أسباب غياب الإبداع في الدراما العربية
في العمل الدرامي يجب أن يدرك الفنان أن عليه وضع بصمته الخاصة، والمخرج رؤيته الخاصة للعمل، والكاتب أن يقدم عملا يستحق المتابعة
add تابِعني remove_red_eye 67,876
تميزت المسلسلات العربية قديمًا بالمحتوى الأصيل والبسيط والعفوي الذي يناسب جميع أفراد الأسرة ويأسر حواسهم أثناء مشاهدته. فلو رجعنا قليلًا للماضي لتذكرنا خالتي قماشة كيف كانت تخيف الكبير قبل الصغير لتفرض قوانينها، لتأكد لنا أن الأم العربية دائما تفرض سيطرتها بالنهاية. ولا ننسى دموعنا في دمعة عمر واحتقارنا لدور زوجة الابن لدرجة تعاطفنا مع الأم ضد ابنها، ولا ننسى حارات الشام العريقة وجدرانها في ليالي الصالحية.
والمسلسل البدوي جواهر وقصة الحب الجميلة بين حمد وجواهر، ولن أعيش في جلباب أبي والحاج متولي وثمن عمري والليل وآخره والعولمة، حيث انفرد الفن العربي القديم بأصالة الفكرة وجودة المحتوى، والتاثير الذي تتركه الأعمال على المشاهد حتى بعد انتهاء المسلسل بسنوات. أما الآن تعددت المسلسلات ولكن أصبح المحتوى الأصيل والأفضل نادرًا أو غير موجود. أصبحت القصص تتشابه في الفكره والمضمون والتأثير.
بعكس المسلسلات القديمة التي ما زالت مشاهدها بالذاكرة، كذكريات عميقة لقصصٍ ما زالت تحمل الكثير من الأفكار، مثل افتح يا سمسم ويا جدي وبابا فرحان ومرايا وطاش ما طاش وبقعة ضوء وغيرها من المسلسلات جميلة المحتوى، وبسيطة المضمون. مسلسلات تحاكي جو الأسرة العائلي، وتخلق الترابط والانسجام بينهم.
أسباب غياب الإبداع في المسلسلات العربية
« أكثر الناس تحقيقًا للنجاح هم أولئك الذين يدركون أن الفشل هو أمر لا مفر منه» كوكو شانيل . تعبّر هذه المقولة عن واقعنا الحالي حينما نقول أن الدراما العربية فشلت في استقطاب المشاهد بينما نجحت العالمية في ذلك وليس لافتقاد عناصر النجاح في الدراما العربية بل لعدة أسباب وهي:
غزارة الإنتاج الدرامي مع فشل في التوقيت
اختيار شهر رمضان لعرضها والتنافس فيه حيث تزدحم القنوات العربية بجميع أنواع الدراما بينما تقل في الأشهر الأخرى. عدم اختيار التوقيت المناسب لطرح العمل ليأخذ التقدير الذي يستحقه حيث يتراوح تمثيل العمل الدرامي العربي إذا كان 30 حلقه 90 يوم أما في المواسم كرمضان 60 يوم. وفي المسلسلات الأجنبية بين 8 أو 15 حلقة في ثماني شهور لمراعاة الجودة وإضافة التحسينات اللازمة على العمل.
عدم استهداف الجمهور المناسب
المسلسلات العربية قديما ركزت على وضع القيم الإسلامية المتعارف عليها والعادات والتقاليد في العمل الفني لكن في الآونة الأخيرة أصبحت الدراما العربية تتوجه للتقليد الأعمى للغرب وتناست القيم والمبادئ التي كانت تحرص عليها وبدلًا من أن تكون لجميع الأسرة أصبحت للكبار وتضمنت بعض المشاهد غير اللائقة كما في الدراما المصرية واللبنانية وخوفًا من مقص الرقيب قررت الرقابة المصرية وضع التصنيفات على المسلسلات، بينما امتازت الدراما الأجنبية بمخاطبة جمهورها على حسب مستواه العمري وسبقت الدراما المصرية لتلك الخطوة.
إفساد حبكة الرواية
يشيع في الدراما العربية الحالية تناول مواضيع الروايات في الدراما وإفساد قصتها الأساسية بتمثيل فاشل أو تغيير في بعض الأحداث التي تستند عليها حبكة القصة الأساسية مثل رواية ساق البامبو و كحل أسود قلب أبيض. فالأفضل في حالة إعادة تمثيل الروايات في مسلسل أن يكون التمثيل والإخراج ناجحًا، ليليق بالعمل الروائي الذي يتم تقديمه ،ونجح بذلك مسلسل أفراح القبة لنجيب محفوظ.
ضعف الإمكانيات الماديه والفنية
1_ قلة خبرة المنتج أوالمخرج بالفن الذي يقدمه ورغبته بالنجاح والانتشار دون الاهتمام بجودة المحتوى الذي يقدمه للمشاهد.
2_ تراجع الدراما السورية بسبب الحرب والظروف الاقتصادية السيئة للبلد مما أدى لضعف الإنتاج ونقص في عدد الممثلين وافتقاد المخرج لبعض الأدوات الفنية ليخرج فنًا لائقًا يستحق المشاهدة بالإضافة إلى صعوبة إيجاد المكان المناسب للتصوير.
3_ تدخّل شركات الإنتاج والمستثمرين في محتوى الفن أو المسلسل لأنه يقوم بتمويله وإنتاجه.
4_ اختيار الممثل على حسب شهرته وليس مناسبته للدور مثل عبد الله التركماني بدور ناصر في كحل أسود قلب أبيض.
5_ رداءة النص والمحتوى في الكوميديا مثل مسلسل هايبر لوب.
6_ عدم الاهتمام بالقصة والإنتاج والتفاصيل الفنية، فحتى في وجود ميزانيات الإنتاج الضخمة ما زال الكتّاب يعتمدون على نصٍ رديء لطرحه في التلفاز.
بماذا امتازت الدراما الأجنبية مقارنةً بالدراما العربية؟
- تنوع المحتوى وتجدد الأفكار، فالدراما الأجنبية متنوعة الأفكار والإمكانيات.
- الحبكة الدرامية ممتازة من حيث ترتيب الأحداث والشخصيات.
- التأثير على المشاهد في الأحداث وإدخال الجانب الإنساني في القصة لكسب تعاطف واهتمام الجمهور.
- معرفة جمهورك أو لمن تقدم هذا العمل فيتم مراجعة العمل أكثر من مرة قبل طرحه على التلفزيون.
- الشخصيات والأحداث في القصة مترابطة، فالحبكة الدرامية والشخصيات متكاملة في العمل الدرامي.
- نقل الأحداث بطريقةٍ مشوقة، فالمتابع يرتبط بأحداث الحلقة الأولى إلى الأخيرة بأسلوب شيق وجذاب.
- حلقاته قصيرة وإن طالت بسبب الأحداث المهمة بالمسلسل التي تتناسب مع طول أو قصر المسلسل.
- ترجمته للغات أخرى بعكس الدراما العربية التي نادرًا ما تترجم أعمالها.
كمشاهدة شغوفة بالدراما والإنتاج السينمائي الأجنبي ما زلت أرى الدراما العربية تتخبط في محاولة لإيجاد مكانها في الدراما العالمية وما زال مشوارها طويلًا جدًا إن اعتمدت على نفس الطرق والأفكار لصناعة المحتوى، فقضية الابن العاق والخلاف على الشركات والخيانة الزوجية تعالج بنفس الطريقة، والمسلسلات التاريخية تفقد نفسها في المنتصف فلا تعلم ما المغزى من قصة المسلسل، أما قصص الحب فتضيع وسط كل ذلك.
من الضروري إعادة النظر في كيفية ضخ الإنتاج، والاعتماد على توجيه التكاليف للإنتاج الفني والقصة والإخراج. والحل بإعداد ورشة كتابة للكتّاب المبدعين يصنع منها العمل الدرامي والتركيز على الإخراج وإتقان الشخصية والدور كفن قابل للنقد والإبداع. (العمل الفني ليس عمل فردي بل جماعي حيث نجاح الممثل، والنص والاخراج يعتمد على نجاح العمل كاملًا)
add تابِعني remove_red_eye 67,876
هل تسأل نفسك عن سر تراجع الدراما العربية ؟ هذا المقال يساعدك للإجابة
link https://ziid.net/?p=44494