عبثية التجسيد في مسلسل The lucifer
لوسيفر حيث الدراما في قالب هَزْلي ساخر، نشاهد أسئلة الوجود والحياة تتقاذف بين دقائق المسلسل
add تابِعني remove_red_eye 1,810
[لوسيفر] هو مصطلح لاتِيني يُقصَد به [حامِل الضياء]، والمعنى الميثولوجي له هو [سارِق النار من اجل البشر]، يَتَّضح لنا من هذه الكلمات القليلة أن اختيار شخصيتنا الرئيسية لتكون هي حامِل الضياء نفْسه ليست عبثًا، لكن العبَثية الحقيقة هي كل ما يتعلق بشخصيته، فهي إسقاط بسيط على حالة [الاغتراب]، [الانغماس في الملذات] و[جلد الذات] وغيرها من التجسيدات لحالة البشر اليوم، ولكن كما هو تجسيد للداء، فهو أيضًا يحمل معه هذا الدواء، عبر سلسلة من محاولة إعادة استكشاف الذات البشرية وصفاتها، ومحاولة إيجاد العلاج المناسب من خلال الاحتكاك بالصفات البشرية وحياتهم عَبْر حلّ الجرائم والتحقيق فيها.
الأساسيّات والبِداية
في قالَبٍ هَزْليّ ساخر، نشاهد أسئلة الوجود والحياة تتقاذف بين دقائق المسلسل، ويجيب عليها -مِن دون غيرهم- البَشر أنفسهم، وبهذا يخبرنا المسلسل بكل هدوء أن الإجابات موجودة فعلًا، لكنها تحتاج للقليل من البحث، فالبشر بخِبراتهم الحَياتية الطويلة من أفراح وأَتْراح يمتلكون أساسيات الإجابة، لكنهم يحتاجون إلي شيئين، وهذان الشيئان يتجسدان في شخصيتنا الرئيسية، الأول هو أن تسأل، فنحن نميل أكثر إلى التسرُّع بإطلاق الأحكام الشخصية، ونضع أنفسنا في موضع الضحية، فالربّ يحاربك، العائلة تكرهك والبشر ليسوا على موضع ثقة كافٍ لتُزيل الحواجز النفسية وتعطيهم الثقة الكافية داخل دائرتك الخاصة، والثانية أن تتمتع بِسَمْتَي الفضول والتمُّرد، وهاتان الصفتان يتواجدان بصعوبة في المجتمعات المُنفتِحة، فما بالُك لو كنت من مجتمع محافظ؟
كل هذا يتزامن مع اختيار مدينة [لوس أنجلوس] بشكل خاّص، فَاسْمُ المدينة مأخوذ من اللغة الإسبانية والتي تعني [الملائكة]، فهي مدينة ذات طابع مقدّس اسمًا، وثقافي اقتصادي واقعًا.
وضوح الرؤية والخطوط الدرامية
والآن مع وضوح الأساسيات ربما تغيرت نظرتك الأولى للمسلسل، ولكن يا عزيزي لا أعتقد أنك تريد أن تقع في نفس خطأ بَطَلنا حين غفَل عن حقيقة الإجابة، وتجاهَل الرحلة التي تَقوده للنضوج، وركّز على ذاته والإجابات التي يمتلكها الآخرون، فرغم فضوله فإنه يمتلك اعتقادًا جازمًا بضرورة التجاهُل، والانغِماس في اللحظة المُشبِعة غرائزيًّا، فلوسيفر يمتلك حانَة راقية، يقيم فيها حفلات شديدة الفوضى، مليئة بالموسيقى العالية وجُرْعة مُكثَّفة من الجنس والكحول، ونادرًا ما يستيقظ واعيًا على حالته تلك، لأن المسلسل كان واضحًا بحالة البُؤس المصاحِبة لإيفاقه من سَكَرات الملذَّات.
التمرُّد وتقدير الذات
يرسم المسلسل خطوطًا درامية كثيرة للتمرُّد، ولكن أهم هذه الخطوط هو المتعلق بثيمة الملاك، والإسقاط على [الأجنحة] كهِبَةٍ إلهيةٍ ممنوحة، ويقوم بطلنا -كتعبير عن هذا التمرد- بتمزيق أجنحته وحرقهما ليقول إنه هو من يختار ويقرر ذاته الشخصية، والتي نكتشف من خلال نفس الخطّ الدرامي أنه يعاني من انعدام تقدير لذاته، شاعرًا أنه أصبح -بشكل أو بآخر- ما يقول الناس إنه هو، ومن هنا نبدأ رحلة القبول الذاتي، ونبدأ محاولة إيجاد العلاج المناسِب للحكم على ذاته بدلًا من أن يتأثر بحكم الآخرين عليه، لتصل رحلة كـتابته نهاية التمرد الشخصي، وقَبُول واقِع أنه مسؤول عن كونه ما يكون بهبة إلهية أو بغيرها.
وتكتمل مسيرة الرحلة حين يبدأ بالإيمان بذاته، ويقوم بتقديرها على ما هي عليه كتتويجٍ لرحلةٍ طويلة من الكفاح الذاتي، وقَبُول كونه المسؤول الوحيد عن نتائج حياته واختياراتها، وكل هذا يكون نابعًا من الثقة المكتسبة، لا من تقدير الآخرين، بل من رحلة شديدة التعقيد، مليئة بالجهد والتضحية، خرج منها مُصابًا ومُقدِّمًا العديد من التضحيات.
نتفلكس والنهاية
بعد نهاية الموسم الثالث، قامت نتفلكس بالاستحواذ على المسلسل، وببطء وببساطة، بدأت بتدمير أي ثـيمة يمكن أن تتواجد خلف الخطوط الدرامية لصالح الإثارة والتحقيق، ليتحول المسلسل من تجربة حياتية كاملة، إلى مجرد اسْمٍ آخَر في قائمة مسلسلات التحقيق والإثارة أو الدراما الرخيصة التي يستعملون فيها الميثولوجيا الدِّينية.
لم يتقبل محبو المسلسل هذا، وعبَّروا عن عدم رضاهم من التغيُّر الكبير داخل أحداثه، مما اضْطَر نتفلكس إلى الإعلان عن كون الموسم الرابع هو الموسم الأخير للمسلسل، ولكن كما كان للمسلسل متابِعيه، فدخوله للشبكة الأشهر عالميًّا جَلَب نوعية أخرى من المشاهدين الذين أُعْجبوا بالحوار البسيط والدراما المُمتِعة، والذين في المقابل وقَّعوا على عريضات وصلت لمئات الألاف من التواقيع من أجل إعادة استكمال المسلسل، ونجحوا في جعل نتفلكس تصل للموسم السادس والأخير -تبعًا للإعلان الرسمي- ليكون بهذا أعلى مسلسلاتها الأصلية على الإطلاق بواقع 93 حلقة.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 1,810
لوسيفر .. هل هو مجرد مسلسل تحقيقات أم له أبعاد أخرى؟
link https://ziid.net/?p=89500