كيف حطمت المستحيل لثلاث مراتٍ على التوالي؟!
أن تؤمن بشيء وتسعى لتحقيقه هو أعلى قمة للسعادة، خاصة عندما تصل إلى هدفك وتشعر بالتحقق وبالفخر بنفسك أنك قررت وسعيت وأخيرًا وصلت
add تابِعني remove_red_eye 29,579
في حياة جميع البشر قصص ملهمة؛ ولأننا لا نفصح عنها أصبح العالم مكانًا موحشًا ومخيفًا، وبما أن منصة “زِد” تصبو إلي نشر التجارب الملهمة سأتجرأ وأسرد لكم كيف حققتُ المستحيل خلال الثلاثة عقود التي مضت من حياتي.
المستحيل الأول
بعد بلوغي عامي الثالث أصبت -وفقًا لما سرده لي أبويَّ- بكهرباء زائدة في المخ مع حُمّى، وقتها عرضني والدي علي دكتور ذائع الصيت في منطقتي؛ لكنه شخّص حالتي على أنها “ثلاسيميا”-أنيميا البحر المتوسط- ونصحهم بضرورة التوجه لمستشفى أبو الريش لنقل الدم، إذ إن حياتي المقبلة لن تخلو أبدًا من عملية نقل الدم بصفة مستمرة.
مرت السنوات ودخلت المرحلة الابتدائية، أصابني في أحد الأيام تسممّ غذائي، فذهبت لحجرة الطبيبة في المستشفى، تجمع أغلب أساتذتي في حجرة الطبيبة للاطمئنان علي صحتي، وإذا بها تخبرهم -أمامي- أني سأعيش عمري بهذا المرض المزمن ولا سبيل لي سوى نقل الدم طيلة حياتي، وقتها تمسكت بيقين تام أن الشفاء بيد الله وحده وستمرّ عليّ سنوات دون أن أنقل قطرة دم واحدة.
وبالفعل جاءت تلك السنوات، فحينما وصلت للجامعة وتحديدا السنة الثانية، أخبرني طبيبي أن هناك دواء يباعد فترات نقل الدم، ولن أضطر لنقل الدم كل (15) أو (20) يوم بعد الآن، تمسكت بهذا الأمل حتى جاءت المفاجأة من أكبر طبيبة تعالج مرضي في مصر، ذهبت إليها لمناقشة الدواء الجديد فأخبرتني أنه تم تشخيصي بالخطأ على أني حالة ثلاسيميا، ولم يكن يجدر بي نقل الدم طيلة تلك السنون، لكن الأوان قد فات بالفعل، لهذا أخذت التحاليل الخاصة بي وأعطتني الجرعة اللازمة من الدواء الجديد.
أتذكر حينها أني قلت لأبي وأمي:
من الآن فصاعدا أنا علي يقين أني لن أنقل دم مرة أخري، ودعوت “اللهم ارزقني حسن الظن بك وصدق التوكل عليك”
ولله الحمد مرت ما يقرب من الخمس سنوات دون أن أذهب لنقل الدم، نَعَمْ، انتكست أكثر من مرة فيما بعد واضطررت لنقل الدم مجدداً، إلا أن مرور (5) سنوات دون نقل دم، أصبح بالنسبة لي المستحيل الذي لم يتوقع حتى الأطباء أني بفضل الله قد أحققه في المستقبل القريب.
المستحيل الثاني
بالظروف التي سردتها في المستحيل الأول لم يتوقع أبي وأمي أني سأكمل مشواري في التعليم، بل أحيانًا كانوا يفضلون مكوثي في البيت عوضًا عن ذهابي للمدرسة، خوفًا من أن يصيبني مكروه، وكان هذا أول قرار مصيري أتخذه في حياتي، وهو أن أخيب ظن الجميع، بداية من أبوي ووصولاً لأصدقائي ومن يشفق علي بسبب مرضي.
قررت أن أتحداهم جميعًا وأثبت لهم أن مرضي ما هو إلا مجرد دافع قوي للنجاح، وكلما “استصغروني واستضعفوني” زادت عزيمتي كي أنجح أكثر، وبالفعل أصبحت متفوقة جدًّا في دراستي، حتى دخلت المدرسة الأولى على مستوى منطقتي في المرحلة الإعدادية والثانوية. لم أضحّي بأي سنة من عمري في مراحل التعليم، كنت دائمًا ما أقول لنفسي وأحذرها، لقد دخلتِ المرحلة الابتدائية وعمرك سبع سنوات بخلاف أقرانك ممن دخلوا المدرسة في السادسة من عمرهم، لم أعتب على بلدي في هذا النظام العجيب الذي حرمني من دخول المدرسة في عمر السادسة لمجرد أني من مواليد شهر ديسمبر، لكن عزمت على نفسي بضرورة تجاوز كل المراحل حتى نهاية الجامعة دون أن أرسب وأعيد السنة.
حتى وصلت لــ”ثالثة ابتدائي” حينها أَعْياني المرض بشدة على مشارف امتحانات آخر السنة، أصرت والدتي علي تجاوز الامتحانات وإعادة السنة؛ لكني عارضت الفكرة تمامًا وألححتُ على الذهاب للامتحانات، أتذكر جيدًا أني كنت أستيقظ لا أدري شيئًا عن الدنيا سوى أنها كانت تدور بشدة من حولي، كان دُوارًا شديدًا لدرجة أني أشعر الآن بنفس تلك الأعراض التي شعرت بها حينذاك، سبحانه وحده من كان يعلم كيف ذهبت بتلك الحالة للامتحانات، ومن هنا تأكدت أنه إذا أردت أن تفعل شيئًا بشدة وآمنت أن الله لن يخذلك، تأكد يقينًا أنه لن يخذلك.
المستحيل الثالث
من سلامة العقيدة أن تؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره، وهكذا بدأت رحلة المستحيل الثالثة في حياتي، مما سبق لا شك أن الجميع يتوقع ما هو حلمي بعد إنهاء المرحلة الثانوية، بديهي أن أرغب بعلاج الأطفال التي قد تعاني مثلما عانيت، وهذا هو ما أردته بشده، أن أصبح طبيبة أو أن أصير باحثة لاختراع حقن مخدرة من أجل الأطفال كي لا يتألمون.
كبر الحلم بداخلي وتخيلته، وعشقت العلوم والكيمياء وأيّ شيء سيوصلني لحلمي، لكني في ثانية ثانوي جاءتني “رؤية” أني أوجه أحد المصورين لالتقاط صور الكواكب والنجوم ،كانت السماء في الحلم بديعة الجمال أجمل من صورتها أثناء قوس قزح والشفق القطبي، استيقظت وسردت الحلم على والدتي فأخبرتني أني لن ألحق بكلية الطب وربما سأدخل كلية العلوم أو سأسافر للعمل في ناسا لدراسة الفلك ،قلت لنفسي لله الأمر من قبل ومن بعد، وبسبب انتكاسة صحية قبل امتحان الكيمياء والرياضيات في ثانية ثانوي حصلت علي (85 %) فقط في المرحلة الأولي من الثانوية العامة.
أصيبت والدتي بخيبة الأمل لأول مرة في حياتي، خاصة وأنها عانت معي أشد العناء ذهابًا وإيابًا للمدرسة والمراجعات، لم أجد مفرًّا من تلك النتيجة البائسة سوي تحويل مساري من علمي لأدبي، تأكدت أن الله فعل ذلك لحكمة عظيمة، مرت ثالثة ثانوي وجاء يوم نتيجة الاختبارات، أتذكر وقتها أن أمي رفضت تصديق نتيجتي، بعد أن جاءها أخي بالخبر وقد حصلت علي (203) درجة من أصل (205) درجة.
أخي أخبرها: “ابنتك حصلت على (99.9%) لم تنقص إلا درجتين فقط علي الدرجة النهائية” وهكذا دخلت كلية الإعلام وأصبحت كاتبة وصحفية، وتحققت الرؤية حينما حضرت مؤتمرات نادي القضاة ومهرجانات القاهرة السينمائية ،وأجريت لقاءات مع الفنانة نهال عنبر وأحمد ماهر وغيرهم من فناني مصر.
حينها فقط تأكدت أني سأصبح أكثر إفادة للبشرية من كوني دكتورة عاطفية قد تحول عاطفتها وشفقتها على المرضي دون تشخيصهم بصورة صحيحة والعناية بهم جيدًا، ومن تجارب المستحيل السابقة تأكدت أني كلما أردت شيئًا وسعيت لأجله واستعنت بالله لتحقيقه، أعلم يقينًا أني سأحققه، وإذا لم أوفق وحال قدري دون ذلك، وقتها سأعلم أن ما يخبئه الله لي هو أفضل بكثير مما كنت أتمناه.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 29,579
هل جربت من قبل أن تضع إيمانك كله في تخيل شيء مستحيل حدوثه؟ تجربة ملهمة ورائعة
link https://ziid.net/?p=49294