الملهاة الفلسطينية ملحمة روائية تاريخية بقلم إبراهيم نصر الله
أبدع الكاتب في رسم صورة عظيمة للفلسطيني المقاوم بإنسانيته ففكره ثم سلاحه بأسلوب سردي مثير وجاذب حتى آخر سطر في الرواية
add تابِعني remove_red_eye 833
الملهاة الفلسطينية: هي ملحمة روائية تاريخية كتبها المبدع إبراهيم نصر الله لما يقارب إحدى عشرة رواية جسَّدتْ حقبة زمنية منذ نهاية العهد العثماني مَرُّوا بعام 1948 وما بعده في فلسطين، كشف فيها عن بطولات مشرِّفة لأبناء هذا الوطن حيث استدل على ذلك من خلال الشهادات الحية وبعض الكتب والأبحاث التي وثقت الأحداث حينذاك؛ ردماً لما قاله بن غوريون ذات يوم “سيموت كبارهم وينسى صغارهم”، لقد مات كبارهم نعم ولكن ترسخت التضحية والفداء وحب الوطن في قلوب الصغار وأصبح الثأر من هذا المحتل الغاصب لزامًا عليهم متأصلًا في نفوسهم.
لطالما حازت فلسطين على اهتمامي الكبير في قراءتي للروايات والكتب، لذا هنا موجز قصير لأول روايتين من سلسلة الملهاة الفلسطينية التي خطَّها الكاتب الرائع إبراهيم نصر الله عن تاريخ فلسطين لحقب زمنية مختلفة بدأها منذ العهد العثماني في إطار روائي سردي مثير ومشوِّق.
أولًا: قناديل الملك الجليل
حينما فرغت من قراءة زمن الخيول البيضاء خيل إليَّ أنني لن أجد رواية بجمال أحداثها وقوة حبكتها وروعة الوصف فيها وإذ بقناديل الملك الجليل تقع بين يدي ضوء ومنارة وددت لو سابقت الزمن وصولا إليها…
وهنا مفارقة بسيطة للتوضيح عزيزي القارئ، أولا رواية قناديل الملك تسبق رواية زمن الخيول من حيث تسلسل الأحداث التاريخية على الرغم من عدم وجود رابط حقيقي في تسلسل الأحداث السردية وكوني حينما بدأت القراءة بدأت بزمن الخيول، فارق آخر وهو أنَّ أحداث قناديل الملك هي وقائع حقيقية لشخصيات حقيقية كما أوضح الكاتب بينما زمن الخيول شخوصها وأحداثها مستوحاة من خيال الكاتب وكلا الملحمتين تشيران لاتجاه واحد وهو فلسطين.
تناولت الرواية طموح وتطلعات وتضحيات ظاهر العمر الزيداني وهو أحد حكام فلسطين في العهد العثماني حيث اقتصر حكمه في بادئ الأمر على صفد الواقعة شمال غرب طبرية، ثم ما لبث أن قام بتوسعة نفوذه وسلطته على البلاد كافة.
“دائمًا سيكون هناك ما هو أهم وأغلى من دمنا، هذه البلاد”، بهذه العبارة التي كررها الزيداني في حياته أود أن أفتتح الحديث عنه، تميز الزيداني بحنكته وقوته النفسية في مواجهة خصومه، والتي من خلالها استطاع أن يحقق انتصارات كثيرة وأخضع المدن الفلسطينية لسيطرته بعد أن عانت اضطهاد من بعض الحكام التي كانت الدولة العثمانية قد عينتهم فعاثوا فسادا، بنى الزيداني تحالفات عديدة لتوسعة نفوذه كما قام بتكوين جيش شيئًا فشيئًا ليصبح ممتدًّا على طول الدولة مما ساهم في سيطرته على كل الموانئ التجارية بين فلسطين وباقي الدول آن ذاك، وبذلك أنعش التجارة والاقتصاد وأسس علاقات قوية متينة.
ومن أبرز الاقتباسات التي عنونتها من الرواية:
- “الذكريات هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يتغلب به البشر على الزمن لأنهم يؤكدون لأنفسهم بها أنهم لم يكونوا مجرد عابرين لهذه الحياة”.
- “الذي تستطيع اللحاق به ماشيا، لا تركض خلفه”.
- “أصعب ما يمكن أن يجد المرء نفسه غارقا فيه، اضطراره لتفسير شيء لا يستطيع أن يفسره حتى لنفسه”.
- “هذه الحرب لن تستطيع إغلاق طريقنا إلى المحبة”. والقائمة تطول حول الاقتباسات الآسرة.
برزت بعض السمات الرائعة في شخصيته من خلال عدة مواقف كما ذكرها نصر الله، أهمها:
1- التسامح
برزت في شخصيته تسامحه وعدله مع الجميع بغض الطرف عن دينه، كما لوحظ فترة حكمه تشييد العديد من المساجد والكنائس والمعابد الدينية ويستحضرني هنا قوله لأخيه سعد حينما تلاسن معه واختلفا: “والله يا سعد لو وقف بباب قلبي رجلان، رجل عادل من أي مذهب أو ملة أودين ومسلم ظالم، لأسكنت الأول قلبي وطردت الثاني”.
موقف آخر: وهو من أكثر المواقف التي احتلت قلبي وودت لو عاصرت زمن الزيداني لأقابله، مجمل الحث أن ظاهر تزوج بفتاة تدعى سلمى من قبيلة معروفة لكنها كانت تحب ابن عمها غيث وقد كان الأخير يتردد على بيت ظاهر فقط ليراها وحينما أمسكه ظاهر وعلم بالقصة حررها.
2- الذكاء والفطنة
عندما أراد الزيداني أن يخبر إذا ما حل الأمان على أهل الجليل أمر أمة ندمة أن تحضر أجمل فتاة في كل الجليل، وألبسها أفضل الثياب وشتى أصناف الحلي والذهب، وأمرها أن تلف كل حارات الجليل ثم تعود ليرى إن كان حقًّا ساد الأمان والسلام على المكان أم أنَّ هناك من ما زالت تسول له نفسه لينهب ويسرق ويفسد.
3- الفعل أبلغ من القول
وتجلى ذلك في حديثه: أنا لا يعنيني ما تؤمن به يعنيني ما الذي يمكن أن تفعله بهذا الإيمان تبني، أم تهدم تظلم، أم تعدل تخلص، أم تخون تسلب، أم تمنح، تنشر الأمن أم تطلق وحش الخوف يلتهم قلوب الناس؟
4- التضحية
وذلك حينما تم قتل أخيه يوسف قال: “دائما سيكون هناك ما هو أهم وأغلى من دمنا، هذه البلاد”، ففي سبيل نهضة الوطن وليحل السلام والطمأنينة لا بد من تضحيات ودماء تراق.
رأي: الرواية زاخرة ومليئة ولا يمكن أن أجملها بملخص قصير كهذا فهي تحمل كما كبيرا من التاريخ والأحداث والوقائع الحقيقية التي حدثت مشبعة بالوصف البديع وبأسلوب سردي بليغ للرائع إبراهيم نصر الله.
ثانيا: زمن الخيول البيضاء
وددْتُ لو باستطاعتي تسميتها بالمراجعة الجديدة لكنها أكبر من ذلك أعمق من أن يُقال عنها مراجعة، هي زمنٌ حافل وأسطورة لن يسعني خطُّها في بضعِ سطور …
أبرز الاقتباسات التي أثارت إعجابي:
- “أنا لا أقاتل كي أنتصر، بل كي لا يضيع حقي”. الشيخ خالد بطل الرواية
- “احرصوا على ألا تهزموا إلى الأبد”.
- “لا يمكن لأحد أن ينتصر إلى الأبد، لم يحدث أبدًا أن ظلت أمة منتصرة إلى الأبد”.
تضمنت الرواية ثلاثة فصول وهم: الريح، التراب والبشر.
تحدث الكاتب عن عائلة الحاج محمود وابنه خالد منذ صغره وحتى صباه تعلقه بالأرض وحبه الشديد للأحصنة تجسد ذلك من خلال لقائه بالمهرة الأصيلة“ الحمامة ” فعلى حد قولهم أنّ من تعرفه الخيل لن يجهله الناس، كذلك ناقش الكاتب عادة لطيفة ومضحكة كانت متوارثة لمن أراد الزواج من الشباب بأن يقوم بكسر صحون البيت كطريقة لإخبار أهل البيت بمراده، دامت أحداث هذا الفصل بين الشاب خالد والحمامة وكيف توطدت العلاقة بينهم ومن ثم زواجه الذي لم يدم طويلًا حيث توفيت زوجته الأولى في السنة الأولى من زواجه، ما لبث أن أحب فتاة الحقل ياسمين
زمن الخيول البيضاء رواية بتصوير ووصف دقيق وعميق بشهادات حية لما حل بفلسطين منذ نهاية حكم الأتراك لفلسطين مرورًا بالاحتلال البريطاني وحتى سيطرة عصابات الصهاينة عليها عام 1948…
نسج الكاتب خيوط روايته بأحداث مليئة بإثارة الحروب، القتال والمقاومة، مقاومة أبناء الوطن وتضحياتهم داخل إطار تخيلي لإحدى قرى فلسطين أسماها “الهادية” ولماذا الهادية بالذات؟ لأنَّه في مكان كهذا وصفاء كهذا وامتداد لا يعوق البصر ولا البصيرة يمكن أن يكون المرء أكثر قربًا إلى الله
ركزت الرواية على أحداث وتفاصيل كثيرة أبرزها شخصية الشيخ خالد المقاوم والمناضل وعلاقته الوطيدة بأرضه وخيله “الحمامة” وتفاصيل كفاحه على مر زمان حياته، إنسانيته ورحمته، معاملته اللطيفة مع الجميع ثم هيبته ووقاره، ارتجالهُ في المعارك أمام العدو وغيرها الكثير من المواقف المشوِّقة المُحَببة للقلب.
رأي: أبدع الكاتب في رسم صورة عظيمة للفلسطيني المقاوم بإنسانيته ففكرهِ ثم سلاحه بأسلوب سردي مثير وجاذب حتى آخر سطر في الرواية، ففيها تمثيل وتجسيد لواقع الفلسطيني قديماً والآن المرير الممزوج بروح النضال والصمود والتضحية، وما تجرَّعهُ من قتل، وتهجير، وتنكيل، وتدمير.
إنَّ هذه السلسة تحمل ما يقارب سبع روايات هنا تلخيص لاثنتين فقط وهما غيض من فيض وما زال في جعبة الكاتب الكثير لربما يسعني الحديث عنها وتلخيصها في مقالات أخرى.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 833
ملحمة روائية مثيرة لفضول القارئ حول فلسطين في عدة أزمنة متتابعة .. في قرأة جديدة كليًا
link https://ziid.net/?p=98606