مسلسل على حافة الهاوية: صراعات وخوف يورث جيل بعد جيل
جميعنا على حافة الهاوية، كلٌّ منا يبكي على ليلاه، ويعاني من مشكلات ومآسٍ لا نعلم عنها شيئًا، فرفقًا ببعضنا.
add تابِعني remove_red_eye 21,514
لقد اختارت السيناريست السورية “أمل حنّا” شخصيةً بالغةً في التعقيد، الخوف، الارتباك والهشاشة ليؤديها باسل خياط ببراعة، “منصور” هذا الابن الذي يقبع في دورهِ المركب كابن، صديق وحبيب في أسفلِ سلم الثقة بالنفس، فاقدًا لكلِّ ما قد يحمله شابٌ في سنهِ، تحصّلَ على بكالوريا علمي وذكي في فهم الفيزياء، الكيمياء والرياضيات، متفوق وناجح ولكنهُ فاقد للتعامل السوي. تظهر هذهِ الشخصية بكاراكتير واضح منذ البداية، شكل الرأسِ المطأطأ إلى أسفلِ، المشية المرتبكة، التأتأة في الحديث، والخوف الدائم رغم توجهه للتدرب على الملاكمة لكن لا جديد يبشر.
الشاب الذي تعرضَ منذ طفولته إلى الاحتقار والتهميش، أيضا التعنيف الجسدي بالضربِ، ليمارسُ هو الآخر لعبةَ الكذب الجميل والاحتيال، ليكتب مذكراته مع والده واصفًا إياهُ كبطلٍ، مبررًا له جميع تصرفاته حتى شُحّه، ليس فقط في المشاعر، ولكن المادي أيضًا، هو الذي يأكل الفاكهة وحده، ولا يمنح زوجته ولا ابنه وبنته جزءًا، لا يشتري إلا الملابس المستعملة، يرقع الأحذية حتى لا يتبقى جزءٌ منها غير مثقوب. ثقوب علمت على ذاكراتهم أيضًا، فلا حياة كاملة أو حتى قابلة للرضا مع رجلٍ كأبِ منصور، ويصدق الأب هذا.
سكان البناية وهم على حافة الهاوية
خطٌ درامي قوي، بنت عليه أمل حكاياتٍ من دمشق، بالإضافة إلى الخط الدرامي الذي يجمع بين سكانِ بنايةٍ واحدة. تحليل النفس البشرية، وعرضها على المشاهد في خضم معركة القيم والاختيار والمواجهة، المشاكلِ والقضايا الاجتماعية هو كل ما يعالجه العمل الدرامي. في البنايةِ نماذج كثيرة عن العيشِ والأفكار، بدايةً من اختاروا العزوبية للحفاظ على الاستقلالية والحرية، إلى الأسرةِ السعيدة، إلى النموذج الذي يخوض في طريق الطلاق، إلى الثنائي المنفصل، وتسلط زوجة الأب والحماة.
ربما تحاول الكاتبة من خلال إظهار كل هذهِ النماذج، أن المشاكلَ دومًا حية ولا حياةَ كاملة بالشكلِ الذي يعتقده أحد، دائما هناك منغصات، دائما يوجد ما يفسد صفو الساعات والحياة، ويفتح المعارك.
تخوض شخصية ميساء (يارا صبري) الصحفية والمسئولة عن صفحة الطبخ معاركها ضد المجتمع، تملك استقلالية مادية وتعيش بمفردها في شقة ضغطًا متواصلًا من شقيقتها للارتباط مع رفضها المستمر، رغم ذلك تجبرها بالجلوس مع عريسٍ. نفس الحال بالنسبة لشخصية جمال (عباس النوري)، الرجل المتحقق ماديًّا ويرفض الزواج، يعاني من ضغطٍ رهيب من شقيقته.
نموذج سمر (كاريس بشار) وفارس (جلال شموط)، ورغم زواجهما عن حبٍّ إلا أن تدخل الأم التي يتقاسمان معها المنزل، يؤدي إلى مشاكلَ دائمة بين الاثنين والذي تقرر فيه سمر طلب الطلاق بدل المواصلةِ في حياةٍ جحيمية.
الطلاق
تختلفُ أسباب الطلاق في المسلسل، إلا أن النتائج واحدة: أطفالٌ مرتبكون نفسيًّا، يعانون الخوف والضياع، يهربون من مصائر آبائهم ويجهلون القيم التي يبنون عليها مستقبلهم. في حالة علاء (جمال سليمان) الذي طلق زوجته دون سببٍ واضحٍ لتعيش عشر سنواتٍ من عمرها تبحث عن سببٍ لما فعله، بينما يترك ابنهما نادر (قيس الشيخ نجيب) لمواجهة مصيره مع هذا الطلاق، لا يختلف الأمر مع “لوليا” التي تعيش جحيم زوجةِ الأب، وهي تمارس عليها كل مشاعر الكراهية والحقد، الضرب والاتهامات المستمرة لخرابِ الزواج.
يناقش أيضًا نموذج الأفكار الذكورية المريضة التي تواجهها النساء، قلة الخيارات المطروحة أمامها مقارنة بالرجلِ، وكيفَ يفكرُ الكثير من الرجال في المجتمع بملكية النساء وقراراتهن حتى بعد الانفصال، كما حدث مع علاء حين قررت طليقته الارتباط مجددًا.
الانهيارات المشتركة
في خطٍّ درامي آخر يعالج العمل، الرشوة والبحث عن المصالح وكيف يستطيع الإنسان أن يتنصل من قيمهِ في سبيلِ المال، وضمانِ حياةٍ ماديةٍ أفضل. ما يجمع بين كلِ هذه القصص والأبطال، الحياة المنهارة أو المشارفة على الانهيار، كما عبر عنها العنوان بالضبط “على حافةِ الهاوية”، كلٌّ غارق في حياتهِ، وكلٌّ يحاول التقاط أنفاسهِ، لا يتخذ قراره بسهولة، يقيده الخوف والارتباك، ويحل مشاكله بالهروبِ غالبًا. تركز الكاتبة على إظهار جيل الآباء ثم الأبناء وكأنها تمنح صورة كاملة للانهيار الذي يلحق جيلًا بعد آخر.
في كلِ هذه القصص والأحداث يعرض علينا المثنى صبح، جزءًا من دمشق بعوائلها، رجالًا ونساء وأبناء ويحاول تفكيك الصورة الواحدة للعائلة إلى أسبابٍ ونتائج، معطيًا أهميةً بالغة لكلِ المشاعر التي يعيشها الأفراد وكيف تؤثر على منحى حياتهم وقراراتهم.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 21,514
الهاوية.. تجربة الانهيارات والعلاقات وتحليلها وانعكاس كل ذلك على المجتمع
link https://ziid.net/?p=87150