مالك بن نبي ومشكلة الأفكار في العالم الإسلامي
مالك بن نبي من الشخصيات التي أثارت الجدل بأفكارها وتطلعاتها والتي ما زالت حتى يومنا هذا موضع دراسة وتفكير من الكثيرين
add تابِعني remove_red_eye 15,397
مالك بن نبي في كتابه “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي” والذي يتضمن سبعة عشر بابًا يتطرق فيه إلى عالم الفكرة وعلاقاتها بعوالم ومعايير أخرى عديدة،
فاستهل بابه الأول بالتكلم عن طريقة الإنسان في ملء الفراغ باعتبار أنها هي التي تحدد طرز ثقافته وحضارته أي سائر الخصائص الداخلية منها والخارجية لوظيفته التاريخية، فرأى أن هناك طريقتين لملء الفراغ:
فإما أن ينظر المرء حول قدميه أي نحو الأرض، فهذه الطريقة تملء وحدته بالأشياء حيث يجمح بصره المتسلط لامتلاكه. أو أن يرفع المرء بصره نحو السماء وهي التي تملئ وحدته بالأفكار ويبحث عن الحقيقة بنظرة المتسائل، ومن هنا يتولد نموذجان من الثقافة: أحدهما: ثقافة سيطرة ذات جذور تقنية، والأخرى ثقافة حضارة ذات جذور أخلاقية وغيبية. ولكي يوضح لنا مالك بن نبي فكرته هذه ضرب لنا مثالين عن بطلي قصتين عاشا منعزلين (روبنسون كروزو، حي بن يقظان) يعبران بوضوح عن نمطي الثقافة فالأولى تنطلق من محو كامل للأشياء والثانية من محو كامل الأفكار.
وبعدها يخبرنا مالك بن نبي أن الشخص في حياته يمر بثلاث عوالم، فالطفل باعتباره إنسانًا منعزلا في طريقه إلى الاندماج عندما يرى النور لأول مرة يكون غارقا في عالم الأشياء فيده تعتبر شيئا مسليا يلعب به، ومنه يكتسب الخبرة في عالم الأشياء فينتقل بعدها لاكتشاف عالم الأشخاص فيبدأ بالتعرف على وجه أمه ثم أبيه ثم إخوته فتتولد عنده علاقات عاطفية ثم اجتماعية، ومن ثم عندما يكبر الطفل ويذهب للمدرسة هناك يندمج في عالم الأفكار.
ومن الطفل ينتقل بنا مالك بن نبي فيرى أن المجتمع يمر بثلاثة مراحل: فالمرحلة الأولى هي مرحلة ما قبل التحضر وتمثل المجتمع الجاهلي، المرحلة الثانية هي مرحلة التحضر وتمتد من مرحلة الإسلام ونزول الوحي على سيد الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى سقوط دولة الموحدين، والمرحلة الثالثة: مرحلة ما بعد التحضر والتي يخطئ الكثيرون في تعريفها ويعتبرونها امتدادا لمرحلة التحضر ولكن في حقيقتها هي مرحلة أفول للحضارة متجسدة في مجتمع ما بعد الموحدين.
عرف مالك بن نبي الحضارة على أنها جملة العوامل المعنوية والمادية التي تتيح لمجتمع ما أن يوفر لكل عضو فيه جميع الضمانات الاجتماعية اللازمة لتطوره، ويرى أن توفر الشروط المادية ليس شرطا في النهوض بأمة وغيابها ليس سببا في تأخرها عن ركب الحضارة ولكن المعيار الأساسي يكمن في قدرة الأفكار على التعامل مع الوسائل الموجودة أو التمكن من خلق بدائل لها . ومن ثم ينتقل بنا إلى الطاقات الحيوية للمجتمع التي يؤكد بوجوب أن لا تتحرر بالكامل أو تحيد كثيرا فإن هي حيدت تسببت في تعطيل المجتمع وأن هي حررت بالكامل أصبح المجتمع منحلا يسيره قانون الغاب.
يرى مالك بن نبي أن لكل مجتمع خصوصيات تميزه عن الآخر وأن فكرة ما يمكن أن تنجح في مكان وتفشل في آخر وضرب لنا مثالا بتحريم الخمر ففي المجتمع الإسلامي سار التحريم دون مشاكل وتقبله الكل أما في امريكا فقد قوبل بالرفض وما نتج عنه من عمليات تهريب وصناعة مغشوشة له أثرت بالمجتمع جعل أمريكا تتراجع عن قرارها بالتحريم.
انتقل بنا مالك بن نبي إلى الافكار فقسمها إلى أفكار مطبوعة وهي أفكار أساسية تمثل المكتسبات القبلية للإنسان التي يتوارثها من جيل لآخر وأفكار موضوعة تعطي للإنسان صبغة الحداثة، ومن ثم أشار إلى الخطأ الشائع الذي يقع فيه الناس الا وهو تجسيد الفكرة في الأشخاص، وبعدها انتقل بنا إلى الفكر الإسلامي ورأى أن الفكرة الإسلامية لكي تنافس المجتمعات الغربية فعليها أن لا تدافع عن أصالتها فقط بل إن تعيد الفعالية لها من خلال أفكار فعالة تصنع التاريخ وتعيد لها مكانتها في العالم.
وهناك مشكلة أخرى ذهب إليها بن نبي إلا وهي ازدواجية اللغة التي خلقت مشاكل عدة في المجتمع الواحد وفي العالم الإسلامي أجمع الذي تجاوز مداه الطابع الجمالي منتقلا إلى الطابع الخلقي، ومن موضوع ازدواجية اللغة إلى عنصر الأفكار الميتة والأفكار المميتة، حيث عرف بن نبي الفكرة الميتة بأنها تلك التي انحرفت عن مثلها الأعلى وخذلت الاصول ولذا ليس لها جذور في العصارة الثقافية الأصلية، في حين عرف الفكرة المميتة بأنها الفكرة التي فقدت هويتها وقيمتها الثقافيتين بعدما فقدت جذورها التي بقيت في مكانها في عالمها الثقافي الأصلي.
وقد أسهب بقوله إن في كلتا الحالتين خيانة للأفكار فهي تجعلها سلبية ضارة، ويقول إن ما أضافه التاريخ على حكمة سقراط هو أن الأفكار المقتولة (الأفكار المخذولة) تنتقم انتقاما مخيفا. وفي الأخير يختم ابن نبي بقوله أنه لا بد أن نعقد فصلا خاصا للأمراض الاجتماعية يعالج القصور الذي يصيب الأنظمة الاجتماعية والمؤسسات العامة، كما تعالج في الطب الأمراض العضوية. ويضيف بأن طريقة حصر أسباب المرض هي التي تسمح لنا بوضع المشكلة التي نحاول طرحها في أطرها الصحيحة. ويخلص ابن نبي إلى أنه لكي يكون للنشاط الاجتماعي أرضية فكرية فإن الفكرة هنا لا تكون في حالتها الصافية، بل في حالة تندمج فيها بالسلوك أي في تلك الحالة التي نفسرها بها ونفهمها ونتحملها.
مالك بن نبي في ختامه لكتابه مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي يذهب بالقول أن ما نعانيه اليوم من تدهور يرجع إلى انتقام رهيب من الأفكار المخذولة ويضيف بأن سلوك المسلم منا اليوم يرتبط بتنكر مزدوج فهو من ناحية فقد الاتصال بالنماذج المثالية لعالمه الثقافي الأصلي ومن جهة أخرى لم يستطع إنشاء اتصال حقيقي بالعالم الثقافي الأوروبي كما فعلت اليابان.
إليك أيضا
add تابِعني remove_red_eye 15,397
مقال يناقش أبرز أفكار مالك بن نبي
link https://ziid.net/?p=23298