الأمور المدهشة في كتاب الغابة
حياة المدينة لا تخلو من الهموم والأحزان وتحجب عنا الانطلاق بالأفراح
add تابِعني remove_red_eye 9,051
قراءة الكتب والروايات لها أوجه عدة بالفائدة التي تعود علينا منها، فالبعض يراها مجرد قراءة وتثقيف، وربما آخرين يصفها بالمتعة والاطلاع التي من خلالها يعايش الكاتب بخياله الإبداعي. بالنسبة لي مجرد إمساكي للكتاب أو الرواية، يجعلني أسرح بعالمه الخاص وأصبح بانسجام تام، أعيش معه الأحداث وكأنني جزء أساسي من القصة أو الرواية. ومن الكتب التي لها الأثر البالغ والمتعة المميزة هو كتاب “الغابة” للدكتور مصطفى محمود (27 ديسمبر 1921 – 31 أكتوبر 2009)، فيلسوف وطبيب وكاتب مصري.
1. بداية الرحلة تنجانيقا
بدأ رحلته مستكشفًا قبائل أفريقيا في كينيا وتنزانيا وجنوب السودان انطلاقًا من تنجانيقا أفريقيا السوداء. ومنذ الوهلة الاولى ومع البداية، ينتابك شعور كأنك بالمسلسل الكرتوني الجميل (أليس في بلاد العجائب)، فهو يأخذنا معه للعديد من المغامرات والتنقلات، والكثير من الاستكشافات لمدن وقرى وقبائل، حتى يصل بنا لمرحلة الاصطدام لمدى اختلاف أسلوب حياتهم كليًّا عنا. حيث يبدأ الكاتب بأول الرحلة بوصف حياة وخنقة المدن وطبيعتها المزدحمة دوما (المدينة شيء خانق لزج. البيوت الضيقة كالدكاكين. والناس المتزاحمون في طوابير يتهامسون في ريبة ويتبادلون الخوف، ويتناقلون الأكاذيب).
2. من المدينة إلى الغابات
ثم ينتقل بنا من حداثة المدينة إلى مدن وبلدات ومِن ثَمّ إلى قرى حتى تنعدم الحضارة بتاتا ليصل بك إلى أحراش الغابات وقبائل أفريقية متعددة وغريبة العادات والتقاليد. حيث نعيش معه المغامرة بأن نستكشف أدغال أفريقيا الشاسعة، ويمتعنا بأسلوبه السلس والشيق في معرفة القبائل واختلاف حضاراتهم وكيف البعض منها ظل متأثرًا بالاستعمار.
3. أغرب الطقوس
وكلما حلّ الكاتب بمكان يسهب بحديثه وبأدق التفاصيل ليوضح لنا مدى اختلاف الأعراف فيما بين القبائل، ويعرفنا على الأحكام والطقوس لكل قبيلة، وعلى البدائية التي ما زالوا يعاصرونها وستُذهل من المعتقدات والطقوس التي يمارسونها، التي قد تكون في اعتقادك أنها اندثرت منذ الأزل. (حياة الغابة على حقيقتها وبساطتها تجدها عند هذه القبائل البدائية التي تسكن أدغال تنجانيقيا وكينيا.. عند الماساى ..الماكامبا.. والماو ماو، وهي شيء آخر غير حياة طرزان).
4. استكشاف القبائل
يقوم بذكر أسماء الكثير من القبائل في ثلاث دول أفريقية أولها قبيلة “الماوماو” المتمركزة في الغابات الاستوائية، منها قبيلة الزاندي، والدنكا والشيلوك والنوير ، يأخذنا معه بالحديث عنهم حتى نشعر برغبة في التعرف على تلك المجاهل وعلى أسلوب حياة أناس مليئة بالأعاجيب. ويروي لنا تفاصيل حياة كل قبيلة على حِدَة، ويبين الاختلاف فيما بينهم.
5. أغرب الطقوس والأعراف
فإحدى القبائل ما زالت تمشي على عرف أن يمتلك رئيسها قرابة الخمسين زوجة، فقط لأنه حاكم القبيلة والأغرب من ذلك عادة لديهم بأن يقوم حاكم القبيلة بإكرام الضيف بأن يهديه إحدى زوجاته، ويمارسون الكثير من الطقوس الغريبة والمتنوعة.
6. طقوس الموت
لديهم الطقوس الدينية ومعتقدات وأسماء غريبة مثل رب الموت والدمار، وأيضا طقوسهم الخاصة في الموت، فعندما يموت أحد منهم يشرعون بذبح ثور له أو بقرة ويعلقون الحبل الذي كانت تساق به في عصا ترشق إلى جوار الحفرة التي دفن بها الميت ليعلنوا لرب الموت والدمار بأن الذبيحة قربان له حتى يتركهم ويمشي الموت بعيدًا. وقبيلة (البير) لا تعترف بدفن الموتى، بل يحملون موتاهم إلى مكان خارج القرية، ويلقون بهم في العراء، والأعجب من ذلك بأن يضعوا أواني ماء للوحوش التي ستنهش لحومهم.
7. طقوس الزواج
يمتلكون العادات الخاصة في الزواج بأن الرجل لا يصبح مؤهلًا لهذه المرحلة إلا بعد أن تنتزع أسنانه الأربعة السفلية وتتم تلك العملية بصنارة السمك طبعًا دون تطهير أو أي أدوات من التعقيم. لا يهتمون لخيانة الأزواج كثيرًا وإذا صادف أحدهم خيانة من زوجته يكتفي بأن يطالب بالتعويض من العاشق.
8. طقوس الحيوانات
يقدسون الحيوانات منهم من يقدس الأسد ويذبح له الذبائح ويقدمها له في الغابة، ومنهم من يقدس الثعبان ويقدمون له اللبن، أو إذا صادفه يرش على ظهره التراب ليتبارك به ولا يعترض سبيله ومنهم من يقدس حيوان الضبع ويتشارك معهم الطعام كما يقدمه لأولاده.
9. أغرب قبيلة ( الدوبي )
طائفة من الطوائف تسمى طائفة (الدوبي) وهي الأكثر غرابة من بين سكان الغابات حيث وصفهم، بأنهم بدائيون جدًّا لا يعتمدون في حياتهم على أي زراعة أو أي ريّ، بل يتغذون ويعتمدون على الغابة مباشرة، ليس لهم أكل إلا جذور الأشجار والفواكه وعسل النحل ويشرعون بصيد الفئران ويأكلونها، فوضويون جدًّا وشبه حياتهم كحياة طرزان في الغابات كما يصورها المؤلفون، (هم أقرب أهل الغابة إلى صورة طرزان الحالية كما يتصورها المؤلفون وليس لهم حضارة).
ختام الرحلة ومقارنة
يبدأ الكاتب بختم رحلته بالمقارنة ما بين حياتنا وحضارتنا وحياتهم البدائية بأننا رغم نظرتنا لهم بالوحشية والهمجية، إلا أنهم يتمتعون بصفات نحن بحاضرنا المتمدن أصبحنا نفتقدها، فهم خاليين من التمثيل والزور ومن الخجل ومن الافتعال، شبهم من الداخل بأنهم يمتلكون براءة كبراءة الاطفال (همج، نعم، ولكن ما أحوجنا إلى الكثير من براءة هؤلاء الهمج) وربما نصف أجدادهم من آكلي لحوم البشر ولكننا لا نختلف عنهم بحضارتنا ويضرب مثل هنا بهمجية إلقاء القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما في اليابان ، وكم أكلت ونهشت من البشر ، وأنهم وحوش وبرابرة ويؤمنون بالخرافات ، ونحن الحضر نؤمن بصنم اسمه الدولار وأننا كما نتمتع بحضارتنا من سنيمات ومسارح ولكن ليس لدينا القدرة على الفرح مثلهم .
حيث إن حياة المدينة لا تخلو من الهموم والأحزان وتحجب عنا الانطلاق بالأفراح، ويصف بالنهاية بأن الاوروبيين اقتبسوا من حياة القبائل بأنهم مجتمع يتمتع بالانحلال الأخلاقي والحرية الجنسية التي يمنحونها لأبنائهم من الجنسيين. ومهما أسهبت بالحديث عن محتوى الكتاب فما زال يحمل الكثير بطياته، فقراءته تثريك بكَمّ هائل من المعلومات عن عالم أفريقيا المجهول، ويأخذك بتأملات لعالم ملئ بالمعرفة والحكايات.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 9,051
قراءة في كتاب (الغابة ) للدكتور مصطفى محمود ..يأخذنا معه لنكتشف ونتعرف على أغرب العادات والتقاليد
link https://ziid.net/?p=88566