نساء منحنهن الأدب أصواتًا (قراءة في رواية 10 دقائق و 38 ثانية)
العالم قادر علي تحطيم أرواحنا، ودفعنا نحو كره ذواتنا وجلدها، دون حتى أن يتكبد عناء الاعتذار.
add تابِعني remove_red_eye 11,914
في مقال سابق بعنوان روايات عالمية تخبرنا كيف جسد الأدب عناء المهمشين، وضحت كيف جعلَنا الأدب نعرف أن معاناتنا لم تعد معاناة فردية، وأن المنى التي تشعرنا بالوحدة والعزلة، ليست عارًا يجب التملص منه، فهناك طريقة سحرية للأدب يستطيع بها إظهار تلك الهشاشة بعيدًا عن خجلنا المفرط تجاهها.
الأدب كنافذة صوت
في رواية 10 دقائق و 38 ثانية في هذا العالم الغريب للكاتبة التركية أليف شافاك، تتحدث عن نساء يتحاشاهم المجتمع والناس، وكأنهم على حافة الاشياء. فهناك بعيدًا عن نطاق رؤيتنا المحدودة، تتجول أرواح وحيدة، مسكونة باليأس والعجز، فيأخذنا الأدب ناحيتها لنلقي نظرة على عالمها المضطرب.
ففي الرواية تخبرنا أليف وقائع ليست من نسج الخيال، وإنما من صنع الواقع العنيف تجاه نسوة رمتْ بهن الظروف إلى براثن العمل بالجنس وقسوة المدينة الكبيرة. فتستعرض الكاتبة من خلال روايتها البديعة العواملَ النفسية والاجتماعية التي أدت بتلك النسوة للهرب من أهلهن ومعارفهن، لتبتلعهن مدينة إسطنبول، لينتهي بهن المطاف وحيدات في مقبرة الغرباء المنسيين.
ما بين ماضٍ معقد وابتسامات مرة
المجتمع يكنّ للنساء بشكل ضمني شيئًا من الاحتقار، فمثلا في الديانة اليهودية يعتقد بأن حوّاء هي مَن أخرجت آدم من الجنة، فتعتبر هي الخطيئة الأولي، والسبب الأول والأزلي لشقاء الإنسان، ومن هنا تخطى الأمر حدود الاعتقاد حتى ترسخ لسلوك اجتماعي تجاه المرأة، برغم دعوة الأديان لما يناقض ذلك السلوك وينفيه، إلا أنه اجتماعيًّا وعلى مرّ العصور، كانت تعامل المرأة وكأنها كائن أدنى، ففي عام (586) ميلاديًّا، أقيم مؤتمر في فرنسا يناقش هل النساء كائن بشري أم لا.
وبرغم المجهود الكبير المَبْذول خلال القرن المنصرم ليكسر شيئًا من حاجز الاحتقار هذا، إلا أنه سلوك مازال يمارس تجاه النساء حتى الآن.
في الرواية تسرد الكاتبة، الظروف التي مرت بكل شخصية دفعتها في النهاية إلى الهرب حتى وصلت للعمل في مجال الجنس. فمثلًا حميرا الفتاة ذات الخامسة عشر التي عزمت على الترهبن كراهبات الدير الذي نشأت بجواره، أجبرت على الزواج من رجل يكبرها بأعوام لتصبح بين ليلة وضحاها زوجة تتلقى أسوأ معاملة من زوجها وأقاربه، ليطفح بها الكيل بعد عدة سنوات وتقرر الهرب إلى إسطنبول، تلك المدينة الشاسعة التي تحوي الكل، ثم يحملها الجهل والتيه للعمل في الملاهي الليلية وخلافه من البيوت سيئة السمعة.
فكم فتاة نعرفها أو سمعنا عنها تشبه حميرا؟ غير أن أغلبهن لم يتركن بيوتهن، بل عرفنا أن لا مفرّ، فتقبلن الإهانة والعيش بتعاسة، ولا يفتر ثغرهن إلا على ابتسامات مرة.
بهجة مجانية في عالم مجنون
(أن تعتقد أنك في مكان آمن، فذلك لا يعني أنه المكان المناسب)
تقول شافاك في روايتها، إذا كان القدر رحيم بك فسيمنحك عائلة دافئة تهبك كل الحب، أما إذا لم تنل نصيبك من ذلك الحظ، فلعلّ قدرك أفضل مع عائلتك الأخرى (الأصدقاء) والتي تكونها بالوقت والمواقف والمشاعر لتصبح هي عائلتك الحقيقية، والقادرة على معالجة ألمك والخدوش التي تركتها الحياة واضحة في ملامح وجهك وروحك.
الرواية تستعرض نوعًا من الصداقة الرائعة التي لم أجربها حتى الآن ولم يحظ بها الكثيرون غيري على أقرب الظن. فهي صداقة نشأت بين ستة أصدقاء، رمتْ بهم الظروف والعائلة في طريق بعضهم بعضًا، ليكونوا أفضل وأكثر حنانًا ولطفًا من عائلاتهم البيولوجية.
نساء الظل
(إذا كانت الحياة سباقًا، فيتعين علينا الانتهاء منها سريعًا)
في الرواية خمس نساء من مختلف الخلفيات الثقافية والبيئات الاجتماعية، بل أيضًا من أماكن جغرافية مختلفة. فليلى على سبيل المثال بطلة القصة فتاة تركية من بلدة صغيرة لأب مسلم ملتزم، وأم تلقبها بالعمة وعمّ أقبح ما يمكن لبشر أن يكون عليه. لتختفي ليلي من بلدتها الصغيرة بمساعده صديقها الودود، لتذوب في أحضان إسطنبول المجنونة.
أما “نالان” المتجذرة من عائلة ريفية ثرية، تتحول جنسيًّا إلى امرأة، نعرف من خلالها نظرة المجتمع ونبذه للغرباء والمتحولين جنسيًّا، وقسوته في التعامل معهم. وجميلة الصومالية التي رماها تمزق الأسرة والوطن في أوهام الأكاذيب، فسافرت إسطنبول كخدمة، لتجد نفسها تباع في تجارة الجنس رغمًا عنها. أما زينب اللبنانية المصابة بقصر القامة، تسافر إلى إسطنبول كمحاولة لإيجاد حياة كريمة وطبيعية، لتفاجأ بأن الشرّ هو الشرّ في كل مكان. ثم حميرا الهاربة من ذويها بعدما احتلت الندوب أماكن واضحة في جسدها.
خمس نساء، تحدث الأدب عنهن بصوت مرتفع ليصرخ في وجهنا أن العالم مليء بليلى ونالان وحميرا وغيرهم، وبأننا هنا نقف عاجزين لنشاهد في صمت، ونرمي في وجههم أقذع الألفاظ.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 11,914
قراءة في رواية 10 دقائق و 38 ثانية
link https://ziid.net/?p=68959