجسدية، إنما هي مهمة بنفس القدر للصحة العقلية، فالعمل والضغط المستمر فيه دون توقف يؤدي لزيادة هرمون التوتر الذي يطلق عليه الكورتيزول”، هذا الهرمون يؤدي إلى حدوث تغيير في بنية الدماغ بحسب ما اكتشف علماء الأعصاب، وهذا بدوره يتسبب في زيادة فرص الإصابة بالقلق والاكتئاب، ويقول الباحثون إن أخذ العطلات والإجازات يساعد في التقليل من التوتر، وهذا يساعد في تعزيز شفاء العقل والجسم على حد السواء.

أيضًا فقد اكتشف الباحثون أن العاملين يكونون أكثر إنتاجية وكفاءة حينما يعودون من الإجازات، وقال الباحثون إن عدم أخذ الإجازات والعطلات يؤدي إلى تغيير في الدماغ الأمر الذي يساهم بدوره في تثبيط الرغبة بالاستمرار نحو تحقيق الأهداف، أيضًا فإن أخذ إجازات وعطلات يحمي من التسبب بمشاكل في الذاكرة، وبالتالي فإن الانتظام في أخذ العطلات يساعد في زيادة قوة العقل والتركيز وعمل الدماغ بصورة صحيحة.

وتقول الأبحاث العلمية إن الإجازات التي نأخذها للذهاب للبحر تعمل على دماغنا بنفس الطريقة التي يعمل بها التأمل، حيث تقول مدربة الحياة كارول جاكسل إن سماع صوت الموج في العطلات يمكن أن يساعد في تجديد خلايا العقل والجسم ويؤثر إيجابيًّا على الذهن، ويساعد التعرض للماء المالح على تنظيف الجسم والعقل والتخلص من السموم.

فوائد العطلات لصحة النفس

تؤثر العطلات والإجازات أيضًا على الصحة النفسية، حيث اكتشفت دراسة قامت بها وزارة الصحة في ولاية أريزونا إن النساء اللواتي أخذن الإجازات من عملهن كن أكثر رضًا وتقبلًا وسعادة بحياتهن الزوجية، كما اكتشفت عدة دراسات أخرى أن العطلات والإجازات التي يشملها وقت كافي من الاسترخاء تساعد في تقليل خطر الإصابة بالإرهاق، وهذا يساعد العاملين على أن يكونوا أكثر انسجامًا وإنتاجية.

وفي عدة أبحاث اكتشف الباحثون أن عملية التخطيط للعطلات يزيد بصورة واضحة من الشعور بالسعادة، حيث أكدوا أن الأشخاص الذين يخططون للإجازات يمكن أن يشعروا بالسعادة قبل (8) أسابيع من موعد الرحلة، ويقول جيسون جودسون عالم النفس في جامعة يوتا أن العطلات والإجازات وما يرافقها من ضحك وسعادة يمكن أن يؤثر بصورة إيجابية على مشكلة الاكتئاب.

التأثير السلبي للعمل المستمر

إن التوقف عن أخذ الإجازة أو العطلة يمكن أن يكون له العديد من التأثيرات السلبية، حيث يمكن أن يؤدي الإرهاق في العمل إلى عدد من المشاكل الصحية، ففي دراسة قامت على (600,000) شخص من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا اكتشف الباحثون أن من يقوموا بالعمل لمدة (55) ساعة فأكثر في الأسبوع يكونوا أكثر عرضة للإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة (33%)، ويرتفع لديهم خطر الإصابة بالنوبة القلبية بنسبة (13%) أكثر من الأشخاص الذين يعملون من (35 إلى 40) ساعة على الأكثر في الأسبوع.

كما قام مجموعة من خبراء الاقتصاد بعمل دراسة حسابية وجدول زمني قاسوا فيها مستوى الإنتاجية للعمال في المصانع الذين يعملون أكثر من (48) ساعة في الأسبوع، واكتشفوا أن العمل لأكثر من هذه المدة يؤدي إلى انخفاض نسبة الإنتاج، ويصرح الخبير الاقتصادي في جامعة ستانفورد جون بينكافيل أن النسبة يمكن أن تختلف قليلًا من مهنة لأخرى.

كما صرحت ديبورا مولهيرن العالِمة النفسية الإكلينيكية أن البعد عن الاسترخاء والعطلات والاستمرار في العمل والضغط يجعل الجسم يعاني من صعوبة في الاسترخاء، وهذا يمنع الجسم من عملية إعادة الترميم التي يحتاج أن يقوم بها في فترة الاسترخاء، وهذا يتسبب في ضعف الروابط العصبية ويزيد من الشعور بالإجهاد. بل وقد وجدت العديد من الدراسات أن أخذ العطلات والإجازات لا يتسبب في حياة أكثر صحة فقط، بل إنه يساعد الأشخاص على الحياة لفترة أطول.