مُراجعة: رواية “المسخ” لكافكا
عالم الروايات السحري الذي يحملك لأزمنة وأماكن جديدة ويجعلك تتلبس شخصيات لم تعرفها من قبل
add تابِعني remove_red_eye 145
وُلِد “فرانز كافكا” في (3) يوليو عام (1883م) في مدينة براغ، وفي عائلة متوسطة الطبقة. بدأت أسطورة فرانز كافكا الكتابية والنثرية والأدبية من بعد وفاته حيث نشرها صديقة المقرّب والمفضل “ماكس برود” الذي خالف وصية كافكا بإبادة وحرق كل ما كتبه، والذي التقى به كافكا في الجامعة في الفترة التي درس بها كافكا تخصص القانون الذي ألتحق به لأنه يعرض عليه احتمالات وظيفية كبيره، وهذا الأمر الذي كان يطلبه منه والده. وحين قرأ الكثير نصوصه ودرسها الأدباء والنّقاد تم وصف كافكا بأنه أهم كتّاب العالم.
تتجسد شخصيات الرواية أولًا في “جريجور” مندوب مبيعات يستيقظ فيجد نفسه كائنًا غريبًا أو حشرة كبيرة بمعنى آخر، ووالدته ووالده وأخته ولحظات حاضرة من حياته كحشرة وكإنسان.
يبدأ كافكا بوصف الحالة العامة لجريجور عندما انجذب نظره نحو النافذة ورأى الجو عابسًا وعاصفًا والأمطار تعكر سكون غرفته، فداهمه اكتئاب وخطر بباله “ماذا لو واصلتُ نومي فنسيت كل هذا العبث”.
يجسّد هذا الجزء من الرواية حالة الإنسان المُكره على مضي حياته وتسارع أيامها بغير رضا صاحبها، على أن جريجور كان شخصًا لا بأس به في حياة عائلته، حيث إنه يعمل من أجل توفير حياة كريمة لهم، ويبذل كل الجهد لذلك، إلا أنّ جريجور في لحظة تحوله إلى حشرة رهيبة على ظهر صلب كالدرع وبطن بنيّة اللون لم يكترث لهذا الأمر كشأن شخصي ومشكلة متعلقة به فقط كإنسان مُستقل، تصرفاته لا تؤثر في حياة والده أو الآخرين، بل تعامل جريجور مع أمر تحوله كأنه عناء آخر يبذله من أجل الآخرين ولا يرغب في تفسير هذا الأمر لنفسه بقدر بحثه عن تبرير يقدمه لمدير عمله، ووالده ووالدته وأخته .
وبعد لحظات يخطر ببال جريجور “يا ربي! يا لهذه المهنة التي اخترتها لأكون على سفر ليل نهار، فمتاعب هذه العمل أعظم بكثير من العمل بالمتجر، وفوق ذلك فقد فرضت عليّ أعباء السفر، وهم تغيير القطارات، وتناول طعام سيء غير منتظم، وعلاقات إنسانية متقطعة غير مستقرة ولا حميمية، فليذهب كل هذا إلى الجحيم”.
وكأن لحظات تحوّله لحشرة استرجاع لكل وضع كان جريجور فيه وتفكّر عميق في عدم رضاه عن وضعه المهني والاجتماعي والعاطفي، وخاصةً وظيفته التي اختارها لسداد ديون والده وظروفه المالية، وعبّر عن ذلك في رغبته في الاستقالة ومواجهة مديره والإفصاح عن رأيه فيه، وينقطع بعدها جريجور عن واقعه المَرير وكل ما يفكر فيه هو اللحاق بقطار الساعة السابعة وتجنب غضب مديره، وينتقد من جديد العاملين معه ووضعه المهني.
هل كانت الرواية قصة حياة كافكا شخصيًا
بشكل عام كانت الرواية تجسّد شعور الوحدة والاستغناء بصورته الواضحة، المُحزن أنّ هذه الرواية جزء من تجربة كافكا الحياتية ربما لهذا السبب كانت من أفضل الأعمال الفنيّة، وصف كافكا غربة الإنسان في المجتمع الإنساني وانفصاله كفرد عن كيان كان جزءًا لا يتجزأ منه، وربما في أحيان كثيرة كان يظن أنه هو ثبات هذا الاستقرار وتماسكه إلا أن فرصة انقطاعه لوهلة وبغير إرادة منه كان كفيلًا بطرده وانتشاله من هذا الكيان كما لو أنه حشرة وشيء لا يرغب الآخرين برؤيته والتعايش معه.
يختفي جريجور من حياة عائلته والآخرين ببساطة باختفاء ما يربطهم به ماديًّا، ووصف كافكا هذه الفكرة والحقيقة المؤلمة في الفصل الثالث من الرواية، في حين غضب الأب وبكاء أخته ومحاولة سيطرة الأم على الأمور، كل ما فكّر به جريجور هو أن لا أحد يوفّر عليه عناء رؤية هذا المشهد سوى إغلاق الباب عليه كي لا يسمع كل هذا الصخب، كما لو أن كل عائلته بأنانية تناست وجوده تمامًا؛ لأنه لا أحد يسمع صوته المعتاد؛ ولأنه يعجز عن التحرك كالمعتاد والعمل بجهد لأجلهم على الرغم من أن جريجور ما زال موجودًا بروحه التي جهلوها دومًا ولم يعرفوها مطلقًا، ما زال بكل تأكيد لا يرغب في معاناة والده بسبب فصله من العمل ويرغب لأخته أن تدرس دومًا ما تُحبّ إلّا أنّ جريجور استيقظ وهو يعجز عن كل هذه الرغبات الصادقة مما جعلهم يستقصونه من عالمهم وحيواتهم.
وفي الأخير كان جسد جريجور متصلبًا ويعجز عن الحركة، إلَّا أنّ أحدًا لم يلحظ ذلك وكان ذلك كافيًا بإنهاء حياته ومعاناته.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 145
عمل يجسّد العزلة عن الكيان الإنساني و طُرق الغربة والوحدة . قراءة في رواية المسخ لكافكا
link https://ziid.net/?p=74350